حاجتنا للتفكير داخل الصندوق
لفت نظرى تغريدة للسيد ضاحى خلفان الشخصية الإماراتية المشهورة.. كان الرجل يدعو مواطنى بلده الشقيق لـ«التقشف» أو تخفيض النفقات الشخصية لمجاراة الأزمة العالمية.. اندهشت جدًا أو قل إننى أدعى أننى اندهشت! فالإمارات الشقيقة قوة اقتصادية كبيرة، ودخل المواطن الإماراتى من أعلى الدخول فى العالم وأسعار النفط فى ازدياد دائم جراء خروج النفط الروسى من كثير من الأسواق.. ومع ذلك فإن هذا القائد الاجتماعى والمؤثر يدعو مواطنيه للتقشف وربط الأحزمة.. إنه من وجهة نظرى رجل شجاع.. إننا نريد من إعلاميينا وسياسيينا وقادة الرأى لدينا أن يتحلوا بمثل هذه الشجاعة.. إننى لا أصادف ضيوفًا يتحدثون عن ضرورة التقشف والترشيد فى قنواتنا الوطنية.. ولا أقرأ مقالات عن الموضوع لكبار كتابنا، والأهم أن المسئولين يخافون من استغلال كتائب الإرهاب الإلكترونية تصريحاتهم إذا خاطبوا الناس فى هذا الموضوع الحيوى.. والأخطر أن كثيرين لدينا لا يدركون أن الدعوة صادقة وأنها ضرورة موضوعية وأن دول العالم كلها ستأخذ بها.. إن انغلاقنا على أنفسنا.. وعدم وعينا بما يحدث فى العالم.. وكسلنا العقلى والجسدى الذى استحكم فى آخر ثلاثة عقود يجعلنا نتصور أن الحكومة «تضحك علينا» بدعوات الترشيد.. وأننا إذا ضغطنا عليها بالرفض والسخرية والتهديد بالخراب فستتصرف وتحل المشاكل.. والحقيقة أن الأزمة العالمية ستجعل فرص تصرف الحكومة مقيدة بعض الشىء، وأننا يجب أن نأخذ أنفسنا بجدية أكثر من هذا.. وأننا لا بد أن نبدأ حملة إعلانية يشارك فيها نجومنا المحبوبون عن ضرورة الترشيد، محمد صلاح مثلًا.. هل تظن أنه مسرف؟ فى الحقيقة لا.. وإلا لما اهتم بعمله كل هذا الاهتمام ولما تبرع للخير بكل هذه الأموال.. فالمسرف أنانى يحتفظ بنقوده لنفسه ولا يحب فعل الخير عادة.. إلى جانب دعوة الترشيد التى يجب أن نأخذها بجدية وأن يروج لها نجوم محبوبون لا إعلاميون والتى يجب أن تتم فى قنواتنا المصرية وعبر نجومنا الذين نحبهم ونثق فى إخلاصهم.. علينا أن نواصل البحث فى حلول ابتكارية لأزمة الغذاء التى تنذر بالتصاعد لو استمر الصراع، وهو للأسف سيستمر.. من هذه الحلول الصحية أن يعود المصريون مرة أخرى لاستهلاك الخضروات بشكل أكثر.. كان والدى ووالدك وجدى وجدك يأكلون الخضروات أكثر منا بكثير.. الفلاحون يأكلون الخضروات الورقية مع كل شىء.. الجرجير والفجل والخس وخلافه كانت تسهم فى ملء البطون مع الجبن القريش والجبنة القديمة والفول الأخضر.. إلخ، وفى وجبات الغداء والمواسم كانت هناك الخضروات مع قطعة أو اثنتين من اللحم.. حتى التسعينيات كان طبق الخضار والأرز وقطعة اللحم والسلطة هو طعام كل المصريين.. الأستاذ هيكل روى أن هذا كان هو الطبق الرئيسى للزعيم جمال عبدالناصر الذى قال له إنه لا يريد طباخًا يقدم له أصنافًا أخرى غير ما تعود عليها.. ولم يتغير هذا إلا منذ عشر أو خمسة عشر عامًا.. ظن الجميع أن عليهم أن يأكلوا نفايات الدهون فى مطاعم الوجبات السريعة أو يقلدوا برامج الطبخ التى يقدمها عاملون فى مطابخ الفنادق ويشرحون فيها وجبات فندقية باهظة الثمن.. واتجه الفقراء إلى عربات الكبدة والسجق ومطاعم «حلويات الدهون» وكلها نفايات غذائية ضررها أكثر من نفعها.. أمُر على شارع الناصرية فى السيدة زينب قرب الفجر لأجد مئات الشباب وأمامهم كميات دهون تكفى لإصابة قطيع من الأسود بالوخم والوهن لو أكلتها، وأسأل نفسى كيف سيذهب هؤلاء إلى أعمالهم فى الصباح بعد كل هذه الدهون.. هؤلاء الشباب معذورون لأنهم يبحثون عن مصدر رخيص للبروتين الحيوانى ويتعاملون مع الأكل على أنه المتعة الوحيدة المتاحة فى مجتمع يحرم الفن والرقص ويؤخر سن الزواج فيحرم الشباب من حقه الشرعى والإنسانى.. ولكن رغم أنهم معذورون فإن ما يفعلونه خاطئ ومضر بصحتهم وبجيوبهم.. حيث نحن من أكثر الشعوب إنفاقًا على الطعام بالمقارنة بالدخل.. بمعنى أن الطعام يحتل لدينا أولوية عن التعلم والترفيه والقراءة والسفر.. ومع ذلك أنا لا ألوم الناس لأن الدولة والنخبة تخلت عن دورها فى توعيتهم سنوات طويلة وتركتهم لأنفسهم.
مؤخرًا صرح الرئيس السيسى بأن زراعة الخضروات فى «الصوب» الزراعية أدت لطفرة كبيرة فى الإنتاج.. هذه الطفرة عبرت عن نفسها فى رخص سعر الخضروات وجودتها هذا العام تحديدًا هى وجميع أنواع الفاكهة.. الأهم أن الرئيس قال إن القوات المسلحة توقفت عن زراعة الخضر حرصًا على مصلحة المزارع الفردى حتى لا ترهقه المنافسة فيخرج من السوق أو يُضار ماديًا.. نحن نأكل الخبز مع الخضروات واللحوم.. أو هكذا كنا نفعل.. الخبز من القمح والقمح تضاعف سعره عدة مرات وسيتضاعف أكثر ونحن نستورده بالدولار وهو نادر فى هذه الأيام.. كل هذا لا ينطبق على الخضروات التى يمكننا أن نزرع منها آلاف الأطنان دون تكلفة كبيرة لأن القوات المسلحة لديها الصوب بالفعل.. نحن لا نحتاج دولارات لزراعة الخضر والفاكهة.. هذه منتجات مصرية سعرها رخيص.. أنا لا أقنعك بفائدة الخضروات وطبق السلطة لصحتك.. أنت ستظن أننى أبحث عن مبرر لحرمانك من اللحم والخبز.. لذلك أنا سأدخل فى الموضوع مباشرة وأقول لك أنت مضطر.. ما أقوله لك أو ما سيقوله لك الطبيب أو مقدم البرامج أو النجم هو أن علينا أن نغير نمط تغذيتنا حتى تمر الأزمة.. أنت لن تجرى تغييرات جذرية عنيفة.. أنت محتاج لطبق خضروات أكبر ولطبق سلطة إذا أحببت وبكل تأكيد لن تكون مضطرًا لأكل أربعة أو خمسة أرغفة كما يفعل بعض شبابنا فى كل وجبة «بالهناء والشفاء»، طبيب التغذية ينصحك بخبز أقل والوضع الاقتصادى أيضًا.. الفكرة أنك ستزيد فقط كمية الخضروات لأن أسعارها غير متأثرة بالأزمة، عليك فقط أن تجرب.. وعلى الإعلام أن يمارس دوره فى توعيتك، وأنا أتعهد لك بأن النتيجة ستنعكس على صحتك انعكاسًا رائعًا بعد سنة.. جرب فقط.. وربما تكون مأساتنا كمصريين أننا لا نريد أن نجرب أى جديد.. لذلك نبقى كما نحن.