تفاصيل البيان الختامي لسينودس أساقفة الكنيسة المارونيّة
التأم سينودس أساقفة الكنيسة المارونية في دورته السنوية العادية من 8 إلى 18 يونيو 2022 في الكرسي البطريركي في بكركي بدعوة من الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكيه وسائر المشرق ، وحضور المطارنة الوافدين من أبرشيات لبنان والنطاق البطريركي.
وشارك المطارنة في مرحلة أولى، من 8 إلى 11 يونيو في الرياضة الروحية التي ألقى عظاتها الأب نديم الحلو المرسل اللبناني والتي دارت حول"وسار به الروح إلى البريّة" ليتأمّل في « دور الأسقف في عالم اليوم: كرجل صلاة، ورجل محبة، ورجل رحمة ».
وفي مرحلة ثانية، من 13 إلى 18 يونيو 2022، استهلّها الكاردينال مار بشارة الراعي بكلمة افتتاحية استعرض فيها جدول أعمال السينودس المقدس الذي يُعقد« في جوّ سينودسي عام في الكنيسة الكاثوليكية ويقضي أن نسير معًا نحو توطيد الشركة في ما بيننا، ونعيش المشاركة في بناء كنيستنا المارونية وخدمة شعبنا، ونلتزم معًا برسالتنا المسيحية والكنسية في شرقنا الذي ننتمي إليه وفي عوالم الانتشار حيث تتواجد رسالاتنا وأبرشياتنا ورعايانا ».
ثم تدارسوا شؤونًا كنسية وراعوية واجتماعية ووطنية وناقشوها بروح أخوّية ومشاركة مجمعية. واتخذوا التدابير الكنسية المناسبة.
وفي ختام المجمع أصدروا البيان التالي:أولاً: في الشأن الكنسي المسيرة السينودسية
شكر الآباء الله على الزيارة التي قام بها إلى لبنان في الأسبوع الأول من يونيو نيافة الكاردينال ماريو غريك الأمين العام لسينودس الأساقفة في الفاتيكان لمواكبة مسيرة التحضير للجمعية العامة السادسة عشرة لسينودس الأساقفة التي دعا إليها قداسة البابا فرنسيس بعنوان: « نحو كنيسة سينودسية: شركة ومشاركة ورسالة » والتي ستعقد في روما في عام 2023.
ونوّه نيافته بتراث الكنائس الشرقية الذي يتميز بالسينودسية وقدّر التجاوب الذي لقيه من الكنيسة في لبنان و الأبرشيات و الرهبانيات مع أهداف السينودس والسير معًا في الظروف الراهنة الصعبة، كما قدّر إصرار اللبنانيين الذين التقاهم، مسيحيين ومسلمين، على العيش معًا والتمسّك بهوية الوطن لبنان الرسالة في الحريّة والعيش معًا واحترام التعدّديّة.
الإصلاح الليتورجي
اطّلع الآباء على أعمال اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية التي قدّم رئيسها تقريرًا عنها تناول فيه مشروع كتاب « صلوات الأزمنة الطقسية » الذي أنهت العمل فيه بعد مسيرة طويلة بدأت سنة 2004، شاكرًا جميع الذين ساهموا في إنجازه، وعرض للمشاريع المستقبليّة التي تعمل اللجنة على إعدادها.
وشدّد الآباء في مناقشاتهم على العودة إلى التراث السرياني الأنطاكي دون إغفال عملية التحديث لمحاكاة شعبنا اليوم الموجود في كل بلدان العالم والتوجه إليه بلغة يفهمها.
وأكّدوا على أن الليتورجيا هي من العناصر الأساسيّة لهويتنا المارونية وأنها علامة وحدة كنيستنا.
التنشئة الكهنوتية
اطّلع الآباء على تقارير المدارس الإكليريكية المولجة تنشئة كهنة الغد، وهي: الإكليريكية البطريركية المارونية في غزير، وإكليريكية مار أنطونيوس البادرواني كرمسده، وإكليريكية سيدة لبنان في واشنطن، وإكليريكية مار مارون في سيدني، والمدرسة المارونية الحبرية في روما. كما إطّلعوا على تقرير اللجنة المولجة تأمين التنشئة للشمّاسيّة الدائمة والتي تتجلّى فيها قدسيّة هذه الخدمة المرتبطة بسرّ الكهنوت في الكنيسة.
أثنى الآباء على الجهود التي يوم فيها المسؤولون عن التنشئة الإكليريكيّة وتمنّوا تعزيزها، بالرغم من تحدّيات الظروف الراهنة، لتساعد كهنة الغد ليكونوا على صورة المسيح الكاهن.
الشؤون القانونية وخدمة العدالة
استمع الآباء إلى تقارير خدمة العدالة في المحاكم الكنسية التي تأثر عملها بسبب وباء كورونا وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية من دون أن يؤخّر سير عملها وإصدار الأحكام حيث اعتمدت المحاكم العمل عن بُعد وعبر وسائل التواصل الإجتماعيّ.
لفت الآباء في التقارير تزايدُ عدد الدعاوى المسجّلة في المحاكم، ولكنّهم أثنوا على الجهود المضاعفة التي تبذلها المحاكم بالتعاون مع الأبرشيّات ومكتب راعويّة الزواج والعائلة واللجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة في سبيل تعزيز مراكز الإصغاء والمرافقة والمصالحة والإعداد للزواج وتنشئة علمانيّين وإكليريكيّين لإدارة هذه المراكز.
ثانيًا: في الشأن الرعوي
أوضاع الأبرشيات في النطاق البطريركي
استعرض الآباء أوضاع الأبرشيات في لبنان وبلدان النطاق البطريركي، وتوقفوا عند الحاجات المتزايدة التي يواجهها أبناؤهم وبناتهم في ظل الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعيشي والأمنيّ المتدهور الذي يعرفه لبنان وسوريا، والذي أوصلهم إلى حالة فقر وبطالة وعوز وأجبر الكثير من العائلات والشباب والنخبة في المجتمع على الهجرة القسرية. وهي ظاهرة تشكّل انعكاسًا خطيرًا على هوية لبنان ودوره ورسالته وعلى حضور المسيحية في الشرق الأوسط.
قدّر الآباء ما يقوم به مطارنة هذه الأبرشيات من جهود جبارة بالتعاون مع كهنة الرعايا والعلمانيين الملتزمين في حقل الخدمة الاجتماعية والجمعيات الكنسية والمدنية في سبيل تأمين المساعدات الضرورية لتثبيت أبنائهم في أرضهم وتشجيعهم على الثبات في إيمانهم بالله واستعادة الثقة بأوطانهم. وتقدموا بالشكر من الأبرشيات المارونية في الانتشار ومن المؤسسات العالمية، الكنسيّة والمدنية، على دعمها لها.
أوضاع أبرشيات الانتشار
تداول الآباء كذلك في أوضاع أبرشيات الانتشار وحاجات بعضها. وتوقفوا بشكل خاص عند إكسرخوسية كولومبيا والبيرو والأكوادور التي تسير على خطىً ثابتة نحو إنشاء أبرشية، وأبرشية الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي والباراغواي والأوروغواي، وأبرشية فرنسا والزيارة الرسولية لموارنة بلدان أوروبا الجنوبية والشمالية، وأبرشية نيجيربا والزيارة الرسولية لموارنة بلدان أفريقيا الجنوبية، وعند أبرشيّة أستراليا وأوقيانيا التي تحتفل السنة المقبلة بيوبيلها الذهبيّ.
وتوقفوا عند ظاهرة تزايد الموارنة الوافدين إلى بلدان الإنتشار، وطالبوا لأبنائهم المنتشرين الاعتراف بالدور الملقى على عاتقهم والحصول على حقوقهم المدنية كاملة في بلدانهم الأصلية.
وقدّر الآباء ما يقوم به مطارنة الانتشار من جهود في سبيل جمع شعبهم وتوعيته على هويته وانتمائه وتراثه وتاريخه، وعلى إحياء اللغتين العربية والسريانية في المدارس والرعايا إضافة إلى التعليم المسيحي، وعلى تشجيع أبنائهم على التواصل مع أهلهم وبلداتهم الأصلية بغية التعبير عن تضامنهم ومدّ يد المساعدة لهم.
وأوصوا بأن يتعاون مطارنة الأبرشيات والرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات في لبنان والنطاق البطريركي مع إخوتهم مطارنة الانتشار ليرسلوا إليهم كهنة ومكرّسين ومكرّسات لخدمةٍ راعوية وإرساليّة بعد تنشئتهم تنشئة ملائمة.
ثالثًا: في الشأن الاجتماعي والتربويّ وخدمة المحبة
تداول الآباء في الحالة المعيشية المتدهورة التي أوصلت أبناءهم وبناتهم إلى حالة الفقر والعوز، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والمحروقات وانقطاع الدواء؛ وأكدوا أنهم يجدّدون وقوفهم إلى جانبهم وتقديم كل المساعدات الممكنة عبر مؤسساتهم الكنسية المختصة من بطريركية وأبرشية ورهبانية، وبخاصّة مؤسّسة كاريتاس لبنان.
وهم يثمّنون عاليًا روح التضامن التي تتجلّى لدى إخوتهم اللبنانيين بنوع خاص، مقيمين ومنتشرين، أفرادًا وجماعات، ولدى أصدقائهم عبر العالم، في تقديم المساعدات المعنوية والمالية والعينية إلى المحتاجين لتخفيف مآسيهم ومواجهة الحالة الكارثية التي وصلوا إليها.
عبّر الآباء من جديد عن تضامنهم مع إخوتهم وأخواتهم أبناء وبنات بيروت وجميع اللبنانيّين، وبخاصّة عائلات الضحايا والمتضرّرين والمجروحين والمشرّدين جرّاء إنفجار مرفأ بيروت الإجراميّ.
وهم يرفعون الصوت من جديد ليستنكروا تقصير مؤسّسات الدولة المعنيّة والسلطة القضائيّة في السير في التحقيق لكشف الأسباب والمسبّبين الذين هم وراء هذه الفاجعة ومحاكمتهم من جهة، وفي التعويض على عائلات الشهداء و المصابين والمنكوبين بما يحقّ لهم، من جهة أخرى.
وتداول الآباء في أوضاع المدارس الخاصّة، ولا سيما الكاثوليكيّة منها، المهدّدة بالإقفال والإنهيار نظرًا إلى التحديات الكبيرة في الظروف الإقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة الراهنة وإلى عدم قدرة الدولة على دفع مستحقّاتها وصعوبة الأهل في تسديد الأقساط. وإنّهم إذ يذكّرون برسالة الكنيسة التربويّة التي أسهمت عبر العصور ولا تزال تسهم في تطوّر المجتمعات وترقّي الإنسانيّة روحيًّا وعلميًّا ووطنيًّا، والتي جعلت من لبنان بلد إشعاعٍ ثقافيّ مميّز، يطالبون الدولة القيام بواجبها لدعم التعليم الخاصّ كما التعليم الرسميّ. كما يطالبونها بدعم الضمان الإجتماعيّ والطبابة والاستشفاء لجميع المواطنين.
وهم يحمّلون، من ناحية أخرى، المشرّعين والمسؤولين الماليّين وجمعيّة المصارف مسؤوليّة المحاغظة على أموال المودعين وإيجاد السبل الكفيلة باسترجاع ودائعهم في أقرب وقت.
ويشكرون أبرشيّات الإنتشار والمؤسّسات الكنسيّة والمدنيّة، العالميّة والمحليّة، على الإسهامات التي تقدّمها لدعم الحاجات المعيشيّة والطبّية والإستشفائيّة والمدرسيّة والجامعيّة إلى اللبنانيّن.
رابعًا: في الشأن الوطنيّ
يؤيّد الآباء مواقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الداعية إلى عقد مؤتمر دوليّ برعاية الأمم المتّحدة يهدف إلى إنقاذ لبنان عبر إعلان حياده تحييدًا ناشطًا، قناعةً منهم بأنّ حياد لبنان هو ضمان وحدته و تموضعه التاريخيّ في هذه المرحلة المليئة بالمتغيّرات الجغرافيّة، وكفيل باستعادة دوره ورسالته في الإنفتاح والحوار والعيش معًا في احترام تعدّدية الانتماءات الدينيّة والطائفيّة والثقافيّة، إلى عقد مؤتمر دوليّ برعاية الأمم المتّحدة وتطبيق القرارات الدوليّة المتّخذة التي لم تطبّق حتى الآن. ويطالبون باستكمال تطبيق الدستور في بنود اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة وذلك عبر احترام إستقلاليّة القضاء وتحصينه ضدّ التدخلات السياسيّة وفصل السلطات لتستقيم الأمور.
ويؤكّد الآباء على تمسّكهم بالثوابت الوطنيّة، أي العيش المشترك والميثاق الوطنيّ والصيغة التشاركيّة بين المكوّنات اللبنانيّة في النظام السياسيّ وتطبيقها بشكلٍ سليم. ويطالبون المسؤولين السياسيّين بالعمل على تأليف حكومة جديدة تكون إنقاذيّة فتعالج الفساد المستشري وتنفّذ الإصلاحات المطلوبة من الشعب ومن المجتمع الدوليّ. كما يطالبونهم بالعمل معًا على بناء دولة حديثة بكلّ مقوّماتها، أي دولة وطنيّة لبنانيّة جامعة، دولة قانون وعدالة، دولة مشاركة، ودولة مواطنة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
يؤكّد الآباء على مواقفهم الداعية إلى وعي وطنيّ وصحوة ضمير لدى جميع المسؤولين السياسيّين ليتعالوا عن مصالحهم الشخصيّة والفئويّة الضيّقة ويعملوا للخير العام ومصلحة لبنان العليا في الظروف الراهنة التي تشهد تحوّلات جيوسياسيّة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم. ويدعون جميع اللبنانيّين إلى إقامة الحوار في ما بينهم، حوار المحبّة في الحقيقة، لأنّ هذا الحوار بات ضروريًّا من أجل قراءة نقديّة لأحداث الماضي وتنقية الذاكرة وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة.
يثمّن الآباء ما تقوم به القوى الأمنيّة في هذه الظروف الصعبة، وبنوع خاص الجيش اللبنانيّ الذي يجدّدون له دعمهم لتثبيت الأمن والاستقرار والدفاع عن لبنان وعن حقوق شعبه.
في الختام يتوجّه الآباء إلى أبنائهم وبناتهم أينما وجدوا بنداء مليء بالإيمان بالله مٌصليًَا من أجل هداية المسؤولين في العالم للعمل على إيقاف الحرب وإحلال السلام العادل والدائم ونشر الأخوّة الإنسانيّة وعودة جميع النازحين والمهجّرين إلى أرضهم وأوطانهم.