فاز بجائزة النيل للفنون
داود عبد السيد.. صانع سينما لا تضع نقطة عند نهاية السطر
حصل المخرج داود عبد السيد على جائزة النيل للفنون، والتي تعد تتويجا لمسيرته الفنية والإبداعية التي استهلها في العام 1976 من خلال فيلمه التسجيلي “وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعليم”.
وربما يكون حلم دادو عبد السيد بالسينما بدأ مبكرا قبلها بسنوات، وهو يجلس في إحدى قاعات السينما كمشاهد، وعندما لم يمنح عامل “البلاسير” ــ من يقود المشاهدين في صالة السينما ويضيء لهم، فمال العامل على أذنه وأخبره بأن القاتل هو الطباخ، ليحرق له الفيلم قبل أن يشاهده في الأساس، ومن هنا كان قرار عبد السيد أن يصنع أفلاما لا يستطيع أحد أن يحرقها، بحسب ما قال داود عبد السيد في إحدى لقاءاته الإعلامية.
مسيرة داود عبد السيد السينمائية حافلة بإبداعاته الفنية، والتي على قلتها صنعت علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، ويعد فيلمه “الكيت كات” في القلب منها، بالإضافة إلى أفلام: سارق الفرح، البحث عن سيد مرزوق، أرض الخوف ورسائل البحر.
داود عبد السيد.. سيرة سينمائية
في كتابه “داود عبد السيد.. سيرة سينمائية”، يذهب الناقد الفني محمود عبد الشكور إلى أن: سينما داود عبد السيد تكتسب أهميتها من حجم معالجتها، ومن مستوى المواهب التي أسهمت في تقديمها، ومن أهمية الأسئلة التي طرحتها.
يقدم داود عبد السيد سينما مختلفة، ولا يصنع أفلامه للمهرجانات، وإنما للجمهور في قاعات العرض، وهو لا يقدم ألغازا، وإنما يقدم شخصيات ومواقف وأحداث عن بشر من لحم ودم، هو فقط يريدك أن تتأمل ما تراه، وتنفعل معه، ولكن تفكر أيضا، ولذلك فإنه لا يقدم في الغالب شكل الحدوتة التقليدي الذي تعوده المتفرج في السينما السائدة، ولا شكل البناء التقليدي من بداية ووسط ونهاية، وعقدة وحل، وإنما يتابع حياة شخصياته في فترة معينة، يرسم ملامحهم، ويتوقف عند لحظات تحولهم، ويتأمل تناقضاتهم، ونهايات أفلامه ليست نهايات بالضبط، وإنما نهاية جزء من حياتهم، ولكن المشهد الأخير عنده هدفه ترك انطباع ما للتفكير، دون أن يضع نقطة في نهاية السطر، ودون أن يغلق الباب أمام بدايات جديدة.
ويوضح “عبد الشكور”: في نهاية “الصعاليك” مثلا، يقتل “مرسي” صديق عمره “صلاح”، ولكننا لن نعرف مصير “مرسي” بعد ذلك، والأغلب أنه سيخفي الجثة وسيواصل طريقه، محتذيا قيم العصر الجديد.. الباب مفتوح إذن لبداية جديدة.
وفي نهاية “الكيت كات” مغامرة "الشيخ حسني" مع ابنه في قيادة الموتوسيكل ليست نهاية تقليدية، لأنها لا تغلق أقواسا من أي نوع، بل إنها تؤكد نفس الدائرة من تحدي العجز بالمحاولة.
ونهاية “البحث عن سيد مرزوق” أيضا لا تحسم مصير مطاردة المتمرد، بعد أن استفاق من نومه، لقد صار مطاردا، ولكنه صار حرا يمكن أن يبدأ من جديد.
وجلسة “رؤوف” مع “نرجس” على الرصيف في نهاية “أرض الأحلام”، عنوان بداية جديدة، وليست نهاية تقليدية بالمرة، كذلك مشهد الزواج في نهاية “سارق الفرح”، ومشهد التحدي في نهاية “أرض الخوف”، إنهما أيضا نهايتان مفتوحتان على بدايات، ومثلهما نهاية “مواطن وخبر وحرامي”، بالأغنية الشهيرة، ونهاية “رسائل البحر”، ونهاية “قدرات غير عادية”، كلها مشاهد تكمل صورة، ولكنها ليست نهايات كاملة، وأنت كمشاهد يمكن أن تتخيل ما شئت من بدايات جديدة، لأبطال عرفتهم وعشت معهم، وفهمت ظروفهم.
ويلفت “عبد الشكور”: ودائما هناك شيء غير مريح ومقلق في أعمال داود عبد السيد، هذا النوع من الأفلام لا يقول إن كل شيء علي مايرام، وإنما يصنع لكي يقول لك، على العكس، إن هناك شيئا بل أشياء، ليست على ما يرام، سواء على مستوى الفرد، أو على مستوى المجتمع، أو سواء على مستوى علاقة الفرد بالمجتمع.
هكذا تبدو سينما داود عبد السيد مختلفة عن سينما سائدة تقدم المتوقع والمألوف، وتهتم أولا بإغلاق أقواسها، وتجيب عن كل ما طرحته من ألغاز وأسرار، بينما يميل داود عبد السيد إلي أن ينقل للمشاهد أسئلته، وأن يحفزه علي البحث عن إجابات معه.