توطين الصناعة السورية فى مصر
بين مصر وسوريا ما لا يتخيله أحد من وشائج القربى وأواصر الصداقة.. أدرك المصريون القدماء هذا فأرسلوا القوافل والوفود ومدوا أواصر الصداقة مع سوريا وما حولها.. وأدركه كل من حكم مصر.. فقد كان البلدان إقليمًا سياسيًا واحدًا.. تحت حكم الرومان كما تحت الحكم الإسلامى.. من الأمويين إلى العباسيين وكل الولاة الذين استقلوا بمصر استقلوا بحكم الشام معها من الطولونيين إلى أبناء الإخشيد ومن الفاطميين إلى الأيوبيين إلى المماليك ثم العثمانيين.. وفى نهاية الخمسينيات جاءت وفود النخبة السورية تطلب الوحدة مع مصر إيمانًا بالقومية العربية التى كان منبعها فى الشام وحلًا لأزمة داخلية سورية رأى السوريون أن الوحدة مع مصر قادرة على حلها.. لم تستمر الوحدة لأسباب كثيرة.. وجرت فى النهر مياه كثيرة وكأن مصر كانت تعاقب على حلمها بقيادة العالم العربى.. وعصفت رياح «الربيع العربى» بما تبقى من دول عربية.. قاومت كل منها بقدر ما استطاعت وكتب الله النجاة لكل منها بقدر معلوم.. لكننا جميعًا بقينا نحلم بالوحدة الاقتصادية بين الدول العربية، حيث تستفيد كل دولة عربية بالمميزات النوعية للدول العربية الأخرى.. وأظن أنه فى هذه اللحظة التى نفكر فيها فى تعظيم صناعتنا المحلية فإن علينا أن نفكر بطريقة مختلفة تجاه أهل الصناعة فى سوريا.. فقد أدت السياسات الحمائية والمغلقة للاقتصاد السورى منذ السبعينيات إلى تطوير صناعات وطنية جيدة فى سوريا زاد من نجاحها العمق الحضارى للشخصية السورية.. حيث عرف عن أهل هذا البلد الشقيق الدأب والمهارة والصبر على العمل والتأنى فى التجويد، وقد أدى هذا لنقلة نوعية للصناعة السورية فى بعض المجالات مثل الملابس والأغذية والحلوى وبعض الصناعات الكهربائية والكيميائية.. وقد أدى هذا لوجود رغبة تركية لنقل مصانع النسيج السورية من مدينة حلب لتركيا عقب الحرب الأهلية السورية.. وما أريد أن أقوله إن المناخ مهيأ الآن لأن تبذل اتحادات المستثمرين المصريين جهودًا واضحة لجذب كل الصناعات السورية إلى مصر وإقناع أصحابها بافتتاح مصانع جديدة فى مصر أو نقل صناعاتهم إلى مصر كبلد مهجر للسوريين أو كوطن ثانٍ لهم.. ولا شك أن جزءًا من هذا قد تحقق بالفعل فى أعقاب الربيع العربى فى ٢٠١١.. لكنه كان عبر مبادرات فردية من رجال الصناعة السوريين ودون خطة واضحة، وكان الانطباع أن من سارعوا لمغادرة سوريا عقب الحرب الأهلية ممن يميلون لأفكار تيار معين أو يتعاطفون معه وأدى هذا لأن تتخذ مصر إجراءات تحمى بها أمنها القومى احترازًا من هذا الاحتمال.. لكن كل هذا أصبح من الماضى.. إن ما أدعو إليه هو خطة تشارك فيها البنوك المصرية واتحادات الصناعة والاستثمار تتضمن تحديد أهم عشرة رجال صناعة سوريين فى المجالات التى تملك مصر فيها ميزات نوعية وتريد تطوير صناعاتها فيها.. وأن تدخل البنوك والاتحادات فى مفاوضات مباشرة مع هؤلاء الصناع، وأن توجه لهم عروضًا محددة للشراكة بالتمويل مقابل الإدارة.. أو الشراكة وفق صيغ معينة.. وأن تتم صياغة بروتوكولات يتم المزج فيها بين استقدام العمالة الصناعية السورية وبين تدريب العمالة المصرية مع عرض حزمة الإعفاءات الضريبية التى قررها الرئيس السيسى أخيرًا.. وتوضيح المزايا النوعية للسوق المصرية كسوق عملاقة وقريبة من الأسواق الإفريقية التى تحظى فيها بإعفاءات جمركية وفق اتفاقية الكوميسا.. إننى أظن أننا فى حاجة لمبادرات شجاعة وغير تقليدية لإنعاش الصناعة المصرية، خاصة أن السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس مبارك قد شهدت نوعًا من إفساد بعض الصناعات.. ولجوء بعض من بدأوا كرجال صناعة لمجالات استثمار أسهل مثل الاستثمار العقارى أو السياحى وتوجيه أموال البنوك لهذه المجالات المضمونة بدلًا من تطوير الصناعات المصرية التى تقتضى نوعًا من العمل الجاد والمستمر والاستثمار فى البحث العلمى بشكل متواصل.. إننى أدعو البنوك المصرية ورئيس الوزراء واتحادات المستثمرين لتبنى مثل هذه المبادرات الجادة مع رجال الصناعة فى بلد شقيق مثل سوريا.. يشير بعض المؤشرات إلى ميل رءوس الأموال فيه للبحث عن شراكات فى بلدان قريبة ريثما يعود الاقتصاد السورى لسابق عهده، ولا مانع من العمل على توجيه الدعوات لرجال الصناعة فى بلاد أخرى بعد البدء بهذا البلد الذى لا يصنف على أنه بلد عربى ثرى، ولكن الطبقة الصناعية فيه لديها من رءوس الأموال والخبرات والقدرة على العمل ما يجعلها إضافة كبيرة إذا أتيحت لها الفرصة للعمل فى سوق واسعة مثل مصر والتمويلات الضخمة التى يمكن أن توفرها البنوك والكيانات المالية المصرية.