على جمعة: «المعاصرة تجعلنا أكثر تأنيًا في قبول الآراء»
قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية،، في بيانه عن مفهوم المعاصرة، إن من القواعد التي تولدت قاعدة [لا يقبل كلام الأقران بعضهم في بعض]، مشيراً إلى أن معنى المعاصرة حجاب فهي لا تنفي قبول الجرح والتعديل من أهله بل تتكلم عما إذا تكلم أحدهم في أخيه وقرينه مخالفاً لباقي الناس الذين مدحو وعدلوا وأقروا بفضل هذا الإنسان، فإذا جاء عظيم من الفضلاء وقدح هذا المزكى المعدل فإنه لا يقبل منه ذلك حيث لا يقبل جرح القرين بقرينه بهذه الصفة، وعللوا ذلك وبينوا سببه بأن المعاصرة حجاب.
وتابع من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: إذن يمكن قبول جماعة كثيرة من أهل الاختصاص تجرح إنساناً وترفضه ولكن المعاصرة حجاب بين الأقران وليس مطلق العصر يخفي حقائق الأشياء والأشخاص، بل العصر حجاب بين القرين وأخيه من نفس مستواه يحجب عنه عدله ويؤل له الأمر حتى يقدحه مبررًا ذلك لنفسه أولاً بأن فيه هذه الأخطاء التي يجب إنكارها.
وأكمل الدكتور علي جمعة : لقد حدث في التاريخ الإسلامي تنابذ بين الكبار منهم : (أبو نعيم الأصبهاني (توفي 436 هـ) وابن منده (توفي 511 هـ) حتى قال الحافظ الذهبي عن ما دار بينهما: (وكلام ابن مندة في أبي نعيم فظيع، لا أُحبُّ حكايته، ولا أقبل قول كـلٍّ منهمـا في الآخـر... كلام الأقـران بعضهم في بعضٍ لا يُـعبأ به، لا سيّما إذا لاح لك أنّه لعداوةٍ أو لمذهب أو لحسد) [ميزان الاعتدال]، (والمغيرة (توفي 105 هـ) والسبعي (توفي 129هـ) والأعمش (توفي 148 هـ) فقد روى جرير عن مغـيرة أنّه قال: (ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش). قال الذهـبي: (لا يسـمع قول الأقران بعضـهم في بعض) [سير أعلام النبلاء]، و(أحمد (توفي 241 هـ) وهشام بن عمار (توفي 245 هـ) فقد قال أبو بكر المروزي: (ذكر أحمدُ بن حنبل هشامَ بن عمّار فقال: طيّاش خفيف).
وأوضح " جمعة" قائلا : من ذلك ما كان بين الفلاس (توفي 114 هـ) والسمين (توفي 235 هـ) حيث ذكر أبو حفص الفلاّس، محمّـدَ بن حاتم البغدادي السمين ـ من رجال مسلم وأبي داود ـ فقال: (ليس بشيء). فتعقّبه الذهبي قائلاً: (هذا من كلام الأقران، الذي لا يسمع). ومنه ما كان بين عبد المغيث بن زهير (توفي 583 هـ) وابن أبي الفرج الجوزي (توفي 597 هـ) وقد وقعت العداوة والفتـنة الشـديدة بينهما، وكلاهما حافظان فقيهان حنبليّان... كان سببها اللعن على يزيد بن معاوية، كان عبـد المغيث يمنع من لعنه، وكتب في ذلك كتاباً وأسمعه للناس، فكتب ابن الجوزي في الردّ عليه كتاباً سمّاه الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد... ثمّ تلا ذلك مسائل أُخرى، وقد مات عبـد المغيث وهما متهاجران. ومنه ما كان بين (مطين) (توفي 297 هـ) وابن أبي شيبة (توفي 235 هـ) فقد ذكر الحافظ ابن حجر بترجمة محمّـد بن عبـد الله بن سليمان الحضرمي الملقّب بـ: (مطيَّن) حطّ الحافظ محمّـد بن عثمان بن أبي شيبة عليه، وحطّ مطيّن على ابن أبي شيبة، وأنّ أمرهما آلَ إلى القطيعة. فقال ابن حجر: (ولا نعتدّ ـ بحمد الله ـ بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعـض) [لسان الميزان].
وأشار "جمعة" إلى أن المعاصرة تجعلنا أكثر تأنيا في قبول الآراء وفي نفس الوقت تجعلنا أكثر مقاومة لأنفسنا في اتهام الأقران والآخرين (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).