أسرار ديوان «إنه الإنسان».. اكتشف بعد وفاة نجيب سرور بربع قرن
ترك الشاعر نجيب سرور الدراسة بكلية الحقوق وهو في السنة الأخيرة، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وحصل على الدبلوم عام 1956، وبعد تخرجه انضم إلى المسرح الشعبي، الذي كان تابعا لمصلحة الفنون التي كان يديرها يحيى حقي، وفي أواخر عام 1958 سافر في بعثة دراسة الإخراج المسرحي في الاتحاد السوفيتي، وظل هناك حتى عام 1963، ومنه سافر إلى بودابست بالمجر، وفي العام التالي 1964 عاد إلى مصر.
الشاعر سمير درويش كشف في مقالة بجريدة "القاهرة" 2003، أن الشاعر نجيب سرور بحكم انتمائه الأيديولوجي عادى النظام الناصري، كما عاداه الاتحاد السوفيتي، وكتب هناك ديوان بعنوان "إنه الإنسان" في الفترة بين عامي 1959 وعام 1962 وأهداه إلى شهدي عطية الشافعي، فريد حداد ومحمد عثمان ورشدي خليل وسيد أمين ومصطفى شوقي وسعد التركي وعلى متولي الديب وشهداء شعبان البطل.
صدر الديوان بمقطع "أغنياتي ياحزينة، يا عصارات السنين، ستظلين سجينة، طالما شعبي سجين".
لفت "درويش" إلى أن الانحياز الأيديولوجي للشاعر نجيب سرور دفعه إلى أن يهجو القاهرة ورموز الحكم فيها مقابل هيامه بالعاصمة "بغداد"، ففي قصيدته الثانية بعنوان "أسعدي يا قاهرة" التي كتبت في مارس 1959، قال: "يا قاهرة، يا نعشنا الملعون، يا زنزانة ضاقت على أرواحنا، يا مقبرة".
وفي قصيدته التالية بعنوان "إلى بغداد" كتبها في يوليو 1959، بعد أربعة أشهر من القصيدة الأولى، يقول تحت عنوان جانبي "في البرية": "صوت يصرخ في البرية، لا تخفى فوق الجبل مدينة، هل تخفى بغداد الحرة؟، لا يطفئ كل ظلام العالم شمعة، هل يطفئ ثورة؟، لا يوضع تحت المكيال، مصباح، بل فوق الذروة، كي يكشف درب البرية".
في الفترة التي كان فيها نجيب سرور في موسكو كان نجيب سرور حسب "درويش"، معجبا بالتجربة السوفيتية، ونسب للاتحاد السوفيتي كل إنجازات ثورة يوليو المصرية كـ "بناء السعد العالي".
في تلك الفترة تزوج نجيب سرور من الروسية "ساشا كورساكوفا" وأهدى إليها قصيدة طويلة كتبت في يونيو 1959، وتضمنت هامش: "تلقى الشاعر أمرا من حكومته بالعودة إلى مصر بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى موسكو فرفض".
وفي قصيدته رحلة إلى موسكو عكست حالة التناقض بين فرحته بالوصول إلى موسكو وحزنه على فرق الوطن: "ظللت نهب حيرة، ولهفة، ورعب، ومر كهل خلته يجرجر القرون، ثقيلة خطاه كالرحى، تكاد تطحن الحصى، وتعصر الرمال، ياعم في عرض النبي، إني ها هنا من ليلتين لم أنم، رنا إلى وابتسم، وقال: يابني لم؟ النوم حلال العقد، فعد ونم".
أكد "درويش" أن ديوان "إنه الإنسان" الذي كتبه نجيب سرور وقتما تعدى سن الثلاثين بقليل يبدو فيه اندفاع الشباب ولوعة الغربة وفراق الأهل والأصدقاء والوطن وبه انحياز أيديولوجي جعله لا يبدو منطقيا في بعض المواضع وفيه خبرات مسرحية تضيف للشعر جماليات مثل الحوار والحركة والإضاءة وغيرها، وفيه تدفق إنساني وفيه جرأة، قال: "هذا ديوان يمثل الضوء الذي يكشف عالم نجيب سرور".