«حُوصر بالغناء».. حكايات من طفولة عبد الرحمن الأبنودي
"أنا من مواليد محافظة قنا بصعيد مصر عام 1938.. الأوسط بين خمس أخوات، أربع أولاد وفتاة.. ومن بيت يختلط في أجوائه العلم بالشعر بالأدب، فأبي رجل دين.. عالم وشاعر في نفس الوقت وله ديوانان شعريان مطبوعان، وكذلك أخي الأكبر الشيخ جلال كان شاعرا أكثر تقدما من أبيه يكتب عن الحب والمجتمع والسياسة، وإن كانت بالشكل الذي يكثر في الأقاليم وهو شعر المناسبات وكذلك بقية أخوتي، بل إن أختي والتي كانت أمية وعلمت نفسها بنفسها القراءة والكتابة هي التي نبهتني إلى الزجل وخاصة الزجل بيرم والكمشوشي وفكري النجار، حيث كانت تأتي بالمجلات التي تنشر هذه الأزجال وتختارني أنا لقراءة هذه الأزجال لها".. هكذا تحدث الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي (11 أبريل 1938 - 21 أبريل 2015) عن نفسه وكيف كانت بداياته، إلى أن أصبح علامة فريدة ومكانة متميزة ليس في الشعر العامي المصري فقط، ولكن على الخريطة الثقافية العربية كلها.
وفي حوار له بمجلة "أدب ونقد" بعددها رقم 11 الصادر بتاريخ 1 فبراير 1985، كشف الأبنودي عن الجانب الأصيل والأهم، والذي يعتبر مصدر شعره الأول، قائلا: “عشت في قرية كل من فيها يغني، فهؤلاء الذين يعملون بالزراعة والرعي وتجارة الحبوب يغنون في الرواح والمجيء أغنيات جميلة راقية، فكل من تحت الشواديف وكل من وراء السواقي ومن يحصد ومن يدرس ومن يذري الحبوب يغنون لتسهيل العمل، بل أن المرأة تغني في بكائياتها الخالدة وطوال اليوم في كل حالات العمل التي يمارسها".
وتابع: “ببساطة أنني حوصرت بالغناء منذ الطفولة، خاصة وأن الحياة اضطرتني للعمل وأنا صغير في المشي خلف الحصادين، خصوصا وأن كل أهالي الصعيد هم من وجهة نظري شعراء بحكم اللغة المكثفة في واقع حياتهم اليومية في التعبير عن حياتهم، فلا توجد لغة مباشرة في هذه القرية”.
وعن سر كتابته للشعر، قال: “أنا كتبت الشعر أولا لأنني تعلمت ولأنني عرفت ما هو الشعر، ولأنني عشت في بيت قيادته شعراء وأصدقاء الوالد من قرى أخرى شعراء ودائما كان يجتمع في البيت الذي كان كما سوق عكاظ شعراء، فكان بالضرورة لا بد وأن أكتب شعرا، ولكن الجميل الذي سعدت به هو أنني لم أكتب الشعر على غرار أشعار أبي أو أخي الأكبر، لم أكتبه على طريقة قد أقبل القطار تلوح منه النار كما درسنا في المدارس”، مستطردا: “فما تعلمته في المدرسة من شعر كان دائما ينتمي إلى أشعار أبي وأخي ولكن ومنذ وقت مبكر اتجهت إلى الكتابة بلغة قريتي”.