نشرت بمجلة العربي الكويتية
مجيد طوبيا ناقدًا سينمائيًا يكتب عن فيلم يوسف شاهين «إسكندرية ليه»
لم تقتصر علاقة الكاتب الروائي مجيد طوبيا، والذي رحل عن دنيانا الشهر الماضي، بالسينما على فيلمه "أبناء الصمت" فقط، وإنما كتب دراسات نقدية سينمائية أيضًا، ففي العدد رقم 255 والمنشور بتاريخ فبراير عام 1980، نشرت مجلة "العربي" الكويتية، دراسة فنية سينمائية نقدية بقلم الروائي مجيد طوبيا، عن المخرج العالمي يوسف شاهين، وتناول فيها تحليلًا لمسيرة شاهين السينمائية وأفلامه التي قدمها للسينما المصرية.
ــ يوسف شاهين هذا الفنان المقلق
حملت الدراسة التي قدمها مجيد طوبيا ونشرت بمجلة العربي عنوان "يوسف شاهين هذا الفنان المقلق"، وفيها يستهل "طوبيا" حديثه عن شاهين: "كان عرضة للموت بعد يومين.. لهذا قرر ــ إن هو عاش ــ أن ينتج ويخرج فيلمًا يترجم فيه لحياته في هذه الدنيا وللإسكندرية مسقط رأسه الحبيب..".
العالم عام ١٩٤٢ الحرب العالمية الثانية على أشدها تطحن الشباب، تدك البيوت وتهدم الآمال.. والتضخم الاقتصادي وغلاء الأسعار الفاحش وغواصات النازي والفاشيست والحلفاء تزاحم الأسماك في مياه البحار.. وعلى شاطئ البحر المتوسط الذهبي عند العلمين وصلت جيوش المحور بقيادة روميل تتطلع إلى دخول الإسكندرية فالقاهرة، فالسويس كي تغلق القناة، الشريان الملاحي الحيوي في وجه أساطيل الإنجليز.
والإسكندرية ــ مسقط رأس يوسف شاهين ــ ترقب كل هذا .. حيث كانت وقتئذ مرتعًا لقوات جيوش الحلفاء ولأعداد كبيرة من الأجانب فاقت عدد المصريين أنفسهم.
في تلك الآونة كان عمر يوسف شاهين ١٨ عامًا فقط.. فتي ضئيل الجسد بوجه متناثر الملامح كبير الأنف والأذنين، من أسرة محدودة الدخل جدًا يدرس في كلية "فيكتوريا" مدرسة أبناء الأثرياء فقد بدأ يتحسس طريقه، ويكتشف أن مكانه الذي تمناه بعد التخرج، ليس العمل في أحد البنوك الأجنبية وإنما احتراف التمثيل. حيث قدر له فيما بعد أن يصبح واحدًا من أعظم مخرجي السينما في العالم العربي، تؤلف عن أعماله كتب كاملة وبالعديد من لغات العالم.
بعد حوالي ثلاثين عامًا، وعندما بلغ الخمسين من عمره تقريبًا، وكان في زيارة إلى لندن، شعر ببعض الإجهاد، فتوجه إلى الأخصائي المصري الدكتور "مجدي يعقوب" على أساس أن ما به ليس إلا وعكة طارئة، فإذا به يفاجأ بأن عليه أن يجري عملية جراحية في القلب وبأسرع وقت، وبالتحديد بعد يومين.. والعملية خطيرة جدًا.
وفي انتظار مرور هذين اليومين مر بأقسى أنواع الوساوس.. ها هو عرضة للموت تحت يدي الجراح، وقد تنتهي حياته وقد تمتد.. عانده النوم وهاجمته الذكريات، حياته تمر على ذهنه كشرائط الأفلام التي أخرجها من قبل، منذ أن احترف الإخراج لأول مرة وعمره ٢٣ عامًا فقط، ليكون أصغر مخرج سينمائي مصري، وإلى أن قادته قدماه إلى الطبيب المصري المقيم في لندن.. رحلة شاقة وبديعة في نفس الوقت.. غير أن عام ١٩٤٢ كان أكثر المراحل إلحاحًا على وجدانه، ربما لأن في هذه السنة كان في مفترق الطرق، إما حياة روتينية عادية كموظف في البنك، وإما الفن بجنونه وجموحه ومصاعبه وهمومه.. لهذا قرر ــ إن هو عاش ــ أن ينتج ويخرج فيلمًا يترجم فيه لحياته في هذه الدنيا، وللإسكندرية مسقط رأسه الحبيب.
بالفعل عاد إلى وطنه بعد نجاح العملية، لينهمك في إعداده ولينتهي منه وقد بلغ من العمر ٥٢ عامًا.. وأسماه "إسكندرية ليه؟" أي "إسكندرية .. لماذا؟".
ورغم أن معظم أفلام يوسف شاهين أفلام هامة في تاريخ السينما المصرية العربية، إلا أن "إسكندرية.. ليه؟" هو أعظم أفلامه بغير جدال، وهو واحد من أروع أفلام السينما العربية إن لم يكن أفضلها.