شمال سيناء.. إرث ذاخر من الموروثات والتقاليد وثوابت الزمن الماضي
تذخر محافظة شمال سيناء بالعديد من الموروثات التي تبرز تقاليد وثوابت الزمن الماضي وتنقله من جيل إلى جيل ليصبح الموروث الثقافي والشعبي السيناوي بصمة يتميز بها مجتمع القبيلة في سيناء الذي يتنوع ما بين قبائل وعشائر وعائلات لكل واحدة منها صبغتها التي تتميز بها.
ونظرا لأن شمال سيناء تتسم بطبيعة خاصة بها، فقد أثرت تلك الطبيعة على البيئة والأفراد، وطريقة ملبسهم ومأكلهم، فكان من أشهر الأكلات السيناوية أكلة شعبية تسمى "اللصيمة"، وهي أكلة يجتمع فيها الأهالي والأصدقاء مرتبطة بفصل الصيف لاستخدام البطيخ الصغير "العجر" كمكون أساسي للصيمة، وتتم صناعتها غالبا على الشاطئ، أو في المساحات الواسعة، تتكون من مكونات بسيطة، وهي (البندورة) الطماطم، والباذنجان، والدقيق، والعجر (بطيخ صغير)، وزيت الزيتون، والفلفل الأخضر الحراق العرايشي.
كما تعتبر "اللصيمة" أحد مكونات المطبخ السيناوي العريق الموغلة فيى القدم شأنها شأن البيتزا الإيطالية .. فكلاهما كان اختراع فرضته الظروف الطبيعية والاقتصادية نتيجة اشتراكهما في عضوية نادي الـ(Mediterranean Sea) الموقع الجغرافي لحوض البحر الأبيض المتوسط.
ويؤكد عبد العزيز الغالي عضو اتحاد الكتاب وأمين عام جمعية متحف التراث السيناوي أن اللصيمة جاءت استجابة لرحلات أهل سيناء السنوية فيما يسمى بموسم الحصاد، حيث كانوا يذهبون للشرق ناحية أرض فلسطين لجمع القمح وطحنه بالرحاية وصناعة قرص (الملة) -أقراص دائرية تشبه البيتزا-.
وأوضح أنه نظرا لعدم وجود أفران معدة للخبيز فكان الحل هو التعامل مع الطبيعة الصحراوية بإيقاد النار من جذوع الأشجار المتواجدة وشي الخضروات ثم إمالة قرص العجين ودسه فيما تبقى من رمضائها الملتهبة حتى ينضج ويقطع خبز القرصة ويفتت ويخلط مع العجر المشوي ويصب عليه زيت الزيتون.
ولفت إلى أن اللصيمة تعتبر طعامآ مثاليآ وطبيعيا فكل مكوناتها طبيعية وطازجة من الحقل مباشرة مما يجعلها غذاء آمنا وشهيا، وهي تعد من المشهيات وليس بها أي مشاكل سوى أنها من فرط طعامتها ولذة مكوناتها لا يمكن للشخص التوقف عن تناولها.
وأشار إلى أن اللصيمة تعتبر من طعام أهل الجنة، عملا بأن كل ما يشتهيه الإنسان في الدنيا ويتمناه يجده أمامه في الجنة.
وانتقالا إلى الأعراف السيناوية، فإن المجتمع السيناوي به العديد من الضوابط العرفية التي ترقى إلى مستوى العقوبات القانونية، فهناك مثلا عقوبة "التشميس" وهي أقسى عقوبة لدى أبناء سيناء طبقا للأعراف والعادات والتقاليد المتوارثة، فهي تعني الطرد من القبيلة بعد فشل محاولات الإصلاح لأي فرد منها، بمعنى أنه يتم طرد المخالف لعادات وتقاليد القبيلة ليكون خارج مظلتها ويصبح وحيدًا وليس لديه أية حقوق أو واجبات تجاه قبيلته.
ويعني بند "التشميس" في القضاء العرفي أن يتم إخراج أحد أفراد القبيلة من مظلتها القانونية العرفية نتيجة تعدد ارتكابه لما يسئ لعائلته وأفراد قبيلته داخل القبيلة أو أمام قبائل أخرى، ويتم تنفيذ بند التشميس بالإعلان عن تشميسه في مجالس القبائل الأخرى بعد استنفاد قبيلته لكل الوسائل الممكنة لحضه على انتهاج مسلك القبيلة الطبيعي الذي يحفظ سلامتها وسلامة أفرادها أمام القبائل الأخرى.
و"التشميس" عقوبة تنفرد بها قبائل شبه جزيرة سيناء دون غيرها من المحافظات الأخرى، ويطلق على من طاله حكم بالطرد من القبيلة: "المشمس"، وسمي تشميسا لأن المجتمع القبلي يعد القبيلة هي المظلة التي يستظل أبنائها بها من حرارة الشمس .. فإذا طرد أحدهم فإنه يقف تحت حرارة الشمس وحيدا بعيدا عن ظل القبيلة.
ومن أصول التشميس ألا يتم تشميس أي شخص قبل التنبيه عليه مرة تلو الأخرى، ولا يتم تطبيقه على من أخطأ مرة أو مرتين ولكن على معتادي ارتكاب الخطأ وجلب المشاكل لقبائلهم، والتشميس يطال الشخص المشمس وذريته، ولا يتم توقيع العقوبة قبل "تنظيف الشخص" بمعنى دفع جميع الالتزامات المادية والحقوق التي عليه للآخرين.