حكاية مسجد/ الأقمر.. تحفة مساجد الدولة الفاطمية بشارع المعز
يقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي، على مدخل شارع النحاسين، بجوار بئر العظام الذي كان يخص أحد الأديرة القديمة في تلك المنطقة، ورغم انتشار العديد من المساجد بشارع المعز إلا أنه يتمتع بمكانة فريدة لموقعه المميز وتصميمه الفريد من نوعه "جامع الأقمر".
أنشأ في عهد الخليفة الأمر بأحكام الله أبو علي منصور بن أحمد، علي يد وزيره محمد بن فاتك بن مختار بن حسن بن تمام المعروف تاريخيًا بـ"أبوعبدالله المأمون بن البطائحي"، وعرف بالبطائحي نسبة إلى أصوله التي تنتمي إلى البطائح بالعراق، والواقعة بين البصرة والكوفة.
أحضر المأمون البطائحي أفضل البنائيين والمهندسين في عهد الدولة الفاطمية في ذلك الوقت لبناء مسجد الأقمر في عام 519هجرية / 1125ميلادية، ليتحول المسجد إلى تحفة معمارية عابرة للأزمان، فقد صممت واجهة المسجد بطريقة هندسية مختلفة مقارنة بما بناه الفاطميون قبل وبعد ذلك، فتتزين الواجهة بزخارف ونقوش خطية ونباتية محفورة بالحجر، لتبدو للناظرين ساطعة كالشمس، تحمل داخلها اسم الإمام على بن أبي طالب، تحيط بها حلقات نقش عليها بالخط الكوفي: بسم الله الرحمن الرحيم"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً".
وقال عنه المؤرخ تقي الدين المقريزي: "أن المسجد بني في مكان أحد الأديرة التي كانت تسمي بئر العظمة، لأنها كانت تحوي عظام بعض شهداء الأقباط"، وقد جاءت تسمية المسجد بالأقمر لاستخدام الحجارة البيضاء للمرة الأولى في بناء المساجد، وكانت تشبه في المساء ضوء لون القمر، وتتزين الواجهة بسبعة أشكال لشموس مختلفة الأحجام، كما أن هناك بروز يتخذ هيئة برجين يتوسطهما ممر يؤدي إلى الباب روعي في تصميمهما أن يصغر حجمهما ليتناسق المظهر مع الواجهة.
وقد بنيت القبلة الخاصة بالمسجد موازية لخط تنظيم الشارع بدلُا من أن تكون موازية لصحن المسجد، وذلك حتى تصبح القبلة في وضع صحيح، ويتكون المسجد من صحن صغير مربع، يحيط به رواق واحد من ثلاثة جوانب وثلاثة أروقة في الجانب الجنوبي الشرقي، وعقود الأروقة محلاه بكتابات كوفية مزخرفة ومحمولة على أعمدة رخامية قديمة ذات قواعد مصبوبة.
وبعد انتهاء الدولة الفاطمية عانى جامع الأقمر الإهمال شأنه شأن العديد من المساجد التي أهملتها الدولة الأيوبية متعمدة، حتى عاد لدائرة الاهتمام مرة أخرى في عهد دولة المماليك، وبالتحديد في عهد السلطان الظافر سيف الدين برقوق عام799هجرية / 1397ميلادية، بواسطة الأمير أبو المعلى بلبغا بن عبدالله السالمي، والذي عرف عنه التصوف وحب آل البيت، فأعاد الحياة لجامع الأقمر، وجدد المئذنة والمنبر وحوض الدواب المجاور له، وأقام بركة مياه معلقة في الصحن، وسجل ما فعله من تجديدات أعلى محراب الجامع ومنبره.
ثم شهد المسجد عدة مراحل ترميم بعد ذلك منها عبر لجنة حفظ الآثار العربية التي حافظت على زخارفه عام 1928، وأجري المجلس الأعلى للآثار ترميم أخر للمسجد وأزال المباني التي حجبت واجهته عن المارة، وقد صممت واجهة المتحف القبطي في القرن الواحد والعشرون على نسق واجهة جامع الأقمر.