خصص لاستقبال رأس الحسين.. حكاية مسجد الصالح طلائع آخر مساجد الفاطميين
اهتم الفاطميون خلال فترة حكمهم لمصر التي امتدت لأكثر من قرنين، ببناء المساجد التي تحمل أسماء سلاطين الدولة والشخصيات الهامة بها، وكذا أضرحة ومساجد آل البيت في مصر، ومن أهم المساجد التي بناها الفاطميون وآخرها في قاهرة المعز مسجد «الصالح طلائع».
صاحب بناء هذا المسجد العديد من المفارقات، فهو موجود حاليُا في ميدان بوابة المتولي بباب زويلة بمنطقة الدرب الأحمر في القاهرة، وبني في الأساس لاستقبال رأس الإمام الحسين بن على بن أبي طالب.
وفي السنوات الأخيرة من عمر الدولة الفاطمية تعاظم خطر الصليبيين وزادت أطماعهم في منطقة الشرق، وبدأ توغل الصليبيين في بلاد الشام، وأقيمت إمارات صليبية في العديد من مناطق الشام، وخشي الفاطميون على موقع دفن الرأس الشريف في منطقة عسقلان بفلسطين، فجاء قرار نقل رأس الحسين إلى مقر الخلافة الفاطمية بالقاهرة، باعتبارها أكثر أمانًا وبعدًا.
أمر الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله، وزيره الصالح طلائع بن رزيك ببناء مسجد لاستقبال رأس الحسين، وكان الملك الصالح طلائع بن رزيك واليُا على منية بن خصيب محافظة المنيا، تولى بعدها الوزارة للخليفة الفائز الفاطمي، ومن بعده الخليفة العاضد، ولقب بالملك الصالح، وزوج الصالح طلائع ابنته للخليفة العاضد.
وأنشأ المسجد في عام 555 هجرية / 1160 ميلادية، وبالغ في الإنفاق عليه وفي تزيينه ونقوشه، وبني داخله صهريج عظيم وجعل ساقية على الخليج قرب باب الخلق، تملأ الصهريج، أيام النيل، وسهل الطرق والمجاري إليه، وبعد انتهاء البناء استعدادًا لاستقبال رأس الإمام الحسين، أشار الخاصة على الخليفة الفاطمية الفائز، بأن الحسين هو جد الفاطميين ومكانه الأفضل هو أحد أهم قصورهم، وليس المسجد الذي بناه الوزير، وهو ما استجاب له الخليفة الفاطمي، والذي أمر بإعداد مشهد خاص داخل باب الديلم، أحد أبواب القصر الفاطمي، وهو المشهد المعروف حاليًا واستقرت الرأس الشريف في موضعها الحالي منذ ذلك الوقت.
وفقًا للروايات، فقد قتل الصالح طلائع بعد عشر سنوات من إتمام بناء المسجد في العام 565 هجرية / 1170 ميلادية، في مؤامرة دبرتها نساء قصر الخليفة العاضد لدين الله الفاطمي، وقادت تلك المؤامرة ست الملوك عمة الخليفة لما استشعرت خطر سيطرة الصالح طلائع على مقاليد الأمور وأصبحت سيطرته على مقاليد الحكم أكبر من سيطرة الخليفة.
ومن المفارقات الأخرى لمسجد الصالح طلائع، أنه لم يصبح مسجدًا جامعُا إلى بعد 100 عامُا من إنشاءه، وذلك في عهد السلطان المملوكي عز الدين أيبك 1250/1257، وهو ما ذكره المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه «الخطط المقريزية»، فقد كانت صلاة الجمعة في ذلك الوقت قاصرة على المساجد الجامعة فقط
تبلغ مساحة مسجد الصالح طلائع 1522مترًا، وهو المسجد المعلق الأول من نوعه في مصر، نظرُا لارتفاعه عند بنائه عن الأرض بأربعة أمتار، وللمسجد 4 واجهات مبنية بالحجر، وتعد وجهته الغربية هي الأهم، فهي تضم الباب العمومي، أمامه رواق محمول على 4 أعمدة من الرخام تحمل عقودًا مزخرفة عليها أفاريز من آيات قرآنية كتبت بالخط الكوفي المزهر.
وللمسجد ثلث مداخل، وكل من الأبواب يقع في بروز بسيط يغطي أعلاه عقد محدب حلي داخله خوص، والواجهتان مقسمتان إلى دخلات قليلة الغور تنتهي بعقود محدبة، تتميز بعناصر زخرفية، ويتألف المسجد من الداخل من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة مسقوفة أكبرها رواق القبلة، والذي يشتمل على ثلاثة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية، ويصل طول القبلة على 26متر، ونقش على الواجهة بالخط الكوفي: «بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا المسجد بالقاهرة المعزية المحروسة فتى مولانا وسيدنا الإمام عيسي أبي القاسم الفائز بنصر الله أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين) السيد الأجل الملك الصالح ناصر الأئمة وكاشف الغمة، أمير الجيوش سيف الإسلام غياث الأنام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين أبو الغارات طلائع الفائزي في شهور سنة خمس وخمسين وخمسمائة والحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى أمير المؤمنين على بن أبي طالب أفضل الوصيين».