بعد إغلاق عدد منها.. لماذا فقدت المجلات الثقافية جمهورها وكيف تنهض؟.. خبراء يجيبون
تاريخ المجلات الثقافية في الشارع الصحفي المصري طويل ومواز لتاريخ الصحف اليومية والأسبوعية، وقد شهدت الفترات الأخيرة في الصحافة المصرية والعربية غلق عدد من المجلات الثقافية التي لعبت دور مؤثر في الحياة الثقافية وعلى سبيل المثال منها توقف مجلة المجلة المصرية والمعنية بالفن التشكيلي، وغلق مجلة دبي الثقافية، ومن بعدها الإمارات الثقافية، في السطور التالية نستعرض آراء خبراء ليجيبوا عن من هم جمهور المجلات الثقافية، وعن كيف فقدت جمهورها.
- زين عبد الهادي:عالم الكتاب ضاعفت عدد نسخها ووصلنا للمرتجع صفر
يقول الكاتب الروائي والأكاديمي الدكتور زين عبد الهادي ورئيس تحرير سلسلة عالم الكتاب، لـ "الدستور" "قراء المجلات الثقافية قطاع عريض ومتنوع، من الشباب للكبار، والحقيقة ان تداخل العلوم الطبيعية مع الثقافة اعتبارا من الثمانينيات تقريبا أدى لنوع مختلف من المثقفين.
وتابع "هذا ما أدى إلى تنوع قراء المجلات الثقافية واستقطاب فئات كانت مستبعدة، وعلى سبيل المثال تحول مصطلح المثقف نفسه من مجرد شخص له علاقة بالفن والأدب إلي أن يكون له أيضا علاقة قوية بالتطور العلمي، والذي بدوره خلق نوعا جديدا من المثقفين يطلق عليه في الغرب اسم المثقف الثالث ابن العالم الجديد التي اصبحت فيه المعلومات العلمية جزء لا يتجزأ من ثقافته .
وهو ما أشار إليه كارل بروكمان عبر كتابه العظيم “الإنسانيون الجدد”، وهو مايمكننا ملاحظته الان بسهولة في كل مصادر المعلومات و"الميديا" بمختلف أنواعها وهو ما يوكد أن تعريف المثقف والتعامل مع المجلات الثقافية اصبح مختلفا عن الماضي.
وأجاب عبد الهادي حول ما إذا فقدت المجلات الثقافية جمهور من عدمه، موضحا "لا اعتقد ان ذلك صحيح بل على العكس لقد ارتفعت اشتراكات بعض المجلات الثقافية عشرات الأضعاف ويكفي أن اقول لك أن مبيعات بعضها وصلت عدة آلاف مثل (عالم الكتاب) نتيجة اقبال الشباب الى الحد انك قد لاتجدها بالسوق بسبب الإقبال عليها، كذلك اهتمام عدد كبير من شرائج مختلفة بالبحث عنها وقراءتها، ايضا وبالطبع التحول نحو القراءة الرقمية أصبح هو الأمر السائد مع أي إنتاج فكري جديد.
حاتم حافظ: أزمة المجلات الثقافية لا تنفصل عن أزمة الصحف
من جانبه قال الكاتب الروائي حاتم حافظ " لا أرىأن هناك ازمة كبيرة، فلاتوجد خصوصية تخص المجلات الثقافية عن غيرها من باقي الإصدارات الورقية من الصحف والمجلات في هجر القراء لها.
وأضاف الأسباب أغلبها متعلقة بأن الأجيال الجديدة مرتبطة بالشبكة العنكبوتية في العموم، إلى جانب توافر الإصدارات عبر روابط الشبكة العنكبوتية، سيأخذنا في وقت قريب إلى أن القاريء سيكتفي بالقراءة عبر "كندل" أو غيره ، وانا شخصيا اتابع الاعمال والاصدارات الجديدة منذ مايقرب من 5 سنوات على "الكندل".
- محمود الغيطاني: الانفتاح على الثقافات الأخرى والبعد عن "الشللية" هو ضمانة للجودة والنجاح
يقول الكاتب الروائي والناقد محمود الغيطاني رئيس تحرير مجلة "نقد 21"، لـ "الدستور" تواجه المجلات الثقافية الكثير جدا من المشكلات، من أهمها انصراف الجمهور عن متابعتها، لأنها في النهاية لا تقدم سوى المحتوى الثقافي التقليدي، أي "ملو" صفحات وتسويدها فقط من دون الاهتمام بالمحتوى، إذن فأهم عنصر جذب للمجلات الثقافية هو المحتوى المختلف، لا سيما أنها من المجلات القليلة الجمهور.
ولفت الغيطاني إلى ان "هذه القلة في الإقبال عليها تحتاج إلى تميز ما تقدمه من مادة، وجدية هذه المواد، لذا فعلى صانع المجلة الثقافية الحذر من الوقوع في فخ الأسماء الكبيرة واللامعة فليس كل ما يلمع ذهبا، ومن خلال تجربتي في صناعة المجلات الثقافية أؤكد لك إني كثيرا ما رفضت مواد كتبها أسماء نجوم في عالم الثقافة، لكني رأيت أن ما يكتبونه لا يليق بمحتوى ومستوى المجلة التي أقدمها، لذا اعتذرت عن نشر موادهم، ومنهم أصدقاء أعزاء.
ويذكر الغيطاني “ أن سببا مهما من فشل العمل الثقافي، والمجلات الثقافية هو "الشللية"، والخوف من سطوة بعض الأسماء، ولكن ذلك يفضي بالضرورة إلى انصراف القارئ عن المجلة لتموت بسهولة.
وأوضح "هذا الأمر جعلني أنفتح على كل من يكتبون في العربية في أي مكان في العالم، ولعلك تلاحظ أن مجلة "نقد 21" هي مجلة قطرية، وليست محلية، لأن هذا الانفتاح يتيح لي الفرصة في تنوع الثقافات، وتنوع المادة، واختيار مواد ذات مستوى ثقافي يليق بالجملة ويجعلها مختلفة عما هو موجود أكثر مما لو كنت انغلقت على محليتي المصرية، وانسقت باتجاه وهم المركزية المصرية الذي لن ينتج لي في النهاية سوى مجلة عرجاء سطحية المحتوى مثل الكثير من المجلات التي نراها على الساحة، ومنها مجلة إبداع وغيرها.
ويتابع الغيطاني "كما أن المجلات الثقافية في حاجة ماسة إلى الجرأة الثقافية، ونقاش الأفكار على تنوعها واتساعها، مع عدم الانسياق لفكرة المحرم، أو التابو، أو الرقابة الاجتماعية، أو الذاتية، أو الرسمية؛ فالفن على اتساع مفهومه لا يعرف الممنوع، وإلا فقد جوهره الأساس، كما أن القارئ في حاجة إلى نقاش كل شيء؛ فعلى منضدة البحث الثقافية يجوز تناول أي شيء، وهو ما فعلته في العدد الذي خصصته للجسد في الفنون على اتساع مفهومها، وهو ما سنراه في أعداد قادمة ستناقش كل شيء، وأي شيء ما دام تحت مسمى الفن والناقد في النهاية.
ويختم الغيطاني "مشكلة المجلات الثقافة لا يمكن حصرها في سعرها، ولا الادعاء بعدم وجود قارئ يقبل على الثقافة الجدية، بل تتمثل الأزمة في كيفية صناعة محتوى ثقافي مختلف، ومتميز عما يقدمه الآخرون من غثاء، وتسويد صفحات فقط من أجل الادعاء بوجود مجلة ثقافية، وهي بعيدة عن الثقافة بسطحية محتواها وسذاجته.
- إسراء النمر: التنوع هو سر نجاح المجلات الثقافية
من جهته قالت الكاتبة الصحفية ونائب رئيس تحرير الثقافة الجديدة إسراء النمر ، "أشعر بحظ بالغ لأنني بدأت حياتي المهنية في إحدى المجلات المصرية، فقد فهمت من اليوم الأول أن العمل في مجلة يعني الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، فكنا نقضي أحيانًا أسابيع وربما أشهر لنبلور فكرة ما، وقد نقضي في مقابلها أسابيع أخرى لاختيار الصور المناسبة للموضوع، وينطبق الأمرأيضًا على تنفيذ الفكرة وعلى الكتابة، ففي المجلة يجب أن يخرج كل شيء كما يجب، أي أن العمل فيها يحتاج إلى تعاون حقيقي بين أفرادها، وإلى إخلاص وصبر، ويجب قبل كل هذا معرفة طبيعة هذا الكيان.
وتابعت " أنت في المجلة بحاجة على الدوام إلى التنوع، سواء في الأفكار أو الأقلام أو طرائق الكتابة، فبدون هذا التنوع تفقد المجلة ملمحها الرئيسي. كما أنك أيضًا بحاجة إلى رؤية بصرية خاصة بك، لأن أول ما يقع عليه عين القارئ هو الصورة أو الغلاف، و في ظني، يعود سبب تراجع المجلات بشكل عام، والمجلات الثقافية بشكل خاص، إلى غياب هذه المفاهيم عن القائمين عليها، وعدم معرفتهم بأصول صناعة المجلات، فلا يكفي فقط أن تكون كاتبًا أو صحفيًا موهوبًا لتستطيع العمل في مجلة".