مسجد عبد الرحيم القنائي.. «أسد الصعيد» الذي بُني في عهد الدولة الأيوبية
في واحدة من أهم محافظات الصعيد، تجد مسجده قبلة للمحبين والزائرين من داخل مصر وخارجها مسجده الذي يضم مقامه هو الأكبر في محافظة قنا، مسجد العارف بالله عبد الرحيم القنائي أو القناوي باللهجة المصرية العامية.
هو مسجد واحد من أهم أقطاب الصوفية في مصر والوطن العربي، عبد الرحيم بن أحمد بن حجون الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن على بن أبي طالب سبط رسول الله (ص) والملقب بـ"أسد الصعيد"، فقد ذكر في بعض الروايات عنه ترويض الأسود، وأنه في أحد الأيام جعل من الأسد يدور الساقية.
ولد القنائي، في ترغاي بمدينة سبتة في بلاد المغرب عام 521 هجرية 1127 ميلادية، وقد أمضى طفولته في تحصيل القرآن الكريم، وجوده تلاوة وفهمًا، وتوفي والده قبل بلوغه سن الثانية عشر، ولشدة تعلقه بوالده مرض بشدة ونصح الأطباء بأن يسافر إلى بلد أخر لاستعادة نشاطه والابتعاد عن ما يذكره بوفاة والده، وتوجه إلى دمشق وأقام لدى أخواله سنوات حتى وصل العشرين من عمره ثم عاد إلى المغرب مرة أخرى، واعتلى منبر الخطابة، قبل أن يخرج في موسم الحج إلى مكة
وخلال تلك الرحلة علم عبد الرحيم القنائي، بكثرة الهجمات التي كان يطلق عليها الحملات الصليبية على بلاد الشرق، وكان ضرورة وجود تكتل قوى من المفكرين المسلمين والفقهاء لشحذ همم الأمة لمواجهة تلك الهجمات، فقرر العودة من رحلة الحج إلى مصر، وهو ما حدث، خاصة بعدما التقي الشيخ مجد الدين القشيري، الذي كان إمامًا المسجد العمري بمدينة قوص، وجاء عبد الرحيم القنائي، معه إلي مصر، وكانت له مكانته بين تلاميذه ومريديه، وذكرت الروايات أن ذلك كان في عهد آخر خلفاء الدولة الفاطمية الخليفة العاضد لدين الله.
لم يمكث القنائي كثيرًا في قوص، فقد جاءته العديد من الرؤى، بأن ينتقل لمدينة قنا وان قوص ليست في حاجة إليه، وأن بها ما يكفى من العلماء، وهو ما حدث بالفعل، ثم قضى عبد الرحيم القنائي، عامين معتكفُا في قنا، وعينه الأمير الأيوبي العزيز بالله شيخُا لمدينة قنا، ليسمى بعد ذلك بالشيخ عبد الرحيم القنائي، وتزوج القنائي من ابنة الشيخ مجد الدين القشيري، حتى توفت وتزوج بعدها ثلاث زوجات أنجب منهن 19 ولدُا وبنت/ وقد توفي عبدالرحيم القنائي في 592 هجرية / 1196ميلادية عن عمر يناهز 73 عامًا.
وأنشئ المسجد في 1136 ميلادية على مساحة صغيرة، وذلك بأمر الأمير إسماعيل بن محمد الهواري الشهير بـ"صومع"، ثم تم توسعة المسجد في عهد الأمير همام بن يوسف الهواري أمير الصعيد، والذي أمر بوقف 50 فدان يخصص دخلها لتوسعة المسجد وعمارته، وهو ما عاد وفعله الخديوي عباس حلمي الأول في عام 1850 فقد أوقف ما يزيد عن 50فدانًا للصرف على ضريح ومسجد سيدي عبدالرحيم، في الضريح موجود بداخل المسجد.
في 1931، خصصت الحكومة كسوة من أسلاك الذهب للضريح، حتى أعيد بناء المسجد والضريح بشكله الحالي في عهد الملك فاروق الأول عام 1948، وفي 1967 أمر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بوضع كسوة مطواة من الذهب لوضعها على الضريح بعد تجديده عقب السيول التي ضربت مصر في مطلع الخمسينات، وفي 1980 أهدى الرئيس السادات كسوة أخرى فاخرة تم وضعها على الضريح وأمر الرئيس الأسبق حسني مبارك بتوسعة المسجد بمساحة قدرت بـ 800 متر وذلك في 2002 وتم استكمال سقف الصحن الخارجي في 2006 ليظل مسجد العارف بالله عبدالرحيم القنائي"أسد الصعيد" قبلة للمحبين.