الاختيار 3.. بين الواقع والخيال «11»
علاقة شعار الإخوان «طظ في مصر» بقرار وزير الدفاع
الإخوان لا يعترفون بمفهوم الوطن فكان من الطبيعى أن يبيعوا سيناء لغير المصريين
أكبر كذبة باعها الإخوان لقواعدهم أنهم هم الذين جاءوا بوزير دفاع مصر لمنصبه وأنه إخوانى الهوى
قرار وزير الدفاع بحظر بيع أراضى سيناء كان بداية علاقة جديدة مع الإخوان وأشعرهم بالصدمة
كل جرائد مصر نشرت تحذيرًا على لسان مصدر عسكرى يحذّر من المساس بوزير الدفاع ولم يجرؤ إخوانى واحد على الاعتراض
فى عام ٢٠٠٥ أجرى الصحفى الأستاذ سعيد شعيب حوارًا مع مرشد الإخوان محمد مهدى عاكف.. تطرق الحوار لقضية هوية مصر ومستقبل الحكم فيها.. وكانت خلاصة رأى المرشد أنه لا يوجد شىء اسمه الوطنية المصرية، وأنه لا حدود لمصر كوطن لأنها من وجهة نظره جزء من دولة الخلافة الواسعة التى يحلم بها الإخوان.. للتدليل على عدم اعترافه برابطة المواطنة قال مهدى عاكف إن المسلم الماليزى أقرب إليه من القبطى المصرى.. وعندما راجعه زميلنا الصحفى المخضرم كان أن انفعل وأعاد التأكيد على رأيه قائلًا «طظ فى مصر وأبومصر».
واجه زميلنا الكبير مشكلة فى نشر الحوار فى الصحيفة التى كان يعمل بها وقتها لدواعى التحالف مع الإخوان، فقرر نشره فى صحيفة روزاليوسف.. وكانت وجهة نظرى وقتها أننا يجب أن نشكر مرشد الإخوان على صراحته وإعلانه حقيقة أفكاره وأفكار جماعته، فهو ملاكم ومدرس تربية رياضية سابق لم يكن يجارى زملاءه فى القدرة على ممارسة التقية والكذب وتلوين الكلام ليحمل أكثر من معنى.. تذكرت هذه الحادثة بالأمس وأنا أشاهد الحلقة الحادية عشرة من مسلسل الاختيار، خاصة فى المشهد الذى يفيد فيه اللواء عباس كامل مدير مكتب وزير الدفاع بملخص تقرير للمخابرات الحربية يرصد وجود حالات لأفراد غير مصريين يقومون بشراء قطع أراض مصرية على الحدود مع قطاع غزة ومع إسرائيل.. وأن بعض هؤلاء يحمل هويات مصرية مزورة تم تزويرها من خلال ماكينة سرقت من السجل المدنى فى العريش عقب أحداث ٢٨ يناير.. ما هى العلاقة؟ العلاقة واضحة للغاية.. فبالنسبة لنظام الإخوان فإن المسلم الحمساوى والزميل فى نفس التنظيم هو أقرب للجماعة من أى مصرى آخر.. وبالتالى فلا مانع من أن يشترى الحمساويون كل الأراضى على الحدود كى يسيطروا على الأنفاق من جانبى الحدود.. الجانب المصرى والجانب الفلسطينى.. أما ما تهربه الأنفاق فالمعلن منه غير الخفى.. المعلن أنها وسيلة لتهريب المواد الغذائية وضروريات الحياة.. والخفى أنها ممر لتهريب الأسلحة والإرهابيين القادمين من كل أنحاء العالم للاستيطان فى سيناء.. فى المشهد نفسه نرى رد فعل الفريق السيسى وزير الدفاع وقتها الذى يستنكر أن يتم بيع أراضى سيناء التى استعادها المصريون بدمائهم وعرقهم لحساب حلفاء الإخوان وشركائهم التجاريين، وهكذا نرى تكليف اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية لإصدار قرار يقول نصه كما ورد فى الجريدة الرسمية..
«قرار بحظر تملك أو حق انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرفات فى الأراضى والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية لجمهورية مصر العربية، بمسافة ٥ كيلومترات غربًا، ما عدا مدينة رفح والمبانى المقامة داخل الزمام وكردونات المدن فقط، والمقامة على الطبيعة قبل صدور القرار الجمهورى رقم ٢٠٤ لسنة ٢٠١٠.
وأوضح القرار الذى صدر فى الجريدة الرسمية وحمل رقم ٢٠٣ لسنة ٢٠١٢ أنه يحظر أيضًا تملك أو انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرفات فى الأراضى والعقارات الموجودة فى الجزر الواقعة فى البحر الأحمر والمحميات الطبيعية، والمناطق الأثرية وحرمها.
ونصت المادة الثانية من قرار وزير الدفاع أنه يسمح للأشخاص الطبيعيين حاملى الجنسية المصرية دون غيرها من أى جنسيات أخرى، ومن أبوين مصريين، وللأشخاص الاعتبارية المصرية المملوك رأسمالها بالكامل لمصريين حاملى الجنسية المصرية وحدها دون غيرها من أى جنسيات أخرى التملك فى منطقة شبه جزيرة سيناء.
ونصت المادة الثالثة من قرار وزير الدفاع على حظر تملك أى أراضٍ أو عقارات مبنية بشبه جزيرة سيناء لغير المصريين، مع عدم الإخلال بالأحكام المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم ١٤ لسنة ٢٠١٢ ولائحته التنفيذية، ويجوز لغير المصريين الآتى:
- تملك المنشآت المبنية بالمنطقة دون تملك الأراضى المبنية عليها.
- حق انتفاع للوحدات المبنية بغرض الإقامة لمدة أقصاها ٥٠ عامًا طبقًا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها فى ذلك الشأن.
ونصت المادة الرابعة من قرار وزير الدفاع على ضرورة الحصول على موافقة وزارتى الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة، قبل تقرير حق انتفاع أو تملك لمنشآت مبنية فقط دون الأرض المقامة عليها».
انتهى نص القرار الذى يحمل وجهين للأهمية.. أولهما أهميته من ناحية حماية الأراضى المصرية وتبعات ذلك الأمنية والاستراتيجية والعسكرية.. والثانية الأهمية السياسية وهو أنه كان أول صفعة من العسكرية المصرية على وجه الجماعة وأتباعها.. كان بمثابة الخيط الأبيض الذى يخرج من الخيط الأسود كعلامة على ميلاد فجر جديد.. فقد كان بعض الإخوان حتى وقتها يتعاطون مخدرًا يقول إن السيسى وزير إخوانى أو إنه متعاطف مع الجماعة.. وكانت بعض قواعدهم تروى روايات مضحكة ومثيرة للشفقة يبيعها لهم قادة الجماعة وقياداتها الوسيطة كى يشعروا بأن الأمور على ما يرام وبأن الجماعة تحكم السيطرة على أقوى مؤسسة فى الدولة المصرية منذ نشأتها الأولى.. لقد انشغل الفريق السيسى منذ تعيينه برفع كفاءة الجيش واستعادة الجنود والضباط لروحهم المعنوية، ثم انتقل فى المرحلة الثانية للدعوة للحوار الوطنى والتحذير من خطر الانقسام وهى مرحلة كانت بيانات القوات المسلحة فيها تؤكد أنها «تراقب الوضع» و«تحذر من خطر الانقسام» وتدعو للحوار بين الشركاء.. لكن هذا الصوت المحايد إزاء صراعات الإخوان والقوى السياسية الأخرى تحول إلى فعل حاسم عندما تعلق الأمر بحماية الأراضى المصرية.. ولا شك أن هذا القرار كان صفعة على وجه مكتب الإرشاد وأظهر إخوان مصر وكأنهم عاجزون أمام حلفائهم ما دام الأمر يتعلق بالموضوعات السيادية، وهو ما تكرر بعد ذلك فى مشاريع سعى لها الإخوان تخص قناة السويس وغيرها من المناطق الحيوية فى سيناء.. لقد قرأت تصريحًا لإخوانى هارب يحاول فيه الإساءة للرئيس السيسى ويتهمه بأنه كان «يتملق» محمد مرسى.. والسؤال بالمنطق.. لماذا يتملق وزير الدفاع رئيس جمهورية ضعيفًا مثل محمد مرسى.. هل لأنه هو الذى عيّنه فى منصبه؟.. غير صحيح أنه عيّنه فى منصبه.. هو فقط وقع قرار التعيين استكمالًا للشكل القانونى.. لكن القرار كان قرار العسكرية المصرية بكل تأكيد.. هل محمد مرسى مثلًا كان يملك عزله من منصبه؟ بكل تأكيد لا فقد كان لوزير الدفاع وضعية دستورية خاصة وعندما تمادى خيرت الشاطر فى إطلاق شائعات حول إقالة وزير الدفاع صرح مصدر عسكرى مسئول بأن هذا سيعد بمثابة «انتحار سياسى» للإخوان.. ونشرت كل الصحف التحذير كعنوان رئيسى فى صفحتها الأولى ولم يبد الإخوان أى كرامة أو يحولوا تهديدهم إلى حقيقة ردًا على هذا التصريح الخطير والقاطع والواضح.
أزمة الإخوان
على جانب آخر نرى تداعيات فشل الإخوان فى إدارة الأمور فى حوار بين رئيس الوزراء هشام قنديل ومحمد مرسى.. فالموارد محدودة.. والإخوان فاقدون القدرة على اتخاذ القرار.. والصراع السياسى الذى جروا البلد إليه أسهم فى مزيد من تدهور الوضع الاقتصادى.. والأخطر أن كل الأوهام التى باعوها للمصريين منذ الألفينات تمخضت عن لا شىء.. فقد أشاعوا الكثير عن خبرات إخوانية عالمية ستتوافد إلى مصر بعد أن يحكمها الإخوان وعن استثمارات خرافية وعن برنامج سحرى للنهضة، والحقيقة أن كل هذه تصورات ساذجة.. فمشروعات تنمية الدولة المصرية واحدة تقريبًا وهى موجودة فى الأدراج منذ عقود.. والمهم ليس طرحها على الرأى العام وكأنها من بنات أفكار صاحبها ولكن امتلاك القدرة والعزم لتنفيذها وتحويلها إلى واقع على الأرض، وهو ما عجز عنه الإخوان لأسباب متعددة منها تهاويمهم عن حرمة الاقتراض من البنوك وتحريم الفائدة والخروج من عجلة الاقتصاد العالمى رغم أنهم يملكون المليارات فى بنوك أوروبا من خلال أمناء استثمار الجماعة، مثل يوسف ندا وإبراهيم الزيات وغالب همت.. لكن هذا ما أرادوا بيعه للناس فى مصر، وكانت النتيجة أنهم بقوا محلك سر على الجانب الاقتصادى وبدأت الأوضاع فى التدهور الحاد خلال الستة أشهر الأخيرة من حكمهم القصير، فكان أن أدرك المصريون أن صفقتهم مع الإخوان خاسرة وأنهم لم يقدموا للناس شيئًا سوى الفشل والشقاق والصراع والخوف.. وهو ما جعل الجميع يفكرون فى اتجاه واحد فقط هو كيفية الخلاص من ورطة الإخوان.