رحل قبل أن يراه منشورا.. «قاهرة جميع العصور» آخر مؤلفات مجيد طوبيا
تنطلق مساء اليوم الأحد احتفالات القاهرة عاصة للثقافة الإسلامية، وفي كتاب بعنوان “سادة العالم”، والذي رحل قبل أن ينهيه الروائي الكبير، مجيد طوبيا، الذي غادرنا الخميس الماضي، والذي خصص مبحثه الأول بعنوان “قاهرة جميع العصور”، يقول مجيد طوبيا عن القاهرة: مثل محبوبة جميلة محيرة، والحيرة من الحب، ساحرة مشاكسة، راضية ثائرة، فاتنة معظم الوقت، مزعجة أحيانا.. البشر يشيخون ويرحلون وهي دائمة الشباب…
هذه هي عاصمتنا، قاهرة الأزمنة والعصور، وفي الزمن السحيق قبل الميلاد، كان الصعيد قطرا مستقلا، والوجه البحري قطرا مستقلا.. ثم جاء "مينا" ووحدهما في دولة متكاملة، وهي مصر أم الحضارات والأمم، ووضع علي رأسه تاجا يضم تاجي القطرين..
ويضيف “طوبيا”: وكان لابد له ولخلفائه الوافدين من الصعيد، من إنشاء عاصمة إدارية جديدة، يستطيعون منها إدارة مقاطعات الوجه البحري، فنشأت وازدهرت مدينة “منف” عند ملتقي القطرين. موقع القاهرة إذن موقع مختار منذ عهد الفراعنة، إذ كانت منف تقابل حلوان والمعادي علي الشاطئ الآخر من النيل، ثم اتخذ الرومان من حصن بابليون مكانا عسكريا حاكما لمصر كلها، وهو ذات موقع مدينة الفسطاط التي نشأت بعد ذلك.
ويتابع “طوبيا”: ومؤرخنا المقريزي يقول: وأما فسطاط مصر فإن مبانيها كانت في القديم متصلة بمباني مدينة عين شمس، وبها بناية تعرف بالقصر وحوله مساكن .. وفيه أزقة ودروب وكنيسة المعلقة." والقصر الذي يقصده هو حصن بابليون أو كما كان يسمي: قصر الشمع.. ولنبدأ حكاية الجميلة الخالدة منذ البداية.
ذات الجمال الدائم
والبداية منف، وكانت منطقتها السكنية تقع علي رأس الدلتا، علي بعد عشرين كيلو مترا تقريبا من القاهرة الحالية، وبجوار قرية ميت رهينة.. أما جباناتها الشاسعة فكانت تمتد من صحراء “أبو رواش” غربا، وفي دهشور شمالا، وتمر جنوبا بالجيزة وسقارة، ولأنها عقدة الربط بين الصعيد والدلتا، وصفوها بأنها ميزان الأرض.. وعلي هذا يفترض أن مؤسسها هو الملك مينا موحد القطرين، والدليل علي ذلك قابر كبار الموظفين الموجودة بسقارة، ثم دفن في نفس المكان فراعنة الأسرة الثانية .. ثم جعل ملوك الأسرة الثالثة من منف عاصمة ومقرا رسميا لمصر.
وحتي عندما هجرها بعض الملوك فيما بعد وأعادوا عواصمهم إلي الصعيد، فرضت مزايا موقع منف الاستراتيجية نفسها مرة أخري، خاصة بعد أن أصبحت آسيا هدفا للتوسع المصري. وقد ولد فيها أمنحتب الثاني، وجعلها حور محب مقره الرسمي .. وحتي في أوقات الاضطرابات السياسية احتفظت منف بمكانتها عبر التاريخ الفرعوني، عامرة بالنشاط الاقتصادي المهن اليدوية والصناعات المعدنية، وبالحركات الثقافية والفنية، ففي مكتباتها وورشها حفظت وتداولت المخطوطات المختلفة، والمؤلفات والتشريعات الدينية، والوثائق والقوانين .
كانت منف أكبر مركز ديني للبلاد،وفيها كانت تقام الاحتفالات الكبري بمناسبة تولي الملوك، فأقام رمسيس الثاني العظيم ورمسيس الثالث احتفالات أعيادهم اليوبيلية، وفيها أيضا توج الإسكندر الأكبر.
ويلفت “طوبيا” إلي أنه: وكلمة “قبط” بمعني مصر اشتقت من عبارة “قصر كا ــ بتاح” أي منف. و"كا" تعني القرين وذلك حسب ما جاء في موسوعة الفراعنة ــ ترجمة دكتور محمود ماهر طه.