العمدة الثقافي!
سعدت جدًا بزيارة الأستاذ هشام عطوة، رئيس هيئة قصور الثقافة، لجريدة «الدستور».. الأستاذ هشام نموذج للمسئول الفاهم لدور الإعلام والذى يفرق بين النقد وبين العداء الشخصى.. الزيارة كانت على هامش مقال كتبته أطالب فيه بمؤسسة ثقافية تابعة لمبادرة «حياة كريمة» وأذكر فيه عددًا من التحديات التى تواجه عمل هيئة قصور الثقافة.. هذه التحديات هى نتيجة تراكم عبر عقود طويلة، ورئيس الهيئة بكل تأكيد ليس مسئولًا عنها.. ومع ذلك فقد استشعرت من حرصه على الرد نوعًا من غيرة المسئول على المكان الذى ينتمى إليه وحرصًا على توضيح المجهود الذى يبذله هو وزملاؤه للتطوير وهزيمة التحديات.. هذه التحديات معروفة ومنها قلة الإمكانات والترهل الوظيفى فى جهاز الهيئة، ووجود بعض الموظفين ممن يحملون أفكارًا معادية للفن والثقافة فضلًا عن أنواع متفاوتة من الفساد الإدارى.. هذه تراكمات سنوات طويلة.. بشكل عام أنا أؤمن بأن مشاكل الهيئة وغيرها بدأت من السبعينيات.. كان هناك منهج خاطئ بتعطيل المؤسسات التى يسيطر عليها مثقفون مناوئون للرئيس السادات.. رغم أن الحل كان فى الحفاظ على قوة المؤسسات وتغيير المسئولين عنها.. تم هذا مع الثقافة الجماهيرية ومع منظمة هامة للغاية مثل منظمة الشباب.. كان هذا خطأ فادحًا أدى لإفساح المجال واسعًا لقوى التطرف لابتلاع المجتمع.. هذا خطأ استراتيجى لا يتحمل مسئوليته رئيس الهيئة الحالى ولا كل أسلافه السابقين.. ومع ذلك فقد بدأت مرحلة إصلاح ضمن رؤية عامة للدولة المصرية.. وحسب رئيس الهيئة فقد تمت مضاعفة الميزانية عدة مرات خلال ثلاثة أعوام لتصبح ٤٠٠ مليون جنيه، وبدأ تشغيل عدد من القصور كانت متوقفة عن العمل مع تطويرها، منها قصر ثقافة شبين وقصر ثقافة سيدى جابر، وهناك خطط لإعادة تأهيل ٦٢٢ قصر وبيت ثقافة.. رئيس الهيئة تحدث عن فكرة المسارح المتنقلة التى تذهب للناس فى القرى والتى صنعتها وزارة الإنتاج الحربى خصيصًا من أجل هذا الهدف، وتحدث عن سلسلة ورش فنية تحمل اسم «ابدأ حلمك» تدرب الموهوبين فى القرى على مهارات التمثيل والإخراج والمونتاج.. إلخ.. وقال إن الفائزة الأولى فى برنامج «الدوم» فى مجال التمثيل هى ابنة فريق المسرح فى هيئة قصور الثقافة.. وإن الهيئة تشارك بقوة بأنشطتها فى مشروع «حياة كريمة» ضمن مشروع «العدالة الثقافية» الذى تعمل على تنفيذه د. إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة.. وفى الحقيقة فإن كل ما تحدث عنه رئيس الهيئة جهد صادق ومحترم ويستحق التحية.. الفكرة أن طموحاتنا أكبر من الإمكانات الموجودة حاليًا فى الهيئة لأن الهيئة لم تنمُ النمو اللازم لمواجهة التضخم السكانى.. إن عدد قصور الثقافة حاليًا هو نفس عددها فى الستينيات والسبعينيات تقريبًا رغم أن عدد السكان تضاعف أربع مرات منذ الستينيات حتى الآن.. فضلًا عن أن هذه القصور لم تتم صيانتها أو تطويرها بالقدر الكافى فتدهورت حالتها وأصبح معظمها غير قادر على أداء وظيفته، ثم إن الهيئة فى الستينيات كانت تلعب مباراة نظيفة على ملعبها وقتها.. فلا تطرف يعشش فى الزوايا ولا تخلف يسيطر على طرق التفكير ولا كل هذا التدهور فى العلاقات الاجتماعية كان موجودًا.. والمعنى أننا نحتاج لخطط لعب وحرب غير تقليدية، طرق أقرب لحرب العصابات الثقافية، أو مهام ثقافية أقرب لمهام فرق الصاعقة، حيث تعوض المهارة والشجاعة الكثرة العددية المتوافرة فى فرق المشاة.. مطلوب أن يكون هناك بيت ثقافة فى كل قرية من قرى مصر الخمسة آلاف.. مطلوب أن يكون فى كل قرية منشط ثقافى أو مسئول ثقافى سنسميه «العمدة الثقافى» بمعنى أنه كما أن فى كل قرية «عمدة» تابعًا لوزارة الداخلية ويتم اختياره وفق مواصفات معينة، مطلوب أن يكون هناك «عمدة ثقافى» تابع لمؤسسة «حياة كريمة» أو لوزارة الثقافة تكون مهمته التعامل مع محبى الثقافة وتوجيههم نحو أقرب مكان ملائم لهم، أو طلب المساعدة الثقافية، أو استدعاء نشاط معين للقرية، أو ترتيب زيارة من أبناء قريته للعاصمة أو لمتحف معين أو لعرض مسرحى أو لأى مناسبة ثقافية.. هذا «العمدة الثقافى» هو مسئول عن التنمية الثقافية لقريته، ودليل أبنائها لعالم المعرفة والثقافة، ووسيلة ربط بين وزارة الثقافة المصرية وبين الناس فى النجوع والقرى المختلفة، وهو دور يؤديه رؤساء قصور الثقافة الستمائة بالتأكيد.. لكننا نريد توسيعه ليشمل مصر كلها ونحن نستطيع ذلك إذا أردنا بإذن الله.