«لست سلفيًا».. حين تخلى محمد حسين يعقوب عن تلاميذه
«لا أعرف شيئا عن السلفية وأنا حنبلي»، العبارة الأكثر كذبا في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة، أطلقها الداعية السلفي محمد حسين يعقوب، وهو يدلي بشهادته في القضية المعروفة إعلاميا بخلية داعش إمبابة.
رفض يعقوب ابن قرية المعتمدية، مركز كرداسة، وصفه بالسلفي، معتبرا أنه حنبلي لا يعرف شيئا عن الدعوة السلفية، في محاولة للهروب من المساءلة، عن تاريخ من الدم مهد له يعقوب بخطبه ومحاضراته التي نشأ عليها العديد من أجيال المنطقة العربية والعالم الإسلامي. غير أن الشيخوخة ربما كان لها دور في تناسي الشيخ ما قدمت يداه خلال تلك السنوات.
يرفض الشيخ أي علاقة له بالسلفية، مدعيا أنه ينتمي لمدرسة الإمام أحمد ابن حنبل، دون أن يوضح للمحكمة أن السلفية قامت في الأساس لنشر تراث ابن حنبل، بدأها محمد بن عبد الوهاب في السعودية، ثم امتدت على يد تلامذته، الذين يفخر يعقوب بأنه تعلم على أيديهم في السعودية، وأنه درس كتب السلف عنهم.
ملايين المسلمين يتذكرون خطب ومحاضرات يعقوب، لكن القليل منهم شاهد مقاطع الفيديو المنتشرة على يوتيوب التي نعى فيها يعقوب رحيل الشيخ عبدالمجيد الشاذلي قبل سنوات، واصفا إيه بالمعلم والأستاذ والشيخ الكبير.
أفاض يعقوب في تأبين الشيخ الشاذلي، لكنه لم يوضح في شهادته للمحكمة، أن عبدالمجيد الشاذلي الذي اعتبره يعقوب من كبار المشايخ، هو مؤسس دعوة أهل السنة والجماعة في السبعينيات من القرن الماضي، والمعروفة لدى الأجهزة الأمنية باسم التيار القطبي، أسسها الشاذلي بعد خروجه من السجن، متهما في قضية تنظيم 1965، مع سيد قطب ورفاقه.
كان لزاما على محمد حسين يعقوب أن يخبر المحكمة، أن دعوة أهل السنة والجماعة التي أسسها الشاذلي، انتمي لها الشيخ أسعد البيك، مؤسس الدعوة السلفية الجهادية في سيناء، التي خرج من رحمها تنظيم داعش ولاية سيناء.
قبل سنوات نعى محمد حسين يعقوب الشيخ رفاعي سرور، قال أيضا مات شيخنا، لكنه لم يخبر المحكمة، أن رفاعي سرور هو مؤسس مجموعات الجهاد في الستينيات من القرن الماضي، وخرج من نسله مفتي تنظيم القاعدة في ليبيا، وشاهدناه جميعا في مسلسل الاختيار باسم عمر رفاعي سرور، شيخ الإرهابي هشام عشماوي.
ولد محمد حسين يعقوب عام 1956 بقرية المعتمدية، إحدى قرى مركز كرداسة، منتميا لأسرة أسس عائلها فرع الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية في قريته المعتمدية، وظل خطيب مسجدها حتى وفاته.
في تلك المرحلة اعتبرت الجمعية الشرعية وشيخها محمد خليل هراس، أهم شيوخ السلفية، مجلس علم أعضاء تنظيم الجهاد، رفاعي سرور، ومحمد إسماعيل المقدم، وأيمن الظواهر، يواظبون على حضور دروسه بشكل دوري.
في ذلك العالم نشأ وتربى محمد حسين يعقوب، قبل أن يسافر إلى السعودية بعد حصوله على دبلوم المعلمين عام 1967، في عدة سفريات متفرقة خلال عشر سنوات لطلب العلم على تلامذة الإمام محمد بن عبد الوهاب، أنصار الدعوة الوهابية في المملكة.
انتمى يعقوب إلى المدرسة السلفية منذ لحظة الميلاد، وهى أحد أبرز مدارس أهل السنة والجماعة، إلى جوار المدرسة الأشعرية، التي ينتمي إليها الجامع الأزهر الشريف، غير أن المدرسة السلفية تعتمد فقه الإمام أحمد بن حنبل، وتلامذته ابن القيم وابن تيمية، وهو الفكر الأكثر تشددا لدى أهل السنة والجماعة، وانتمى إليه جميع التيارات المتطرفة التي ظهرت على سطح مشهد الإرهاب العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين.
خلال تلك السنوات قدم محمد حسين يعقوب أحد أهم مشاريعه الدعوية، وهو سلسلة محاضرات مسجلة منشورة على موقعه الرسمي، لشرح كتاب العقيدة الطحاوية، كتبه أبوجعفر الطحاوي قبل ألف عام، ويعتبر ذلك الكتاب دستور دعوة أهل السنة والجماعة، الذي يشرح أصول الدين التي يجب أن يؤمن بها أي مسلم سني منتمي لدعوة أهل السنة والجماعة، وفي الكتاب جمع الطحاوي أصول العقيدة بعيدا عن الآراء والمذاهب السنية المختلفة، استنادا للقرآن والسنة.
متن العقيدة الطحاوية، أو دستور المسلمين السنة، له العديد من الشروحات، التي قدمها التيار السلفي، وشروحات أخرى قدمها الأشعرية، واختار محمد حسين يعقوب أن يقدم شرح العقيدة الطحاوية على مبدأ الدعوة السلفية، التي تبرأ منها اليوم، أو بمعنى أدق، ظن جهلا في القضاة على منصة المحكمة، وأنهم لن يدركوا الفرق بين السلفية ومذهب الإمام أحمد ابن حنبل، الشيخ الأول والأهم للدعوة السلفية عموما بكل تياراتها المختلفة، سواء السلفية العلمية الداعية للتغيير وتطبيق الشريعة الإسلامية من خلال نشر العلم السلفي، أو السلفية الحركية الجهادية الداعية لتطبيق الشريعة بحد السيف. اختلفا في السبيل، لكن اتفقا في المنبع!
قفز محمد حسين يعقوب من المركب وهو يحترق، متخليا عن مريديه، وتلامذته، وأفكاره، وعقيدته التي شرحها للملايين، محاولا النجاة بنفسه من حكم بالإعدام، سيفرضه المجتمع، قبل أن تحكم به منصة القضاء، لكنه تخلٍ يكشف زيف عقود من أداء الدعوة، والمطالبة بتطبيق الشريعة، والحذر من الشيطان!.