«لماذا تركتهم؟».. مذكرات إخوانى منشق: «كيف تشبعت بفكرهم» (4)
ينشر «أمان» على مدار سلسلة من الحلقات اعترافات لشباب منشق عن تنظيم الإخوان الإرهابى، يكشفون فيها كيف انضموا للجماعة وسبب تركهم لها، بالإضافة إلى العديد من الأسرار التى تمكن الشباب من مواجهة فكرهم المتطرف وتحصين أنفسهم من الوقوع فريسة للإرهاب.
وفى الحلقة الرابعة يسرد عبدالمعطى أحمد رجب، المنشق حديثًا عن الإخوان، تجربته خلال مرحلة الدراسة الجامعية مع التنظيم.. وإلى نص اعترافه كما أرسله لـ«أمان»:
انتهت المرحلة الإعدادية سريعًا، وبدأ يترسخ داخلنا معنى كلمة (إخوان مسلمون) وأصبح الاسم بالنسبة إلينا شيئًا عاديًا بعدما كان مستغربًا بل ازاد فخرنا بها شيئًا فشيئًا.
بدأ يتولد لدينا أحاسيس التميز على كل أبناء جيلنا، فكل أصحابنا شباب صغير لا قيمة ولا هدف لهم.. يسيرون خلف ملذاتهم وأهوائهم، أما نحن فأصحاب قضية كبيرة عنوانها العمل للإسلام وإقامة الخلافة الإسلامية.
بدأت مرحلة جديدة فى تعامل الإخوان معنا، فنحن أصبحنا ممثلين لهم فى المدرسة وبدأت الجماعة تمارس أنشطتها من خلالنا، بدأ ذلك بتكليفنا بعمل إذاعة مدرسية مميزة وبالفعل قمنا بها يوم ثابت فى الأسبوع كنا نسميها (إذاعة صوت الفاروق) وكان يتخللها الأخبار السياسية والأناشيد الدينية والكلمات الحماسية، كانت وقتها اشتعال الانتفاضة الفلسطينية فكان يغلب عليها الأناشيد الجهادية.
استمر ذلك للمرحلة الثانوية بأكملها، وكانت المادة المطروحة فى الإذاعة دسمة جيدا وكان يتم الإعداد لها بقوة مما جعل زملاءنا الطلاب بل حتى المدرسين ينتظرونها كل أسبوع، ويلقون علينا باللوم والعتاب إن اعتذرنا عنها فى أى وقت.
كان الإخوان فى الخارج يمدوننا ببعض المواضيع المختارة لهذه الإذاعة مستعينين بكتاب مخصوص أنتجه قسم الدعوة بالجماعة تحت عنوان (الإذاعة المدرسية).
لم يكتف نشاطنا فى تلك المرحلة على الإذاعة.. بل تعدى إلى مجلات الحائط الشهرية التى كانت لها رسائل معينة مثل (حث الطلبة على الإيجابية وتغطية أحداث الانتفاضة الفلسطينية وحث الطالبات على الحجاب) وغيرها، وكان لنا دور كبير فى حث الطلاب على قراءة هذه اللوحات ثم أخذنا خطوة أكثر وقمنا بعمل بعض الحفلات المسرحية التى تتناول قصص قادة الجهاد مثل صلاح الدين الأيوبى وقطز وغيرهما.
لم يقتصر نشاطنا فى تلك الفترة على هذه الأعمال بل تعدى مشاركتنا فى الحياة السياسية والانخراط فيها عن طريق المشاركة فى تأييد مرشحى الجماعة فى الانتخابات البرلمانية.. والتحرك خلفهم فى مسيرتهم الانتخابية، فعلى الرغم من حداثة أعمارنا إلا أن الحماسة هى من كانت تقودنا فى كل تلك الأعمال.
كنا قد وصلنا إلى مرحلة التشبع بالفكرة الإخوانية التى تجعلنا ننتشر ونتحرك ونجادل ونتفاخر.. بل حتى نتحدى ضغوط الأهل والأقارب وبعض المدرسين الذين كانوا يخافون علينا.
كانت كل تلك الأنشطة ونحن فى هذا العمر غرضها الرئيسى استقطاب طلبة جدد من المبهورين بنشاطنا ومحاولة السطو على عقولهم وبالفعل قد كان.
بدأ كثير من زملائنا يأتون إلينا معجبين أشد العجب بما نقوم متمنين أن ينضموا إلينا، وكنا نحن حلقة الوصل بين هؤلاء الجدد وبين الجماعة فى الخارج عن طريق دعوتهم لحضور الحلقات المسجدية معنا فى الخارج.
انتهت المرحلة الثانوية وقبل الانتقال للجامعة بدأت اللقاءات الإخوانية لتهيئتنا لمرحلة الجديدة وكيفية النشاط الطلابى فى الجامعة.. وكان الإخوان يولون الاهتمام الشديد لتلك المرحلة، ولمَ لا؟ وطلاب الجامعة هم قلب الجماعة والمحرك الرئيسى لأغلب أعمالها، وهم عامل الضغط القوى على النظام.
بدأت الجماعة بتوجيهنا أن الأولويات للعمل الجامعى، فلو تعارضت لقاءات خاصة بالجامعة ولقاءات بالقرية فإن الجامعة لها الأولوية دائمًا.. وقام الإخوان فى القرية بتسليمنا للعناصر الإخوانية بالجامعة وإرسال تقييم لنا من حيث الالتزام التنظيمى والملاحظات الشخصية على كل فرد من الأفراد.
وهناك فى الجامعة نموذج صغير للعمل داخل الشعبة الإخوانية، فإن كان عمل الشعبة هو لقاءات أسبوعية وكتائب ومخيمات وتلك الأعمال يتم تنفيذها فى الجامعة.
بدأت العمل الجامعى معهم لكن لظروف أسرية لم أواظب على الانتظام فى الحضور وبالتالى لم أكن مشاركًا لهم كثيرا فى أعمالهم.. فقط أنظر وأشاهد وربما بضغط منهم وقد أحضر بعض الاجتماعات على فترات بعيدة.
دخلت كلية العلوم وكانت الأسرة الإخوانية تتسمى باسم (ابن سينا).
كان النشاط فى تلك الفترة قائما على عمل لوحات ولافتات لتهنئة الطلاب باستقبال العام الدراسى الجديد ممهورًا بتوقيع اسم الأسرة تحت كل لوحة من اللوحات.
وبالفعل بدأت الأسرة بالاستقبال ثم بعمل معرض لبيع المستلزمات المعملية التى يحتاجها الطلاب ثم قيام الأفراد بإلقاء الخواطر الدينية فى المدرجات قبل دخول الدكتور للشرح.. وأحيانا كثيرة كان يدخل الدكتور ولازال الأخ يخطب فيحدث كثيرا من الاحتكاكات مع الدكاترة قد تؤول للتحويل لمجالس التأديب.
ووقتها يتجمع الإخوان لعمل اعتصامات أمام مكتب عميد الكلية مستعينين بزملائهم فى الكليات المجاورة لرفع الضرر عن زميلهم الذى لم يحترم وقت المحاضرة بدافع نشر الدعوة.
ولا تخلو المرحلة الجامعية من إحدى أبرز سماتها وهى المظاهرات الدورية الخاصة ببعض الأحداث السياسية أو القضية الفلسطينية، فيجتمع المسئولون لكل كلية للاتفاق وترتيب هذا اليوم وتحديد المسئولين عن بداية المظاهرات فى كل كلية ومن المسئول عن إدخال مكبرات الصوت والمسئول عن عمل البنرات.. ومن الذى سيلقى كلمة المظاهرة ومن المسئول عن التواصل مع الدكاترة المنتمين للإخوان للمشاركة فى مقدمة صفوف المظاهرة وعن موعد ومكان اجتماع المتظاهرين من كل الكليات فى مكان واحد بالجامعة.
فى المظاهرات يتم ترتيب الصفوف وعمل مساحات بين كل صف من الصفوف حتى يظهر للمشاهدين مدى الإعداد المشاركة وطول المسيرة.. وعلى جانب الصفوف هناك أفراد يوزعون على الطلاب بيانا لمطالبهم وحثهم على المشاركة.
لم أكن مشاركا فى تلك الاجتماعات فقط كنت أحد المشاهدين لحجم التنظيم الموجود فى المرحلة الجامعية يتم رصد الأشخاص الذين تأثروا بالإخوان ومعرفة بياناتهم لإرسالها للإخوان فى بلداتهم حتى يتابعوا العمل معهم على اعتبار أنهم جنود جديدة للصف.
تلك كانت أبرز ملامح العمل الجامعى التى شاهدتها بعينى، حتى ولو لم أكن جزءا فاعلا فيها فى مرحلة كانت أهم ملامحها:
- عمل حفلات استقبال للطلبة الجدد.
-عمل معارض بيع الأدوات المعملية.
- عمل معارض بيع لبعض الكتب الإسلامية والإخوانية.
- عمل اعتصامات لرفض قرارات التأديب.
- عمل مظاهرات مناهضة لبعض القرارات السياسية ومناصرة القضية الفلسطينية.
تلك الفعاليات ليس لها سوى أهداف محددة وهى ضم عناصر جديدة للتنظيم ومحاولة نشر أفكارهم بصورة علنية عن طريق فرض صورة نمطية أمام الجميع أنهم فقط الموجودون فى الشارع المصرى، وللأسف المناخ العام والمجال السياسى وقتها سمحا لهم بقدر كبير من الانتشار مما جعلهم فى لحظة من اللحظات تصوروا أنهم هم الأقوى فى المجتمع والأكبر من الشعب ولكن هيهات.. فالشعب المصرى دائمًا أكبر من أى شخص ومن أى تنظيم.
هنا انتهت المرحلة الجامعية بكل ما فيها.. ولعلى أسلط الضوء على ما بعد هذه المرحلة فى مقال آخر إن شاء الله.