بيبلوجرافيا الإسلام السياسي.. هذا ما يحدث عندما تربي أفاعى سامة في فراشك
قديمًا كان الشعر ديوان العرب٬ وعندما عرف العرب فن الرواية صارت هي ديوانهم الحديث، خاصة في أعقاب الحرب العاليمة الثانية٬ أو كما اعتبرها وزير الثقافة الأسبق، الدكتور جابر عصفور، "ديوان العرب المحدثين" وأطلق مقولته الأشهر "زمن الرواية" التي أثارت- ولا تزال- الكثير من الجدل، وكما وصفها نجيب محفوظ بأنها "شعر الدنيا الحديث".. ففي المتسع الزمني الذي تتمتع به الرواية دون غيرها من الأجناس الأدبية جعلها الأكثر استجابة لأن تكون "تأريخا" موازيا للتاريخ الرسمي كما يسجله المؤرخون.
وفي هذه المحاولة نهدف إلى رصد وتوثيق الروايات المصرية والعربية التي تطرقت إلى موضوعات الإسلام السياسي٬ من أول التمييز الديني وتكفير الآخر٬ مرورا بالعمليات الإرهابية التي تناولتها هذه الروايات٬ وصولا إلى كل جديد تنتجه المطابع حول هذه القضية الملحة.
لا ندعي أن هذه "بيبلوجرافيا" علمية، فهذا مما يحتاج إلى جهود العشرات من الباحثين٬ لكنها محاولة لتدشين قاعدة بيانات لتكون مرجعية لمن يحتاج لتناول ظاهرة الإسلام السياسي والإرهاب والجماعات التكفيرية.. إلخ، من خلال الروايات المصرية والعربية التي صدرت في هذا الصدد.
ففي رواية "القوس والفراشة" للكاتب الروائي المغربي محمد الأَشعري٬ لا يهيئك الأشعري لتلقي صدمة مئات الفولتات الكهربية التي يعرضك لها على مدار 332 صفحة وثمانية فصول عن الملابسات والأسباب التي كان من نتائجها أن يتلقي يوسف محمد الفرسيوي خبر مصرع ابنه الوحيد ياسين عبر رسالة من سطر واحد بخط مرتبك: أبشر يا أبا ياسين لقد أكرمك الله بشهادة ابنك أثناء الحرب في أفغانستان.
يعمل الفرسيوي في مجال الصحافة والكتابة، وخلال الساعات الطويلة التي قضاها هو وزوجته بهية ونجله ياسين في امتثالهما لتحقيقات الشرطة حول رسالة النعي والمكالمة التي وصلتهما في التحقيق٬ اكتشف الفرسيوي أنه لم يكن يعرف ولده الوحيد فكيف انتهت رحلته إلى باريس لدراسة الهندسة المدنية إلى اعتناق الأفكار التكفيرية وتنفيذ العمليات الإرهابية٬ لم يتوقف الفرسيوي أمام طلب ياسين منه ألا يرسل إليه نقودا في فرنسا، ولم يسأل نفسه من أين سينفق ويدبر معيشته وأمور حياته ودراسته دون مال؟ كيف لم يلاحظ تحولات ياسين الجذرية المفزعة؟.
ياسين الفرسيوي الذي مات في أحضان الأصوليين المتطرفين التكفريين كان في يوم ما يحلم بالحياة وبإعمار الأرض، وحلمه في تحويل مكب النفايات إلى مجمع سكني يخصص للمشردين البؤساء من يقتاتون على فضلات هضبة النفايات.. حلم ياسين ورسم بخطوطه الهندسية قوسا يربط ما بين ضفتي نهر أبي رقراق في الرباط.
يرتبط الفرسيوي بصديقين، إبراهيم الخياطي وأحمد مجد، من بقيا له من بين أصدقاء رفاق النضال اليساري القدماء الذين ما زال يرتبط بهم ويكوّنون معه عصبة تجتمع في سهرات ليلية في الرباط، وفي مكناس يستعيدون فيها سيرة النضال التي انطفأت، ولم يبق منها إلا تلك الحكايات التي يرددونها أوالنقاشات الفارغة التي تتلاشى أفكارها مع سورة النشوة، وقد تحولت حياة بعضهم من السجون والإيمان بالمبادئ الاشتراكية والمساواة إلى المقاولات المشبوهة والعلاقات المتشعبة مع أصحاب النفوذ، ما جعل الأفكار القديمة لا معنى لها في ذلك الواقع٬ وتسللت مكانها الأفكار التكفيرية للأصوليين وإرهابهم الرافض لكل مظاهر الحداثة.
وبدلا من أن تسيطر الأنظمة عليهم وتواجه أفكارهم الظلامية أفسحت لهم المجال فتمددوا وتناسلوا، حتى وهذه الأنظمة تتظاهر بالتصدي لهم فهي تعقد معهم الصفقات وتهيئ لهم فنادق خمس نجوم تحمل بالخطأ لافتات سجون، والحال أن إرهابيي الخلايا النائمة اليوم بأحزمتهم ومتفجراتهم لا يقضون في السجن سوى بضعة أشهر يتمتعون خلالها عشرات المرات بالخلوة الشرعية.
إبراهيم الخياطي الصديق الثاني رفيق الألم في حياة يوسف، كان همزة الوصل بينه وبين جهات التحقيقات التي فتحت حول تنظيم القاعدة بالمغرب وعلاقة ابنه ياسين وتورطه مع التنظيم المحلي قبل سفره، واتجاه الشكوك نحو شخص من المجموعة المتورطة في اغتيال سائحة فرنسية، وأنه نفس الشخص الذي حمل رسالة النعي إلى يوسف، في خلال تلك التفاصيل كان إبراهيم الخياطي يعرف عن ياسين ما لم يكن يدركه يوسف من علاقة ابنه بإرهابيين.
يكشف الأشعري عن الجماعات الأصولية المتغلغلة في المغرب العربي ولا تقف فقط عند الجماعات المسلحة المتطرفة، فهناك بنية تحتية تؤسس لتناسل الأفكار التكفيرية الإرهابية.. تتصاعد الأحداث في قصة ياسين من خلال لقاء جمع يوسف في الطائرة، أثناء عودته من رحلته إلى مدريد، بشاب يعرف صديقا لياسين ويضرب له موعدًا ليوصله إلى شخص له علاقة تنظيمية بابنه، وحين يذهب إلى الموعد لا يجد أيًا من الشخصين، لكنه يلاحظ شخصًا غريب الهيئة فيتبعه من شارع لشارع، وحارة لأخرى متوهمًا أنه ابنه حين يهجم عليه ليمسك به يعرف فيه ملامح عصام، ولكن بعد فوات الأوان فقد انفجر الحزام الناسف الذي يحمله عصام ليرفعهما عاليًا في الجو.