كيف بدأت نهاية دولة الأندلس بحرق كتب «ابن رشد»؟
قديما كان الشعر ديوان العرب وعندما عرف العرب فن الرواية صارت هي ديوانهم الحديث، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية أو كما اعتبرها الدكتور جابر عصفور «ديوان العرب المحدثين» وأطلق مقولته الأشهر «زمن الرواية» التي أثارت ــ ولا تزال ــ تثير الكثير من الجدل، وكما وصفها نجيب محفوظ بأنها «شعر الدنيا الحديث» ففي المتسع الزمني الذي تتمتع به الرواية دون غيرها من الأجناس الأدبية جعلها الأكثر استجابة لأن تكون تأريخا موازيا للتاريخ الرسمي كما يسجله المؤرخون.
ويحاول «أمان» رصد وتوثيق الروايات المصرية والعربية التي تطرقت إلى موضوعات الإسلام السياسي من أول التمييز الديني وتكفير الآخر مرورا بالعمليات الإرهابية التي تناولتها هذه الروايات، وصولا إلى كل جديد تنتجه المطابع حول هذه القضية الملحة.
لا ندعي أن هذه «بيبلوجرافيا» علمية، فهذا مما يحتاج إلى جهود العشرات من الباحثين، لكنها محاولة لتدشين قاعدة بيانات لتكون مرجعية لمن يحتاج لتناول ظاهرة الإسلام السياسي والإرهاب والجماعات التكفيرية.. إلخ، من خلال الروايات المصرية والعربية التي صدرت في هذا الصدد.
«كل الأديان متاهة مظلمة يتخذ الناس أديانا بحكم العادة لا يحدث أبدا أن يتوقفوا ليسألوا إن كان ما يؤمنون به صحيحا، انغرس الوحي المنزل عميقا في عقولنا وفي النهاية كان السابقون الأولون هم الذين اخترعوا الأساطير واتخذوا منها أديانا لهم أما موسى وعيسى ونبينا محمد فقد كانوا قادة عظماء لقومهم في أزمنة شاقة ولا أؤمن بأي شيء أكثر من هذا» ترجمت كلمات أبي اليزيد المعري السابقة مأزق العقل الإنساني العربي تحديدا في علاقته مع الدين كموروث مسلم به أدت حصيلته النهائية لتاريخ مظلم من الدم والحرائق والكوارث الإنسانية منذ وجدت الرسالات الإبراهيمية.
ويختلف خطاب طارق علي في روايته ظلال شجرة الرمان الصادرة عن هيئة الكتاب بترجمة محمد عبد النبي في قدرته النقدية لتاريخ الأندلس الذي ما فتئ المشتبكين معه في تقديم الأندلس على أنها الفردوس المفقود في كربلائية ممتدة لم تنقطع حتى اليوم، وتناسي هؤلاء كما تناسينا جميعنا أن سقوط الأندلس كان حتمية تاريخية بدأت منذ أن أحرق الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور كتب ابن رشد واتهمه بالكفر والضلال والمروق وزيغه عن دروب الحق والهداية ولم يغضب أهل غرناطة لإبن رشد أو حاولوا الدفاع عنه، كما أغضبهم جدار النار الذي أضرمته فرقة جنود أسبان عام 1499 في نحو مليوني مخطوط من مكتبات غرناطة لم تستثن منها سوى 300 مؤلف في الطب.
تدور الأحداث في قرية «هذيل» القريبة من غرناطة وأسستها عشيرة الهذيل في القرن العاشر الميلادي وكان المؤسس ابن فريد يجمع بين شجاعة الأسد ومكر الثعلب ولم يبق منه بعد 5 قرون إلا سيف ورثه حفيده عمر بن عبد الله رب الأسرة التي ستشهد نهاية غرناطة وتضم الأسرة مربيته ومرضعته العجوز الصارمة أمه وزوجته زبيدة وولديه زهير ويزيد وابنتيه كلثوم وهند إضافة إلى أخته زهرة والعم ابن هشام والعم ميجيل الذي تحول ظاهريا إلى المسيحية وأصبح أسقفا.
لم يرتكن الكاتب إلى المقولات المعلبة عن الأندلس وحضارتها أو جو التسامح والانفتاح الذي عاشته وبلغ أوج ملامحه في حضور المسيحيين واليهود الاجتماع الأسبوعي في المسجد عقب صلاة الجمعة، وكانت خطبته تتناول الشأن العام السياسي والاجتماعي أكثر مما تتحدث في الدين في ممارسة حية وعملية للتعدد والتنوع ليس فقط في هذا الملمح إنما في الثقافة المجتمعية التي كان شاهدها أن تضم أسرة هذيل امرأتين، زهرة التي فقدت عقلها حينما رفض أبوها زواجها من حبيبها، وجيد الذي اشتهر بالزنديق لا لشيء سوى أنه فهم مبكرا أن تنازع من يسمون حماة العقيدة تنازعوا فيما بينهم واقتتلوا وأثبتوا عجزهم عن التوحد أمام الإسبان.
هامت زهرة على وجهها في الطرقات وكانت تفتح ساقيها لأي فارس إسباني لتعاقب والدها على حرمانها من حبها لم يقتلوها دفاعا عن الشرف المصون والخرافات التي تحاك حوله، ورثت هند ابنة عمر عن عمتها زهرة وأمها زبيدة الإستقلالية والعقل النقدي خاصة لرجال الدين وعدم قبولها بالمسلمات بتشجيع من والدها الذي ترك لها حرية اختيار زوجها فتختار داود المصري الذي نزل ضيفا عليهم وحينما تتشكك في ميله للرجال عن النساء تخبر أمها وبدورها تطلب من زوجها عمر أن يسأله في الأمر ولا يكذب داود ويعترف له داود بعلاقة حب جمعته بين زميل دراسة في الأزهر مات قبل عام يوافق عمر على زواجهما وفي نفس الليلة تتسلل هند إلى فراشه يمارسان الحب.
هذه الملامح وغيرها عبر الرواية تعكس الصورة المنفتحة للإسلام المغربي نقيض ذلك المشرقي بكل ما فيه من جمود فقهائه وانغلاقهم.