هل يمكن أن يكون الخلاف الفقهي حلًا؟ مؤتمر الإفتاء سيجيب
إن المتتبع لإرث وتركة العلماء الفقهية يدرك تمام الإدراك أنهم قد حرصوا على ألا يكون خلافهم مظهرًا من مظاهر الهوى والعناد، كما أن إقرار فكرة التوسعة بتعدد الآراء والاجتهادات من قِبَل الأئمة سلفًا وخلفًا، أمر لا يحتاج إلى دليل ولا برهان، فلسان حالهم أصرح من مقالهم، والمتواتر عنهم يشهد على ذلك.
وكذلك نجد أن الخلاف الفقهي المعتبر منحصر في الفروع الفقهية وبعض مسائل أصول الدين، مع الاتفاق الكامل على الأصول الدينية التي تمثل هوية الإسلام، وهو من حفظ الله تعالى وكفالته لهذا الدين إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، ولذا لم يقع اختلاف فيما هو قطعي الثبوت والدلالة؛ إذ إن أمر قبوله ضروري، كما أنَّ الخلاف في الفروع سعة، فلا تضيق الأمة بمذهب، فإن صَعُبَ عليها أحدها أو أوقعها في حرج لجأت إلى غيره، بمعنى أنهم اعتبروه حلًا، وهذا من كمال اليسر والتيسير ورفع الحرج.
والخلاف المعتبر ليس كل خلاف، بل هو الخلاف الذي له حظ من النظر، أي: من الدليل، فلا يلتفت إلى قول في مسألة ليس عليه دليل، أو عليه دليل ليس بقوي، ولذلك وضع العلماء لجعل الخلاف مُعتبرًا شروطًا؛ لأن الخلاف إن كان مـما يندرج تحت هذه الشروط، اعتُبر وصح القول بـمراعاته.
وقد التزم العلماء على مر العصور بشروط وضوابط الخلاف المعتبر، وكيفية التعامل معه وإدارته إدارة رشيدة حضارية بعيدة عن التناحر والنزاع، وكذلك فقد تعامل العلماء مع الخلاف الفقهي جيلًا بعد جيل على أنه إثراء للحياة الفقهية، وقوة للدين، ولكن في العصر الحديث غاب عن طائفة من الباحثين وبعض الشباب المتحمس وخاصة من غير المتخصصين وجعلوه مشكلة وليس حلًا.
ومن هنا جاء دور المؤتمر العالمي للإفتاء في نسخته الخامسة، ليضع النقاط فوق الحروف ولينبّه لما بين السطور وليضمن الاستفادة القصوى من الخلاف الفقهي بدلًا من إهماله، فكل الدعم والتأييد لهذا المؤتمر العالمي والذي يُعقد تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والتي يرأسها فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية، ويتولى أمانتها العامة الدكتور إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لفضيلة المفتي، تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، في الفترة من 15 إلى 16 أكتوبر2019م، برعاية كريمة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحضور وفود أكثر من 85 دولة في العالم.