تقرير للأزهر: العوامل الإقتصادية المنتشرة في إفريقيا لعبت دورًا رئيسًا في تحوّل الشباب نحو التطرف
أكدت وحدة الرصد باللغات الإفريقية، بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في تقرير جديد له بعنوان "العوامل الاقتصادية وأثرها في صناعة التطرف في إفريقيا" أن العوامل الاقتصادية المنتشرة في إفريقيا جنوب الصحراء تلعب دورًا رئيسًا في تحوّل الشباب الإفريقي نحو التطرف.
وقال التقرير الصادر عن مرصد الأزهر، أن الجماعات المتطرفة استطاعت العزف على وتر تلك العوامل لاستقطاب الشباب الإفريقي وتجنيدهم لخدمة قضايا التطرف وخاصة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي بات مقلقًا للغاية، وخاصة في ظل اعتماد تلك الجماعات على وسائل التكنولوجيا الحديثة وتقنية المعلومات والاتصالات؛ لترويج أفكارهم المتطرفة وحشد الدعم لأيديولوجيتهم، تلك الوسائل نفسها التي يستخدمها الشباب للانخراط في المجتمع.
ولعلّ أبرز العوامل الاقتصادية تأثيرًا في صناعة التطرف في إفريقيا ما يلي:
الافتقار إلى فرص حقيقية لتحقيق غايات الشباب وطموحاتهم في الحياة:
ليس بالضرورة أن يكونَ الفقر المدقع وحده هو الدافع للتطرف، وإنما قد يكون السبب هو "الحرمان النسبي" لدى فئةٍ من الشباب المتعلمين والطموحين الذين يفتقرون للفرص الحقيقية للتقدم إلى الأمام؛ حيث يزداد استياء هؤلاء الشباب من وضعهم المعيشي عندما يقارنون أوضاعهم بأوضاع النخب الثرية التي تعيش بجانبهم، أو عندما يقارنون احتمالية إحرازهم للتقدم بالمقارنة مع النمو والتطور في العالم المتقدم. هذا الأمر ينطبق بشكل خاص - طبقًا لما ورد في دراسة ديناميكيات التحول الراديكالي عند الشباب في أفريقيا- على الحالات التي يؤدي فيها الفساد الحكومي إلى تقويض النمو الاقتصادي. وفي النهاية تؤدي مشاعر الاستياء تلك إلى سعي الشباب لإيجاد معنى وغاية أخرى للحياة في أماكن أخرى، فتتلقفهم أيدي التطرّف مستغلة تلك المشاعر؛ لتعطيهم فرصًا للمشاركة في قضايا تبدو وأنَّها نبيلةٌ وساميةٌ، كمقاومة القهر الخارجي على سبيل المثال؛ فتقوم بعض الجماعات الإرهابية بتوفير وظائف للشباب جزءً من حملتها التجنيدية المقنَّعة بقناع زائف.
الإقصاء الاقتصادي:
يساهم تزايد الاختلافات العرقيّة والاجتماعية في تنامي ظاهرة الإقصاء الاقتصادي؛ حيث إنَّ شعور الإفريقي بالعار والظلم النابعَيْن من عدم المشاركة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في البلاد واختزال المشاريع الاقتصادية على فئة اجتماعية عرقية معينة يؤدي إلى إضعاف التماسك الاجتماعي، وعندما يفقد الشباب الإفريقي هذا التماسك داخل المجتمع فإنَّه لا شك سيحاول أن يجدَ ما يشبع رغبته في الشعور بالهُويَّة المشتركة أو بذلك التماسك الاجتماعي في أماكن أخرى، إما عبر الإنترنت أو من خلال التواصل المباشر مع الجماعات المتطرفة، الأمر الذي يجعل من هؤلاء الشباب فريسة سهلة للوقوع في براثن التطرف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تقودها الجماعات المتطرفة على الشبكة العنكبوتية.
البطالة:
وفقًا لـ"منظمة العمل الدولية" فإنَّ أعلى مستويات البطالة عند الشباب في العالم موجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث يعمل عدد كبير من الشباب في وظائف تحتاج لمؤهلات أقل بكثير من المؤهلات التي يمتلكونها، والسبب في تلك البطالة المقنعة هو عدم وجود فرص عمل ملائمة. مثل هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية قد تكون السبب وراء نجاح جماعات من أمثال داعش وأذرعها في تأسيس موطئ قدم لها في هذا الموقع من العالم.
أما في غرب ـأفريقيا ودول الساحل الأفريقي، وهي من الدول الأكثر فقرًا في العالم، فإن هناك حوالي 41 مليون من الشباب العاطلين. ففي دولة النيجر يتوقع زيادة عدد الشباب العاطلين عن العمل، الأمر الذي ينذر بزيادة عدد الشباب الذين يمكن استقطابهم لخدمة أنشطة الجماعات المتطرفة.
وفي نيجيريا التي تملك أعدادًا كبيرةً من الشباب العاطلين عن العمل، وصلت نسبة الفقر في الجزء الشمالي من نيجيريا عام 2012 إلى 64.8%، في حين بلغت 31.2 في الجزء الجنوبي، وقد لعبت البطالة دورًا كبيرًا في تجنيد عددٍ كبيرٍ من الشباب في "حركة تحرير دلتا النيجر" في النيجر، و"جماعة بوكو حرام" بنيجيريا.
وفي مالي ساهمت البطالة كذلك وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية في انضمام عددٍ كبيرٍ من الشباب إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؛ حيث إنَّ الخدمات التي يقدمها هذا التنظيم خلقت محفزات وعوامل استقطاب للشباب، فالتنظيم يتبع إستيراتيجية تقوم على تقديم محفزات مالية ورعاية صحية أساسية للمجتمعات الصغيرة، مما أكسب التنظيم شعبية واسعة عند بعض الفئات المجتمعية في مالي.
وفي كينيا تعاني فئة الشباب من نسب بطالة أعلى من الفئات السكانية الأخرى هناك. ففي عام 2009 بلغت نسبة البطالة 15.8% من الشباب بين عمر 15 إلى 19 عامًا، في حين بلغت نسبة البطالة 13.1% عند الشباب بين عمر 20 إلى 24 عام، وقد وجد أن نسبة 57% من أفراد "حركة الشباب المجاهدين" انضموا إلى الحركة بين عمر 10 إلى 24 عامًا. وكانت البطالة هي السبب الرئيس في انضمام الشباب الصوماليين المقيمين بحي "إيستلي" في نيروبي بكينيا إلى "حركة شباب المجاهدين"، ويتراوح دخل الفرد منهم داخل الحركة بين 50 إلى 150 دولارًا حسب طبيعة العمل الذي يقوم به؛ لذا كان من الأسهل لبعض الشباب الانضمام إلى حركة الشباب المجاهدين من أن يعيشوا في ظروف الفقر الخالية من أي فرصة للعمل.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ضرورة مراعاة تلك العوامل الاقتصادية وأخذها بعين الاعتبار عند وضع برامج مكافحة التطرف؛ حيث إن المكافحة العسكرية للتطرف لن تقضي وحدها عليه دون الغوص في العوامل والأسباب الإقتصادية المؤدية إلى التطرف وذلك من بين أسباب نوعية أخرى كثيرة، وتحديد السياقات التي نشأت فيها تلك العوامل، والعمل على معالجتها والحدّ منها، ومن هنا يناشد المرصد القائمين على برامج مكافحة التطرف بعمل المزيد من الأنشطة الاقتصادية على الصعيد المحلي في إفريقيا، وأن يتبنّوا المناهج الدقيقة والأيديولوجيات الفعالة التي يمكنها التعامل مع تلك العوامل الاقتصادية التي أثرت على الدوافع الشخصية للشباب، وحملتهم بشكل أو بآخر إلى الوقوع في براثن ومستنقعات التطرف.