ما بعد الحظر
عقب تصويت البرلمان الليبي من خلال نوابه بإعلان جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، يأتي السؤال الضروري حول طبيعة الأمور في الشأن الليبي عقب قرار الحظر:
ماذا بعد قرار الحظر ؟
يلتقي هذا القرار مع ما يحدث في تونس الآن، من خلال اتهامات الاتحاد العام للطلبة بالعاصمة التونسية لحركة النهضة، برئاسة راشد الغنوشي، بتسللهم في الجامعات التونسية كمشروع بعيد المدى لتكوين الدولة البديلة، أي الدولة الأمة أمام الدولة الوطنية، مما يكرر المشهد الدامي الذي حدث في مصر خلال فترة السبعينيات بمحاولات الأخونة في الجامعات بشبابها المتحمس اللاهث وراء الشعارات الدينية دون تفكير وتدقيق على غرار التنويم المغناطيسي.
قد يشجع قرار الحظر، الذي صدر في ليبيا لجماعة الإخوان، المجلس التأسيسي التونسي لاتخاذ قرار حظر حركة النهضة الشريك الحتمي للدولة في الحكم لارتدائها رداء المهادنة كاستفادة ضرورية لما حدث للجماعة الأم في مصر من إسقاط مدوٍ انتابها من زئير ثورة 30 يونيو التي أعلنت عن وفاتها إكلينيكيًا في بيان 3 يوليو من العام 2013.
ارتدت النهضة رداء الوطنية المزعوم كي لا تصل لمصير أمها، مرددين شعارات براقة أمام الشعب بأن تونس أولًا، ولكن ما أكثر التمثيل والادعاء من أجل الوصول للهدف القابل للكشف والوضوح برمته كليًا إن آجلًا أو عاجلًا، من خلال طلبة تونس المناهضين لأخونة الجامعات عبر التنظيم السري للإبقاء على الهوية الوطنية.
إن مقتل كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي في وقت مقارب دليل مؤكد على بروز أنياب الحركة الذئبية المرفوضة من بلد يتسم بالعصرية والعلمانية منذ الاستقلال في العام 1956 من المستعمر الفرنسي، والذي يعيش أجواءً فرنسية بنكهة عربية، يعاني الآن الأصولية المستنسخة من رحم القوى الغربية كي لا تضاهي أوروبا وأخواتها في التطور والتميز.
إذا صدر قرار الحظر من البرلمان التونسي كضربة مزدوجة مع قرار البرلمان الليبي، ستتناثر التساؤلات حول كيفية مواجهة الجريحين لهما للعودة مجددًا للمشهد السياسي، ولكن ليس بالموعظة الحسنة ولا الشعارات الأخلاقية بل عبر حوار البارود وكلمات الدانات، مع الاحتماء في المصادر الممولة للجماعة كي تعود بالقوة والبطش كعادة الفاشية الدينية في فرض نفسها على الجميع بالإكراه.
تتزامن تلك الصحوة الوطنية أمام تراجع الإسلام السياسي مع الأجندة القادمة في 2020، حيث ظهور نوع جديد من الصراع في المنطقة بين هاتفين، الأول ينادي بالوطن أولًا، والآخر ينادي بالإسلام هو الحل، لتكون الردة الفكرية والعقلية واقع المنطقة المرير المطابق لرغبة النسر الأمريكي كنوع من الإلهاء لتمرير مشروع صفقة القرن.
لا بد من تكاتف القوى الوطنية في البلدين في حال اقتراب نفس القرار الليبي للوطن التونسي، لمواجهة أباطرة الدولة الأمة في إعادة بسط نفوذ أبناء عثمان الجدد في المنطقة برداء عصري يُسخر المنطقة لخدمة الأغراض الغربية تحت ظلال إعادة حلم الخلافة لجبين الأمتين العربية والإسلامية.
إذا ظهر قرار الحظر التونسي لحركة النهضة فستكون المواجهة مع الدولة مباشرة للشراكة القائمة في الحكم، وسيظهر الغنوشي بأنيابه المختبئة وراء ابتسامته الدبلوماسية عبر الاحتماء بالتنظيم الدولي الممول الرسمي لجماعات الفاشية الدينية، وقد يأتي التعاون الثنائي بين إخوان ليبيا وإخوان تونس كضربة قاصمة إن لم تأخذ الحكومات الوطنية حذرها من لثغات الثعبان الأعمى وقت رفض الجميع له.