ننشر تفاصيل وحدة "تشريح العقل المتطرف" الجديدة بدار الإفتاء
تعرض الأمن القومي المصري مؤخرًا إلى هزات عنيفة بفعل عمليات إرهابية غادرة نفذتها عناصر إرهابية في قلب العاصمة، أثرت بشكل قوي على صورة مصر أمام العالم، وذلك إثر تمكن عناصر إرهابية غادرة من التسلل إلى الكنيسة البطرسية وتنفيذ عمل إرهابي جبان، أوقع العشرات ما بين قتيل وجريح.
ولم تكن هذه العملية الأولى في هذا السياق، فقد سبقتها بأيام معدودة عملية إرهابية خسيسة استهدفت كمينًا أمنيًا بمنطقة الهرم، وأوقعت القتلى والجرحى.
كما أن يد الإرهاب قد تمكنت في الآونة الأخيرة من تنفيذ عدة عمليات نوعية، أحدثت أثرًا بالغًا على الدولة المصرية ككل، حيث استطاعت يد الإرهاب أن تغتال القيادات العسكرية (العميد عادل رجائي) وقيادات أمنية شرطية (الرائد محمود عبدالحميد، رئيس مباحث طامية بالفيوم).
إضافة إلى دائرة القضاء (اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام السابق) وقيادات دينية وفكرية (محاولة اغتيال الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق)، يضاف إلى ذلك استهداف كمين الهرم والذي أوقع شهداء من الشرطة، وكذلك تفجير الكنيسة البطرسية.
كل ذلك وغيره فرض على الإفتاء أن تقوم بواجب الوقت في تأسيس وحدة "تشريح عقل المتطرف"، هدفها تشريح عقلية المتطرف ونفسيته والتداخل مع المؤثرات التي يتعرض لها ويتأثر بها، سعيًا لوقف تسلسل تلك المراحل التي تؤدي بالمتطرف إلى التحول إلى عنصر إرهابي يسعى بكل قوة وعزيمة إلى الإضرار بالغير، إضرارًا ماديًا ومعنويًا.
وفي هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى أن هذا العمل يعد الأجدر بالاهتمام والمتابعة كونه يمثل تطورًا نوعيًا في العمل الفكري والثقافي المعني بالتطرف والإرهاب، إضافة إلى أنه يمثل دعمًا لصناع القرار والسياسات في الداخل والخارج، وجهات التحقيق والمؤسسات المعنية بالتعامل مع المتطرفين والإرهابين ومراكز إعادة تأهيلهم.
خاصة أن برامج إعادة تأهيل المتطرفين قد كشفت عن ثغرات كبيرة أدت إلى نتائج عكسية مغايرة لما هو مستهدف، وقد كشفت عملية استهداف الكنيسة البطرسية عن خطورة إطلاق سراح المتطرفين دون عمليات إعادة الدمج والتأهيل لمنعهم من العودة إلى الممارسات الإرهابية.
كما أن هذا العمل يعد الأول من نوعه في كونه دليلًا يجمع بين المعالجات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية من جانب والدينية من الجانب الآخر، حيث تشرف المؤسسة الإفتائية المصرية على هذا العمل، وتدلي بدلوها في هذا الشأن مستعينة في ذلك بالخبرات العملية والشرعية والإفتائية لديها.
هدف الوحدة
تهدف الوحدة إلى إعداد دليل استرشادي يوضح كيف ينشأ الإرهابي والمراحل العامة التي يمر بها والمسارات التي يقطعها، وصولا إلى تنفيذ العمل الإرهابي وممارسة العنف والعمليات الانتحارية، ودراسة المؤثرات الداخلية والخارجية الدافعة في هذا الاتجاه، والسياقات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية المصاحبة لذلك، إضافة إلى المدركات والمفاهيم المعتقدة والمتداولة في عقلية المتطرف، والتي تؤدي دورها في دفعه نحو التحول إلى إرهابي ينتظر الفرصة ليوقع القتلى والجرحى.
منتج الوحدة
إخراج ورقة مفاهيمية تأصيلية توضح بشكل أساسي نشأة المتطرف وتكوينه الفكري والثقافي والاجتماعي، والمراحل المختلفة التي يمر بها، ويتأثر بها ويؤثر فيها، وصولا إلى تبنيه العمل العنيف والممارسة الإرهابية، وتحديد مؤثرات ومدخلات كل مرحلة من المراحل ومنتوجاتها، وذلك بهدف تحديد سبل مواجهة هذا التحول ووقفه وإعادة تأهيل المقبلين على ممارسة العمل الإرهابي.
والإجابة عن تساؤلات حول: لماذا يقبل الإرهابيون، خاصة من ينتمون إلى فئة الشباب، إلى قتل أنفسهم وتنفيذ العمليات الإرهابية؟، وما طبيعة من يقوم بتلك العمليات؟، وما التكوين النفسي والاجتماعي للانتحاري؟، وكيف يتم غسيل أدمغة من يقوم بتلك العلميات؟، وهل يمكن فهم تلك العقلية الانتحارية ومنعها فكريا من الإقدام على تنفيذ العمل الإرهابي؟، ولماذا يشعر الفرد بالمظلومية من (الدولة- المجتمع- العالم- المختلف عنه دينيًا)؟، وكيف يمكن وقف ومواجهة العمليات الانتحارية ومنعها من حصد أرواح الأبرياء؟.
الجمهور المستهدف
تستهدف الوحدة نوعية من الجمهور، وهي: متخذو القرار من المهتمين بمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، وجهات التحقيق في قضايا التطرف والإرهاب، والمعنيون بشئون الدعوة والقيادات الدينية وأئمة المساجد الإسلامية في الداخل والخارج.
إضافة إلى فئة الشباب باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة واستهدافا من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية، ودوائر البحث داخل العالم الإسلامي وخارجه (tanks Think) والجامعات، والمؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بنشر السلام العالمي، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الحقل الاجتماعي والسياسي والثقافي.
الأدوات والوسائل المستخدمة
تعتمد الوحدة على توظيف أدواتها البحثية والعلمية في إخراج هذا الدليل الشارح لمراحل التحول إلى الممارسة الإرهابية، وفي هذا السياق، تقوم الوحدة بعقد اللقاءات الدورية وورش العمل المتخصصة في دراسة كافة الأطر والخرائط والشبكات ذات الصلة بالإرهاب.
ورش عمل وحلقات نقاش
تعقد الوحدة بصورة منتظمة سلسلة من ورش العمل وحلقات النقاش التي تناقش قضية مكافحة التطرف، ورسم خريطة تحول المتطرف إلى الممارسة الإرهابية، ويمكن التخطيط لأن تعقد مرة كل شهر، ويشارك في هذه الورش عدد من الخبراء الأكاديميين والممارسين المهتمين بالقضية التي تناقشها الورشة.
وينظم النقاش ورقة مفاهيمية (concept note) يتم إعدادها من أجل تحديد المحاور الرئيسية للنقاش، ويصدر عن الورشة تقرير سياسات policy report، يحوي أهم التوصيات التي تم تطويرها في المناقشات.
اللقاءات
تنظم الوحدة لقاء شهريا مع أحد الشخصيات صاحبة الخبرة العلمية والأكاديمية في مجال مكافحة التطرف من الإقليم والعالم، وعمل تغطية مكثفة لهذا اللقاء، وما نتج عنه من توصيات وخلاصات.
لجنة الخبراء
تضم اللجنة مجموعة من المتخصصين والخبراء في فهم وتحليل الجوانب المختلفة في عقلية ونفسية الإرهابي، والسياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها العنصر المتطرف، حيث تضم اللجنة خبراء ومتخصصين في المجالات النفسية والاجتماعية والشرعية والسياسية والاقتصادية.
وتشمل هذه اللجنة الأسماء التالية: الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي والمخ والاعصاب جامعة عين شمس، والدكتور ناجح إبراهيم، أحد أقطاب المراجعات الفكرية في التسعينيات، العميد خالد عكاشة الخبير الأمني ومدير المركز الوطني للدراسات الأمنية، الدكتورة إيمان رجب، باحثة ومتخصصة في شئون الأمن المجتمعي وتحليل الصراعات، والدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء، الدكتور كمال حبيب الخبير في شئون الحركات الإسلامية، حسن محمد باحث سياسي ومتخصص في شئون الحركات الإسلامية، والاستاذ بسام عباس المترجم والباحث في شئون التطرف والإرهاب.
العقل المتطرف
فهم عقلية المتطرف والمراحل التي يمر بها وسمات كل مرحلة وخصائصها، والأفكار التي يتأثر بها ويتبنى بعضها، تتطلب تشريحا لتلك العقلية وشبكة القيم والأفكار والمدركات التي يؤمن بها هذا العقل وتنعكس على مواقفه وسلوكياته، ومن ثم كان هدف مشروع تشريح العقل المتطرف الذي بدأ في دار الإفتاء المصرية وكانت هذه أحد مخرجاته.
طبيعة التطرف وحدود التعامل معه
قالت الإفتاء، ينبغي الإشارة إلى أن التطرف في حد ذاته لا يعد جريمة، ولكن تحوله إلى العنف أو التحريض عليه فهو الجريمة بعينها، وتوسيع دائرة التجريم لتشمل التطرف تؤدي إلى اتساع دائرة العداء والمساهمة في تحويل المتطرف إلى إرهابي.
التطرف.. المراحل والمدركات
وأوضحت الإفتاء، دائما ما يبدأ التطرف بشعور الفرد العادي بنوع من الظلم المتكرر، سواء أكان ظلما حقيقيا أو متوهما، وعدم التعامل مع هذه الشعور يخلق لدى الفرد حالة من الغضب التي ما تلبس أن تتحول إلى شعور بالإحباط.
وتابعت: وإلى هذا الحد قد يتوقف الكثير من الأفراد ويستمرون في مزاولة حياتهم الطبيعية متعايشين مع حالة الغضب أو الإحباط التي تنتابهم، وقد تزيد وتنقص بناء على مؤثرات كثيرة، بعضها خارج عن إرادة الإنسان كالحالة الاقتصادية والمناخ العام والاستقرار الاسري والعملي، وبعضها قد يرتبط بعوامل نفسية وشخصية للفرد نفسه، إلا أن تحولها إلى ما يسمى (الاغتراب) يمثل المرحلة التي يعلن فيها الفرد انفصاله أو خلعه من المجتمع والأسرة والبيئة التي يعيش فيها.
البحث عن هوية وانتماء جديد
وأكدت الدار أن الشعور بالاغتراب يخلق لدى الفرد حالة من البحث الدائم عمن يشبهه ويشعره بالانتماء ويجد لديه الهوية المتصورة، وهنا تظهر الحاجة إلى الانضمام إلى جماعة أو تنظيم ولو بشكل افتراضي، كالانتماء إلى تنظيم "داعش" من خلال مبايعة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تبني نهجه دون الانضمام بشكل فعلي، وفي الوقت نفسه ينمو الشعور بالعداء للآخر باعتباره المسئول عن تلك الحالة من الغضب والاغتراب التي وصل إليها الفرد، وبكونه متواطئا مع المشروع المعادي له ويتشكل لدى الفرد ما يسمى التفكير المفترقي.
منوهة بعد الانضمام إلى جماعة أو تنظيم يحقق للفرد الحماية والانتماء ويجيب عن أسئلته الوجودية الخاصة بالمعاش والآخرة والرسالة والهدف، والتي تمثل أيديولوجية الجماعة أو التنظيم المنضم له الفرد، في هذه المرحلة يتولد لدى الفرد الشعور بالتفرد والتميز عن الباقين، ويستند في ذلك إلى بعض النصوص الدينية مثل "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون" وغيرها من النصوص الدينية التي تفسر بشكل يزيد من جرعة العنصرية والتعالي على المجتمع والأسرة.
ولافتة هنا تنضج فكرة المسئولية عن إصلاح (الأسرة- المجتمع- الدولة- الأمة) لدى الفرد باعتباره متفردا عن غيره ممن هم خارج جماعته أو تنظيمه، ويمكن أن يفسر ذلك ظهور بعض الأسر الإرهابية في بعض المناطق في صعيد مصر، والتي تأثرت بفكر ودعاية فرد منها انضم إلى تنظيم متطرف واستطاع إقناع باقي أفراد الأسرة باللحاق به.
تصنيف الشخصيات بالجماعة
ويتوجه الفرد إلى موقعه التنظيمي في الجماعة أو التشكيل حسب مدركاته وطبيعة شخصيته، والتي يمكن تصنيفها إلى التنويعات التالية:
-الشخصيات القيادية في الجماعة: غالبا ما تعاني تلك الشخصية من اضطرابات نفسية، ولدى العديد منهم صفات مثل (البارانويا- التسلط - الشك والتوجس- حب السيطرة).
-الشخصية الحدية: وهي شخصية تشهد تقلبات كثيرة وكبيرة في الافكار والمعتقدات، وغالبيتهم ينضمون إلى جماعات إرهابية بشكل سريع وينقلبون على أفكار تلك الجماعات بشكل أسرع، ودائما ما يميلون إلى التطرف في الفكر فيكونون في أقصى اليمين أو اليسار.
- الشخصية الهستيرية أو الاستعراضية: ويحاول أن يكون في محور اهتمام الاعلام حتى عن طريق التطرف، ويتصدر هؤلاء منابر الجماعات المتطرفة ويتولون تنفيذ برامج الدعاية والتجنيد في وسائل الإعلام ومواقع التواصل ولدى الأقارب والمتعاطفين مع أيديولوجية التنظيم.
- الشخصية المضادة للمجتمع: وهو المتمرد على القيود والمجتمع، ولا يشعر بالندم، ولا يتعلم من أخطائه، ولا يعترف بالسلطة، ويمكن أن ينتمي لمجموعات متطرفة أو حتى لعصابات وتشكيلات عصابية وإجرامية.
- الشخص السلبي الاعتمادي: دائما ما يحتاج الى الاعتماد على غيره في التوجيه والتفكير، وتمثل تلك الشخصية الكتلة الأكبر التي يشكلها القائد أو الزعيم، وعلى الرغم من عدم شجاعته وجرأته، إلا أنه ينفذ الأوامر بقسوة.
والإرهابيون ينتمون نفسيًا لنمط من الشخصيات النفسية يدعى "الشخص الصراعي" الذي يتجه نحو العنف والغلظة، ويميل للحدة في حياته، ويبحث عن آيات القتل والحدود، وتتنوع الخصائص والسمات ما بين مستويات متعددة، ففي قاعدة الهرم هناك "الشخصية السلبية الاعتمادية"، وذلك النموذج يمثل الكتلة التي يشكلها القائد ويوفر لها سبل الحماية حتى تستمر في الاعتماد على القائد، تعلوها "الشخصية الهستيرية" والتي تميل لأن تكون محور الأضواء بما يمارسه من فعل إرهابي يجذب اهتمام الإعلام، وهؤلاء يشعرون بسعادة بالغة أمام أضواء الكاميرات.
بينما تسعى الشخصية "المضادة للمجتمع" للتمرد على القيود والمجتمع ولا تشعر بالندم على ما ترتكبه من جرائم، وتلك الشخصية هي القلب الذي يضخ النشاط والحيوية في جسم التنظيم، ويحتل قمة الهرم المصابين بصفات البارانويا والاستعلاء والتسلط والشك والتوجس والسيطرة، وهم "القادة" المصابون بهوس السلطة والسيطرة.
أنواع التطرف
وقالت الدار أيا كان الشكل الذي يأخذه التطرف إلا أنه يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع توجد منفردة أو مجتمعة:
التطرف المعرفي
وهو أن ينغلق الشخص على فكرة أو أفكار معينة، ولا يقبل المناقشة أو إعادة النظر فيها، ويعتبرها من الثوابت المطلقة، وهو في هذه الحالة لا يلغي وظيفة عقله فقط في تمحيص هذه الفكرة أو الأفكار بل إنه يلغي أي رأي آخر مخالف، ولا يسمح لهذا الرأي بأن يدخل مجال وعيه فضلا عن أن يتفهمه أو يناقشه أو يتقبله، ومثال ذلك الإرهابي الليبي المشارك في عملية الواحات، والمشهور باسم المسماري، إضافة إلى التيار السلفي، الذي يمثل تجسيدًا لهذا النوع من التطرف، ويُفسر لماذا يعد التيار السلفي المغذي الأول للتيارات الإرهابية.
التطرف الوجداني
وهو شعور حماسي طاغ نحو شيء معين، يجعل الشخص مندفعا في اتجاه معين دون تبصر، وربما يدفعه هذا الانفعال إلى تدمير نفسه أو غيره، وربما يندم بعد ذلك حين تخف حدة هذا الانفعال (المؤيد أو الرافض)، ويعود إلى رشده، وفي بعض الأحيان لا يحدث هذا وإنما يظل الشخص يشحن نفسه (أو يشحنه المجتمع) بشحنات وجدانية هائلة تهدد بالانفجار في أية لحظة.
التطرف السلوكي
وهو المغالاة في سلوكيات ظاهرية معينة بما يخرج عن الحدود المقبولة، وكأن هذه السلوكيات هدف في حد ذاتها، ولذلك يكرهها الشخص بشكل نمطي، وهي خالية من المعنى وفاقدة للهدف، ولا يتوقف الأمر عند الشخص ذاته بل يحاول إرغام الآخرين على التقيد بما يفعله هو قهرًا أو قسرًا، وربما يلجأ إلى العدوان على الآخرين لإرغامهم على تنفيذ ما يريد.
جدير بالذكر، أن الشروط النفسية الاجتماعية الأساسية للتحول من مرحلة التطرف الوجداني إلى التطرف السلوكي وبروز العمل العنيف هو الإحساس بالقهر والتهديد لدى أفراد الجماعة من ناحية، وافتقاد السبل السلمية للتحرر من ناحية أخرى، إضافة إلى توافر القيادة المنظمة التي تتولى ترسيخ الإحساس بالقهر والتهديد، وبأنه لا سيبل للخلاص سوى بتوجيه أقصى درجات العنف إلى ذلك "الآخر القاهر".
وفي هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى أن هذا العمل يعد الأجدر بالاهتمام والمتابعة كونه يمثل تطورًا نوعيًا في العمل الفكري والثقافي المعني بالتطرف والإرهاب، إضافة إلى أنه يمثل دعمًا لصناع القرار والسياسات في الداخل والخارج، وجهات التحقيق والمؤسسات المعنية بالتعامل مع المتطرفين والإرهابين ومراكز إعادة تأهيلهم.
خاصة أن برامج إعادة تأهيل المتطرفين قد كشفت عن ثغرات كبيرة أدت إلى نتائج عكسية مغايرة لما هو مستهدف، وقد كشفت عملية استهداف الكنيسة البطرسية عن خطورة إطلاق سراح المتطرفين دون عمليات إعادة الدمج والتأهيل لمنعهم من العودة إلى الممارسات الإرهابية.
كما أن هذا العمل يعد الأول من نوعه في كونه دليلًا يجمع بين المعالجات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية من جانب والدينية من الجانب الآخر، حيث تشرف المؤسسة الإفتائية المصرية على هذا العمل، وتدلي بدلوها في هذا الشأن مستعينة في ذلك بالخبرات العملية والشرعية والإفتائية لديها.
هدف الوحدة
تهدف الوحدة إلى إعداد دليل استرشادي يوضح كيف ينشأ الإرهابي والمراحل العامة التي يمر بها والمسارات التي يقطعها، وصولا إلى تنفيذ العمل الإرهابي وممارسة العنف والعمليات الانتحارية، ودراسة المؤثرات الداخلية والخارجية الدافعة في هذا الاتجاه، والسياقات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية المصاحبة لذلك، إضافة إلى المدركات والمفاهيم المعتقدة والمتداولة في عقلية المتطرف، والتي تؤدي دورها في دفعه نحو التحول إلى إرهابي ينتظر الفرصة ليوقع القتلى والجرحى.
منتج الوحدة
إخراج ورقة مفاهيمية تأصيلية توضح بشكل أساسي نشأة المتطرف وتكوينه الفكري والثقافي والاجتماعي، والمراحل المختلفة التي يمر بها، ويتأثر بها ويؤثر فيها، وصولا إلى تبنيه العمل العنيف والممارسة الإرهابية، وتحديد مؤثرات ومدخلات كل مرحلة من المراحل ومنتوجاتها، وذلك بهدف تحديد سبل مواجهة هذا التحول ووقفه وإعادة تأهيل المقبلين على ممارسة العمل الإرهابي.
والإجابة عن تساؤلات حول: لماذا يقبل الإرهابيون، خاصة من ينتمون إلى فئة الشباب، إلى قتل أنفسهم وتنفيذ العمليات الإرهابية؟، وما طبيعة من يقوم بتلك العمليات؟، وما التكوين النفسي والاجتماعي للانتحاري؟، وكيف يتم غسيل أدمغة من يقوم بتلك العلميات؟، وهل يمكن فهم تلك العقلية الانتحارية ومنعها فكريا من الإقدام على تنفيذ العمل الإرهابي؟، ولماذا يشعر الفرد بالمظلومية من (الدولة- المجتمع- العالم- المختلف عنه دينيًا)؟، وكيف يمكن وقف ومواجهة العمليات الانتحارية ومنعها من حصد أرواح الأبرياء؟.
الجمهور المستهدف
تستهدف الوحدة نوعية من الجمهور، وهي: متخذو القرار من المهتمين بمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، وجهات التحقيق في قضايا التطرف والإرهاب، والمعنيون بشئون الدعوة والقيادات الدينية وأئمة المساجد الإسلامية في الداخل والخارج.
إضافة إلى فئة الشباب باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة واستهدافا من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية، ودوائر البحث داخل العالم الإسلامي وخارجه (tanks Think) والجامعات، والمؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بنشر السلام العالمي، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الحقل الاجتماعي والسياسي والثقافي.
الأدوات والوسائل المستخدمة
تعتمد الوحدة على توظيف أدواتها البحثية والعلمية في إخراج هذا الدليل الشارح لمراحل التحول إلى الممارسة الإرهابية، وفي هذا السياق، تقوم الوحدة بعقد اللقاءات الدورية وورش العمل المتخصصة في دراسة كافة الأطر والخرائط والشبكات ذات الصلة بالإرهاب.
ورش عمل وحلقات نقاش
تعقد الوحدة بصورة منتظمة سلسلة من ورش العمل وحلقات النقاش التي تناقش قضية مكافحة التطرف، ورسم خريطة تحول المتطرف إلى الممارسة الإرهابية، ويمكن التخطيط لأن تعقد مرة كل شهر، ويشارك في هذه الورش عدد من الخبراء الأكاديميين والممارسين المهتمين بالقضية التي تناقشها الورشة.
وينظم النقاش ورقة مفاهيمية (concept note) يتم إعدادها من أجل تحديد المحاور الرئيسية للنقاش، ويصدر عن الورشة تقرير سياسات policy report، يحوي أهم التوصيات التي تم تطويرها في المناقشات.
اللقاءات
تنظم الوحدة لقاء شهريا مع أحد الشخصيات صاحبة الخبرة العلمية والأكاديمية في مجال مكافحة التطرف من الإقليم والعالم، وعمل تغطية مكثفة لهذا اللقاء، وما نتج عنه من توصيات وخلاصات.
لجنة الخبراء
تضم اللجنة مجموعة من المتخصصين والخبراء في فهم وتحليل الجوانب المختلفة في عقلية ونفسية الإرهابي، والسياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها العنصر المتطرف، حيث تضم اللجنة خبراء ومتخصصين في المجالات النفسية والاجتماعية والشرعية والسياسية والاقتصادية.
وتشمل هذه اللجنة الأسماء التالية: الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي والمخ والاعصاب جامعة عين شمس، والدكتور ناجح إبراهيم، أحد أقطاب المراجعات الفكرية في التسعينيات، العميد خالد عكاشة الخبير الأمني ومدير المركز الوطني للدراسات الأمنية، الدكتورة إيمان رجب، باحثة ومتخصصة في شئون الأمن المجتمعي وتحليل الصراعات، والدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء، الدكتور كمال حبيب الخبير في شئون الحركات الإسلامية، حسن محمد باحث سياسي ومتخصص في شئون الحركات الإسلامية، والاستاذ بسام عباس المترجم والباحث في شئون التطرف والإرهاب.
العقل المتطرف
فهم عقلية المتطرف والمراحل التي يمر بها وسمات كل مرحلة وخصائصها، والأفكار التي يتأثر بها ويتبنى بعضها، تتطلب تشريحا لتلك العقلية وشبكة القيم والأفكار والمدركات التي يؤمن بها هذا العقل وتنعكس على مواقفه وسلوكياته، ومن ثم كان هدف مشروع تشريح العقل المتطرف الذي بدأ في دار الإفتاء المصرية وكانت هذه أحد مخرجاته.
طبيعة التطرف وحدود التعامل معه
قالت الإفتاء، ينبغي الإشارة إلى أن التطرف في حد ذاته لا يعد جريمة، ولكن تحوله إلى العنف أو التحريض عليه فهو الجريمة بعينها، وتوسيع دائرة التجريم لتشمل التطرف تؤدي إلى اتساع دائرة العداء والمساهمة في تحويل المتطرف إلى إرهابي.
التطرف.. المراحل والمدركات
وأوضحت الإفتاء، دائما ما يبدأ التطرف بشعور الفرد العادي بنوع من الظلم المتكرر، سواء أكان ظلما حقيقيا أو متوهما، وعدم التعامل مع هذه الشعور يخلق لدى الفرد حالة من الغضب التي ما تلبس أن تتحول إلى شعور بالإحباط.
وتابعت: وإلى هذا الحد قد يتوقف الكثير من الأفراد ويستمرون في مزاولة حياتهم الطبيعية متعايشين مع حالة الغضب أو الإحباط التي تنتابهم، وقد تزيد وتنقص بناء على مؤثرات كثيرة، بعضها خارج عن إرادة الإنسان كالحالة الاقتصادية والمناخ العام والاستقرار الاسري والعملي، وبعضها قد يرتبط بعوامل نفسية وشخصية للفرد نفسه، إلا أن تحولها إلى ما يسمى (الاغتراب) يمثل المرحلة التي يعلن فيها الفرد انفصاله أو خلعه من المجتمع والأسرة والبيئة التي يعيش فيها.
البحث عن هوية وانتماء جديد
وأكدت الدار أن الشعور بالاغتراب يخلق لدى الفرد حالة من البحث الدائم عمن يشبهه ويشعره بالانتماء ويجد لديه الهوية المتصورة، وهنا تظهر الحاجة إلى الانضمام إلى جماعة أو تنظيم ولو بشكل افتراضي، كالانتماء إلى تنظيم "داعش" من خلال مبايعة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تبني نهجه دون الانضمام بشكل فعلي، وفي الوقت نفسه ينمو الشعور بالعداء للآخر باعتباره المسئول عن تلك الحالة من الغضب والاغتراب التي وصل إليها الفرد، وبكونه متواطئا مع المشروع المعادي له ويتشكل لدى الفرد ما يسمى التفكير المفترقي.
منوهة بعد الانضمام إلى جماعة أو تنظيم يحقق للفرد الحماية والانتماء ويجيب عن أسئلته الوجودية الخاصة بالمعاش والآخرة والرسالة والهدف، والتي تمثل أيديولوجية الجماعة أو التنظيم المنضم له الفرد، في هذه المرحلة يتولد لدى الفرد الشعور بالتفرد والتميز عن الباقين، ويستند في ذلك إلى بعض النصوص الدينية مثل "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون" وغيرها من النصوص الدينية التي تفسر بشكل يزيد من جرعة العنصرية والتعالي على المجتمع والأسرة.
ولافتة هنا تنضج فكرة المسئولية عن إصلاح (الأسرة- المجتمع- الدولة- الأمة) لدى الفرد باعتباره متفردا عن غيره ممن هم خارج جماعته أو تنظيمه، ويمكن أن يفسر ذلك ظهور بعض الأسر الإرهابية في بعض المناطق في صعيد مصر، والتي تأثرت بفكر ودعاية فرد منها انضم إلى تنظيم متطرف واستطاع إقناع باقي أفراد الأسرة باللحاق به.
تصنيف الشخصيات بالجماعة
ويتوجه الفرد إلى موقعه التنظيمي في الجماعة أو التشكيل حسب مدركاته وطبيعة شخصيته، والتي يمكن تصنيفها إلى التنويعات التالية:
-الشخصيات القيادية في الجماعة: غالبا ما تعاني تلك الشخصية من اضطرابات نفسية، ولدى العديد منهم صفات مثل (البارانويا- التسلط - الشك والتوجس- حب السيطرة).
-الشخصية الحدية: وهي شخصية تشهد تقلبات كثيرة وكبيرة في الافكار والمعتقدات، وغالبيتهم ينضمون إلى جماعات إرهابية بشكل سريع وينقلبون على أفكار تلك الجماعات بشكل أسرع، ودائما ما يميلون إلى التطرف في الفكر فيكونون في أقصى اليمين أو اليسار.
- الشخصية الهستيرية أو الاستعراضية: ويحاول أن يكون في محور اهتمام الاعلام حتى عن طريق التطرف، ويتصدر هؤلاء منابر الجماعات المتطرفة ويتولون تنفيذ برامج الدعاية والتجنيد في وسائل الإعلام ومواقع التواصل ولدى الأقارب والمتعاطفين مع أيديولوجية التنظيم.
- الشخصية المضادة للمجتمع: وهو المتمرد على القيود والمجتمع، ولا يشعر بالندم، ولا يتعلم من أخطائه، ولا يعترف بالسلطة، ويمكن أن ينتمي لمجموعات متطرفة أو حتى لعصابات وتشكيلات عصابية وإجرامية.
- الشخص السلبي الاعتمادي: دائما ما يحتاج الى الاعتماد على غيره في التوجيه والتفكير، وتمثل تلك الشخصية الكتلة الأكبر التي يشكلها القائد أو الزعيم، وعلى الرغم من عدم شجاعته وجرأته، إلا أنه ينفذ الأوامر بقسوة.
والإرهابيون ينتمون نفسيًا لنمط من الشخصيات النفسية يدعى "الشخص الصراعي" الذي يتجه نحو العنف والغلظة، ويميل للحدة في حياته، ويبحث عن آيات القتل والحدود، وتتنوع الخصائص والسمات ما بين مستويات متعددة، ففي قاعدة الهرم هناك "الشخصية السلبية الاعتمادية"، وذلك النموذج يمثل الكتلة التي يشكلها القائد ويوفر لها سبل الحماية حتى تستمر في الاعتماد على القائد، تعلوها "الشخصية الهستيرية" والتي تميل لأن تكون محور الأضواء بما يمارسه من فعل إرهابي يجذب اهتمام الإعلام، وهؤلاء يشعرون بسعادة بالغة أمام أضواء الكاميرات.
بينما تسعى الشخصية "المضادة للمجتمع" للتمرد على القيود والمجتمع ولا تشعر بالندم على ما ترتكبه من جرائم، وتلك الشخصية هي القلب الذي يضخ النشاط والحيوية في جسم التنظيم، ويحتل قمة الهرم المصابين بصفات البارانويا والاستعلاء والتسلط والشك والتوجس والسيطرة، وهم "القادة" المصابون بهوس السلطة والسيطرة.
أنواع التطرف
وقالت الدار أيا كان الشكل الذي يأخذه التطرف إلا أنه يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع توجد منفردة أو مجتمعة:
التطرف المعرفي
وهو أن ينغلق الشخص على فكرة أو أفكار معينة، ولا يقبل المناقشة أو إعادة النظر فيها، ويعتبرها من الثوابت المطلقة، وهو في هذه الحالة لا يلغي وظيفة عقله فقط في تمحيص هذه الفكرة أو الأفكار بل إنه يلغي أي رأي آخر مخالف، ولا يسمح لهذا الرأي بأن يدخل مجال وعيه فضلا عن أن يتفهمه أو يناقشه أو يتقبله، ومثال ذلك الإرهابي الليبي المشارك في عملية الواحات، والمشهور باسم المسماري، إضافة إلى التيار السلفي، الذي يمثل تجسيدًا لهذا النوع من التطرف، ويُفسر لماذا يعد التيار السلفي المغذي الأول للتيارات الإرهابية.
التطرف الوجداني
وهو شعور حماسي طاغ نحو شيء معين، يجعل الشخص مندفعا في اتجاه معين دون تبصر، وربما يدفعه هذا الانفعال إلى تدمير نفسه أو غيره، وربما يندم بعد ذلك حين تخف حدة هذا الانفعال (المؤيد أو الرافض)، ويعود إلى رشده، وفي بعض الأحيان لا يحدث هذا وإنما يظل الشخص يشحن نفسه (أو يشحنه المجتمع) بشحنات وجدانية هائلة تهدد بالانفجار في أية لحظة.
التطرف السلوكي
وهو المغالاة في سلوكيات ظاهرية معينة بما يخرج عن الحدود المقبولة، وكأن هذه السلوكيات هدف في حد ذاتها، ولذلك يكرهها الشخص بشكل نمطي، وهي خالية من المعنى وفاقدة للهدف، ولا يتوقف الأمر عند الشخص ذاته بل يحاول إرغام الآخرين على التقيد بما يفعله هو قهرًا أو قسرًا، وربما يلجأ إلى العدوان على الآخرين لإرغامهم على تنفيذ ما يريد.
جدير بالذكر، أن الشروط النفسية الاجتماعية الأساسية للتحول من مرحلة التطرف الوجداني إلى التطرف السلوكي وبروز العمل العنيف هو الإحساس بالقهر والتهديد لدى أفراد الجماعة من ناحية، وافتقاد السبل السلمية للتحرر من ناحية أخرى، إضافة إلى توافر القيادة المنظمة التي تتولى ترسيخ الإحساس بالقهر والتهديد، وبأنه لا سيبل للخلاص سوى بتوجيه أقصى درجات العنف إلى ذلك "الآخر القاهر".