اللواء المصري: ضعف الدولة الوطنية والمرجعيات الدينية سبب انتشار التكفير أحمد رفيق عوض: داخل المجتمع الإسرائيلي من يكفر المجتمع ويستبيح دماءه هاني نسيرة: التكفير متغلغل في المجتمع العربي ولا يقتصر على الدين أبوهشيمة: هناك من يدعم الأفكار دون حمل السلاح وهذا أخطر أنواع الفكر التكفيري
هاني الضوّه: حوارات مع الشباب تدعمها منصة لقادة العمل الإسلامي والمسيحي
يقاسي العالم أجمع ويلات الجرائم المتطرفة التكفيرية بحق الأبرياء، والتي ازدادت وتيرتها في المنطقة العربية في أعقاب ثورات الربيع، وما خلفه من فراغ شغلته قوى ظلامية تتستر باسم الدين لإشاعة الكراهية والدماء.. وللأسف فإن تلك الجماعات تجد حاضنة من شرائح بسيطة من الشباب تروج لفكرها وعملياتها الهدامة.
لكن هل تصورنا أن يصل الأمر لتنسيق متكامل بين إسرائيل والتنظيمات التكفيرية؟! وما علاقة أجهزة الاستخبارات بالإرهاب؟ وكيف تكون نفسية المُكفّر؟ ولماذا يندرج شباب أوروبي لا يعانون صعوبة العيش بتنظيمات مثل داعش؟ وهل ثمة أمل لانزياح هذا الكابوس الدموي ؟
كانت تلك التساؤلات، محور ندوة شهدها معرض القاهرة الدولي للكتاب، أمس، ضمن نشاط "كاتب وكتاب"؛ لمناقشة "الظاهرة التكفيرية وماذا بعد؟!"، الصادر عن مكتب المعارف العربي، بحضور مؤلفيه الفلسطينيين د.أحمد رفيق عوض، السياسي والأديب البارز ومن مؤسسي الإذاعة الفلسطينية، والخبير الاستراتيجي اللواء محمد المصري رئيس المركز الفلسطيني للدراسات.
وشارك على المنصة بمناقشة الكتاب كل من د. هاني نسيرة، المفكر البارز والمتخصص بشئون الإسلام السياسي، والباحثين: هاني الضوه نائب المستشار الإعلامي لفضيلة المفتي، وطارق أبوهشيمة رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية ومدير المؤشر العالمي للفتوى، فيما أدار اللقاء عمرو عبدالمنعم، الصحفي والباحث المتخصص بتاريخ الفكر الإسلامي.
وقال "عبدالمنعم": يغفل المتطرفون كيف تعامل رسول الله مع البشر وفق أعمالهم، ولم يجعل حربه إلا لمن حارب دين الله، فكان عمُه أبوطالب مشركا، ورغم ذلك لعب دورا بمساندة دعوة الإسلام، وفي ذلك فهو يختلف عن عم النبي أبولهب الذي أضمر العداء والإيذاء للمؤمنين، وكذلك لم يتساوَ عقبة بن أبي معيط الذي كان يضع الجذور في طريق الرسول لإيذائه، مع مطعم بن عدي الذي أدخله في جواره وأمنه من قريش، رغم كون كلاهما مشركا، ومن مزق كتاب الرسول لم يكن كمن أرسل له الهدايا.
من يغذي التكفير؟
يؤكد اللواء المصري أن المجتمع
الفلسطيني تخللته هشاشة من عهده الطويل بالاحتلال، وكان ينظر لظهيره العربي
باعتباره إحدى نقاط قوته، وكانت مصر إحدى تلك الركائز، والبعض تحدث عن التمسك بالشعوب لا الكيانات الدولية، خاصة تلك التي تحافظ على تماسكها الداخلي.
ولكن مع اندلاع ثورات
الربيع العربي عام 2011، تغيرت مجريات الأمور، وتراجعت الثقة بين الجمهور
ونخبة السياسة، وفقدت الثقة في الدولة الوطنية، وهو ما أثر في مراكز القوى في المنطقة.
ويمكن إيجاز عوامل ظهور قوى التطرف في الآونة الأخيرة في
ضعف الدولة الوطنية، بجانب ضعف المرجعيات الدينية، وهي التي كان رجل الشارع
يلجأ إليها، وكانت تسد فراغا كبيرا استغله المتطرفون لاحقا.
وكان من
عوامل تغذية التكفير فقدان الزعامة الوطنية العروبية، واجتياح رياح التغيير
والحرية للمنطقة، وهو ما أُسيء استغلاله من جانب التنظيمات العنيفة، والتي
تعاونت أيضا مع أذرع استخباراتية غربية وعربية مغرضة.
وقال "المصري" إن
التكفير ظاهرة عرفتها الأزمنة التاريخية من قبل، ولكن الجديد أنها الآن قد
صنعت منطقة جغرافية تحكم منها، ودولة ترفع علمها باسم الخلافة الإسلامية،
وتنتهك بطريقة سافرة فكرة الحدود الوطنية.
ويشير "المصري" إلى أن
الظاهرة التكفيرية لن تنتهي بانتهاء دولة الخلافة المزعومة، لأن هناك حواضن
تغذيها وتعتبر هي السلاح الاخطر في يد تلك التنظيمات، وتبدأ بالداعمين، وتنتهي بالمتعاطفين مع الفكر العنيف بوسائل مختلفة وجديدة.
الدور الصهيوني
يشير
د. أحمد رفيق عوض، مؤلف الكتاب، إلى حقيقة أن الفكر التكفيري لم يؤت ثماره
على مدار التاريخ منذ ظهور حركة الخوارج بعد سنوات من وفاة الرسول، وحتى الآن، وقد ارتبط ظهور الجماعات الإسلامية دوما برخاوة الدولة.
والفكر
التكفيري ليس عطبًا ثقافيًا ودينيًا وليس تدميرا للمنجز الحضاري والثقافي
العربي والإسلامي فحسب، ولكنه تهديد لنسيج المجتمع الإنساني، بنفي الآخر
واستباحة دمائه، وللأسف يبدو أن مثقفينا يروجون اليوم للقضية الفلسطينية
باعتبارها عبئا على الأمة، وبعضهم يدفع بعبارات السلام
لتمرير رغبته في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وينسى مثقفونا كثيرا أن
إسرائيل هي رأس التطرف الذي هو عدو المشروع العربي، بل وثبت أنها صاحبة دور
قوي في دعم التنظيمات العنيفة الإسلامية!
وعن هذا يؤكد "عوض" أن داخل
المجتمع الإسرائيلي من يكفر المجتمع ويستبيح دماءه، مثل طائفة يطلق عليهم
الحريديم، هي طائفة يهودية متطرفة، وسيكون ذلك محور كتاب قريبا يصدره لكشف
حقيقة مجتمع إسرائيل الذي يتشدق بالديمقراطية، يحمل أكبر درجة من
التعصب.
وقال الكاتب: سيبقى التكفير ما بقي الغلو، والمواجهة لن تكون
أمنية فقط، ولكن تحتاج إلى دول كبيرة قادرة على مواجهة التحدي، وذات مشروعات
كاملة فكرية وأمنية واقتصادية لشعوبها.
أشكال التكفير في مجتمعاتنا
يشير
د. هاني نسيرة إلى أن التكفير متغلغل في المجتمع العربي، ولا يقتصر على التكفير الديني فقط، فلدينا التكفير السياسي والثقافي، ويعني نفي الآخر
المختلف فكريا، وللأسف فإن التيار السلفي نصب اهتمامه على محاربة التيارات
المعتزلة و"الفسق والبدع" ونسي أعداء الأمة الحقيقيين، وأهمهم إسرائيل.
وقال
"نسيرة" إن التكفير أعاق الدولة الوطنية وأحلام التغيير، فلولا تدخل جبهة
النصرة على خط الثورة السورية، لربما كُتب النجاح لثورة هذا الشعب، وينطبق
الأمر نفسه على "أنصار الإسلام" في غزة، وما فعلوه حينما اختلفوا مع حماس
فأحرقوا المصاحف وأراقوا الدماء، ويقوم تنظيم الدولة "داعش" بأشد درجات
التكفير والاستباحة حتى وصلوا لتكفير أقرب التيارات لنهجهم أو "تنظيم
القاعدة" وصاحبه الراحل بن لادن، وصدّرت لنا هذه التنظيمات مقولة "من لم
يكفر الكافر فهو كافر".
وانتقد "نسيرة" قصر الكتاب للمسئولية على
الدولة الوطنية، في حين أن الجماعات الإسلامية لعبت دورا كبيرا في احتكار
دور الدولة وتحويل الدين إلى هوية لتصنيف البشر، كما انتقد النظر لبعض
الجماعات، كطالبان والتبليغ والدعوة، دون الوعي باختلاف السياقات، فطالبان مثلا قطرية وليست عالمية، وكذلك جماعة التبليغ ليست تكفيرية كما ذكر الكتاب.
وقد خرجت التنظيمات المتطرفة من عباءة فشل الدولة الوطنية العربية، ونكوصها عن وعودها للشعوب بالتحرر والوحدة والنهوض.
ثلاثية التكفير
يشير
الباحث أبوهشيمة إلى أن الدولة الوطنية لا تتحمل وحدها مسئولية ظهور
تنظيمات العنف، وهذا ما يفسر لنا انضمام شاب من أوروبا إلى تنظيم داعش رغم
غياب المعاناة والبطالة، وكثير من مشكلات العالم العربي.
لهذا يؤكد "أبوهشيمة" أن التكفير ينطلق من ثلاث محطات، تبدأ بالتفكير وتمر بالتكفير وصولًا إلى التفجير.
وهناك
من يدعم الأفكار دون حمل السلاح، وهناك من يتعاطف مع الفكر التكفيري، وهي
بالفعل أشد خطرا لأنها تقدم الإمداد، والعلاج الفكري دوما هو الأجدى
لمواجهة هذه الفئات الميالة للعنف.
إحصائيات الفتوى
وكشف طارق أبوهشيمة عن نتائج دراسة جديدة بمرصد الفتاوي، تضمنت 700 ألف فتوى صادرة في عام
2018، مقسمة إلى نطاقات عالمية وعربية وخليجية.
وأكدت الدراسة أن 87% من
تلك الفتاوى معتدلة، بينما كانت13% من محتواها مضطربة في استنباط الأحكام
من القرآن والسنة، ما يصل أحيانا إلى الشطط والغلو، وللأسف فهناك من يترصد
تلك الفتاوى ويصورها كتعبير عن العالم الإسلامي، فتزداد حدة
"الإسلاموفوبيا" أو الخوف من الإسلام في أوروبا.
وكانت الفتاوى الصادرة عن جهات معتمدة تعزز الهوية الوطنية، بخلاف فتاوى الجماعات الإسلامية المتشددة.
مبادرة جديدة
وكشف هاني الضوه عن أن دار الإفتاء شاركت، العام الماضي، في إطلاق منصة
للحوار والتعاون بين المؤسسات والقياداتالدينية
المتنوعة في العالم العربي، الإسلامية والمسيحية، وهي مبادرات تطرح أنشطة وجهود يتم
تطبيقها على أرض الواقع؛ لدعم قيم المواطنة وقبول الآخر والتعددية، ونبذ الطائفية والعنصرية، لكي تكون حائط صد منيعا أمام انتشار الظاهرة التكفيرية.
وأكد أن الدار كان لها عدة جهود
متنوعة في مواجهة ظاهرة التكفير والتطرف، على عدة مستويات، منها غزو الفضاء الإلكتروني
الذي يعد الأكثر جذبا للشباب، وبلغ عدد متابعي صفحتها الرسمية على "فيسبوك" أكثر من 7 ملايين ونصف المليون، وكذلك أطلقت مؤخرا وحدة الرسوم المتحركة، التي تقدم محتوى لتصحيح المفاهيم
ومواجهة التطرف عبر مقاطع موشن جرافيك، وأيضا استطاعت الدار أن تجمع في كيان عالمي
أكثر من 30 مؤسسة وهيئة افتائية تحت مسمى "الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء
في العالم"، من أجل التعاون وتوحيد الجهود في القضايا الافتائية المختلفة التي
تهم الأمة، وتعمل على ضبط الفتوى في العالم لمواجهة الفتاوى التكفيرية والمتطرفة والشاذة.
واتفق الباحث على أن الدولة لا
يمكن تحميلها مسئولية تفشي الإرهاب، وأن نشر الوعي مسئولية النخب وقادة
العمل الديني الدعوي، فالمواجهة تستلزم جهدا جماعيا كي يكتب لها النجاح.