«صورة مقلوبة».. قصة مسيحي بلغ مرتبة الاجتهاد وأقباط درسوا في الأزهر (3)
كثيرا ما تقدم جماعات العنف والإرهاب مقولة أن حرب "أهل الذمة" واجبة وأنه يجب التضييق عليهم في أماكنهم وأرزاقهم، وذهب الإرهابيون في سوريا والعراق في الأعوام القليلة الماضية بفرض قوانين غريبة على السكان المسيحيين الذين يعيشون في مناطق سيطرتهم، وأطلقوا عليهم لقب "أهل الذمة".
هذا التصرف قابله استهجان من المسلمين في العالم، وخصوصًا في الوطن العربي، إذ نعتبر المسيحيون جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الكبير.
هذه الصورة التي يحاول أهل الشر من المتطرفين والإرهابين تصديرها للعالم ليموج في صراعات عقائدية وفكرية، ويستقدمون قصص وخيالات مريضة عن معاملة غير المسلمين في السابق لشركاء الوطن الواحد، ونسى هؤلاء أن الحضارة الإسلامية قدمت نماذج من المسيحيين بلغو مراتب الاجتهاد فيما بعد، بل ونسى هؤلاء أن هناك مسيحيين درسوا الإسلام ومقولاته في الأزهر الشريف، بل أن هناك عائلات بكاملها درست الدين وتعمقت فيه من خلال الأزهر ومؤسساته التعليمية الجامعية.
هذه الصورة التي يحاول أهل الشر من المتطرفين والإرهابين تصديرها للعالم ليموج في صراعات عقائدية وفكرية، ويستقدمون قصص وخيالات مريضة عن معاملة غير المسلمين في السابق لشركاء الوطن الواحد، ونسى هؤلاء أن الحضارة الإسلامية قدمت نماذج من المسيحيين بلغو مراتب الاجتهاد فيما بعد، بل ونسى هؤلاء أن هناك مسيحيين درسوا الإسلام ومقولاته في الأزهر الشريف، بل أن هناك عائلات بكاملها درست الدين وتعمقت فيه من خلال الأزهر ومؤسساته التعليمية الجامعية.
"الكرخي" نموذجا
ومن بين هذه النماذج، قصة ذلك المسيحي الذي بلغ مرتبة الاجتهاد في قصص السابقين والتي لا يعلمها أهل التطرف والغلو في الدين، أنه معروف الكرخي نسبة إلى كرخ بغداد التي ولد ونشأ فيها مسيحيًا، قبل أن يتحول إلى الإسلام ويدرس علومه منذ شبابه، وكاد بسبب معلمه الذي كان يفرط في تأديبه وتعليمه وضربه ضربًا شديدا أن يفقد عقله، فهرب منه، وانقطعت أخباره لفترة، ترك في قلبَي والديه حزنًا دفينًا.
وكان الأبوان يقولان: "ليته يرجع إلينا، فلما رجع ذات يوم ودق الباب، قيل: من؟ قال: معروف، فوجدوه مجتهدا في طلب العلم ؟ فتبعوه وناضلوا من أجل حريته".
صاحب الكرخي الإمام على بن موسى الرضا، وظل قائمًا على بابه، فبات بذلك قريبًا من الشيعة، ثم تحوّل إلى باب الإمام أحمد بن حنبل، فصار قريبًا منه بعد ذلك.
صاحب الكرخي الإمام على بن موسى الرضا، وظل قائمًا على بابه، فبات بذلك قريبًا من الشيعة، ثم تحوّل إلى باب الإمام أحمد بن حنبل، فصار قريبًا منه بعد ذلك.
رحلة علمية
اعتبره الشيخ عبد المتعال الصعيد في كتابه "المجددون في الإسلام" من المجددين في علوم الإسلام في القرن الثاني الهجري ووضعه على رأس المائة، فقد كانت مبادئ العلم والدين متوفرة في هذا القرن وأدوات الاجتهاد وبيئته مفتوحة في كل المجالات فسمح لغير المسلمين أن يعيشوا فى ركب حضارة واسعة ومترامية الأطراف في سماحة وتعايش نادرين.
يقول الدكتور منصور مندور من علماء الأزهر الشريف، "كانت أقوال واجتهادات معروف الكرخي من الأسباب التي جعلت الناس يحبونه يقبلون عليه، بل جعلت كبار العلماء قديمًا وحديثًا يعتبرونه واحدًا من مجددي القرن الثاني الهجري، ومن هذه الأقوال: “إن محبة الله شيء لا يكتسب بالتعليم، وإنما هي هبة من الله وفضل”.. وكان يطالب الأولياء والعلماء بثلاثة أمور أن يكون فكرهم في الله، وأن يقوموا بالله، وأن يكون عملهم لله "، كذلك قوله “إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرًا أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل”.
وأشار مندور إلى استحداث الكرخي أساليب عديدة تدعو للإيمان ومنها العمل والعلم، حيث كان تدينه زهدًا وورعًا وعلمًا وعملًا، وليس فلسفة ونظر، وبهذا المنهج سلك مسلكًا جديدًا في التدين وعرفه بأنه “الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق”.
ويقول الكاتب والباحث سامح كريم، عن الكرخي، "إنه سلك في فن التصوف مسلكا مختلفا وكل من يقترب من أقواله يدرك أنه ترك أقوال الآخرين واتجه بمقولاته نحو غاية في النجاة بالنفس من عذاب الآخرة، وذلك من خلال تصوفه، فقد كان وسيلة للمعرفة بمعني الوصول للذات العلية من خلال أسس التصوف النقي".
ومن هذا المنطلق رفض التحول إلى التواكل وحرص على مداومة العبادة ولزوم الفقر ومحبة الفقراء، ولزمهم لزومًا منقطع النظير حتى بلغ من أمره، أنه قال في مرضه قبل الموت: “إذا مت فتصدقوا بقميصي لأني أريد أن أخرج من الدنيا عريانًا كما دخلتها عريانًا”.
وجاء في كتاب “صلاة الصالحين وقصص العابدين” لأحمد مصطفى الطهطاوي، أن معروف الكرخي أقام الصلاة، ثم قال لمحمد بن توبة أحد أفاضل أصحابه تقدم فصل بنا، وذلك أن معروف كان لا يؤم إنما يؤذن ويقيم ويقدم غيره للإمامة. فقال محمد بن توبة: "إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم صلاة أخرى، فقال معروف وأنت تحدث نفسك أن تعيش حتى تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل فإن طول الأمل يمنع خير العمل".
الأقباط والأزهر
حول علاقة الأقباط بالمسلمين في الأزهر، يقول الشيخ أحمد ربيع الأزهري صاحب كتاب من المواقف الخالدة لعلماء الأزهر: "إن هناك العديد من الأقباط الذين درسوا في الأزهر الشريف وقدموا نماذج صالحة لمجتمعاتهم منهم الصحفي القبطي جندي إبراهيم شحاتة (1864ـ 1928) صاحب جريدة الوطن والذي تلقي دروسه فى أحد الكتاتيب الإسلامية في مدينة جرجا بصعيد مصر، كما درس في الأزهر تحت اسم إبراهم الجندي فتلقى علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية".
وكذلك القبطي تادرس بن وهبة الطهطاوي المصري (1860ـ 1934م)والذي التحق بالأزهر وحفظ القرآن الكريم ودرس علوم الفقه والحديث بل وكتب مؤلفات مثل "الخلاصة الذهبية في اللغة العربية"، رسالة أخرى وهي "عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق".
بل وهناك عائلات مسيحية بالكامل درست في الأزهر منها عائلة "أبناء العسال"، وهي أسرة قبطية لها اهتمامات بالثقافة واللغة وتلقي أبناؤها تعاليم الإسلام واللغة العربية فانعكست تلك الثقافة المصرية على كتابتهم فيما بعد.
وكذلك القبطي تادرس بن وهبة الطهطاوي المصري (1860ـ 1934م)والذي التحق بالأزهر وحفظ القرآن الكريم ودرس علوم الفقه والحديث بل وكتب مؤلفات مثل "الخلاصة الذهبية في اللغة العربية"، رسالة أخرى وهي "عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق".
بل وهناك عائلات مسيحية بالكامل درست في الأزهر منها عائلة "أبناء العسال"، وهي أسرة قبطية لها اهتمامات بالثقافة واللغة وتلقي أبناؤها تعاليم الإسلام واللغة العربية فانعكست تلك الثقافة المصرية على كتابتهم فيما بعد.