«أمان» يكشف: طرق صوفية تشترى مريدين بالأموال
كثيرة هى تفاصيل عالم الصوفية فى مصر، ومثيرة أيضًا، وفى أحيانٍ تبدو مرفوضة، فلا يعتقد أحد بالطبع أن هناك عمليات «شراء للمريدين» داخل الطرق الصوفية، التى من المفترض أن تقوم على حالة روحية خالصة، يكون الإقناع أولى مراحلها وصولا للحظات التجلى الكبرى.
لكن هذا لم يعد شرطًا فيما يبدو، فالتنافس وحب الظهور وربما حسن النية دفع بعض هذه الطرق الصوفية الثرية، لاستغلال وجود الطلاب الأجانب داخل جامعة الأزهر، لكى تقنعهم بالانضمام لها، مقابل الإنفاق عليهم، خلال فترة دراستهم فى مصر.
«أمان» يبحث داخل «مملكة أهل المدد»، عن أسرار عمليات الشراء هذه، التى أحدثت جدلًا بين مؤيد ومعارض، وبين خدمة الإسلام وتشويه الصوفية.
«الدسوقية والبرهانية والدندراوية» أبرز المتورطين.. والهدف التباهى بالأعداد
من أقاصى آسيا وأدغال إفريقيا جاءوا ليتعلموا فى الأزهر الشريف، المؤسسة الإسلامية الأكبر على مستوى العالم، حلم دائم لطلاب هذه الدول يبدو براقًا ولامعًا، لكن التحدى يكمن فى تفاصيل المعيشة فى مصر، إذ قد يواجهون صعوبات فى الحياة فيضطرون إلى التكيف مع الظروف لضمان البقاء هنا، والإنفاق على أنفسهم.
هنا يظهر لهم أمل «الطرق الصوفية»، ليس فقط كواحة روحية صافية لأنفسهم، لكن كمصدر دخل أو معيشة، فيما يشبه عملية النفع المتبادل، فينضم هؤلاء الطلاب الذين جاء أبرزهم من الهند وإندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والصين، إلى طرق صوفية مقابل التكفل بنفقات حياتهم، خصوصًا المأكل والمسكن، وفى المقابل يزيدون من عدد أتباع ومريدى هذه الطرق.
الدكتور سيد مندور، القيادى فى الطريقة «السمانية» الصوفية، حذر من أن ضم بعض الطرق الصوفية أتباعًا لها من طلاب جامعة الأزهر، مقابل الإنفاق عليهم خلال فترة دراستهم فى مصر، يسىء لصورة الصوفية والتصوف.
وأضاف «مندور»: «هذا الأمر زاد عن حده بصورة كبيرة خلال الآونة الكبيرة»، مشددًا على أنه كان يجب على المجلس الأعلى للطرق الصوفية التصدى لهذه الظاهرة، لأن المنهج الصوفى والأعراف الصوفية تمنعان ذلك.
وأوضح: «هذا ليس فى مصلحة الصوفية أو التصوف، لأن هؤلاء الطلاب الذين يتم ضمهم لبعض الطرق بعد الانتهاء من فترة دراستهم الجامعية، يعودون إلى بلدانهم ودولهم، وتنقطع علاقتهم بهذه الطرق، ما يعنى أن العلاقة كانت علاقة مصلحة ليس أكثر من ذلك».
وأكد ضرورة تربية أجيال صوفية «تعلم حقيقة المنهج الصوفى الذى تتبعه، وحتى يكون هؤلاء المريدون الذين يتم ضمهم لأهل المدد قادرين على نشر التصوف الحقيقى، فى دولهم، وحتى لا تكون هناك أخطاء وسلبيات تشوه صورة التصوف السنى الذى يجب أن يدخل إلى القلوب عن اقتناع وليس من أجل المال».
وتابع: «هؤلاء الطلاب الأزهريون الذين ينضمون لهذه الطرق، لايعرفون شيئًا عن المنهج الصوفى من الأساس، أو منهج الطريقة التى ينضمون إليها، خصوصًا أنه حتى يصبح المريد مريدًا، يجب أن يحصل على الوصايا الصوفية السبع».
وحسب «مندور»، فإن أبرز الطرق التى تمتلك مريدين أجانب من طلاب جامعة الأزهر، هى «الدسوقية» و«الدندراوية» و«البرهانية»، مشيرًا إلى أن هذا الأمر أغضب الشارع الصوفى خلال الفترة الأخيرة، وارتفع الصوت المعتدل داخل البيت الصوفى، لكى يقول كلمة الحق لمنع هذه الطرق من ممارسة هذه الأعمال الخاطئة التى تضر التصوف، أكثر مما تنفعه.
وكشف عن أن بعض الطرق الصوفية لديها رجال أعمال أثرياء جدًا، سخروا أموالهم فى عمليات شراء المريدين، مضيفًا: «الصوفية ليس بكثرة عددها، بل الصوفية بالزهد فى الدنيا وترك شهواتها، والتضرع إلى الله عز وجل والتمسك بتعاليم السادة الأقطاب القدامى الذين تركوا الدنيا وملذاتها، وكانوا يسهرون الليالى يتعبدون الله فى زواياهم وساحاتهم».
وعدّد أحمد الشريف، القيادى الصوفى، المراحل التى يجب أن يمر بها أى مريد صوفى فى الطرق المختلفة، حتى يصبح مريدًا حقيقيًا، وأهمها الالتزام بالوصايا السبع.
وشرح أنه على أى مريد التذلل لله والتضرع إليه، وترديد لفظ الجلالة و«لا إله إلا الله» و«لاحول ولا قوة إلابالله» و«سبحان الله»، و«الله اكبر» وكلمة «هو» وسورة «قل هو الله أحد»، ١٠٠ ألف مرة لكل واحدة.
وأكمل القيادى الصوفى: «بعد ذلك ينتقل الإنسان من درجة الإسلام إلى التصوف، وهذا الأمر يتطلب سنة أو اثنتين»، مؤكدًا أن هذا لا يحدث فى هذه الطرق الصوفية التى تضم المريدين إليها بعمليات شرائهم.
وهاجم «الشريف» هذه الطرق، قائلًا إنها: «تفتقر للمنهج الصوفى الصحيح الذى لا يقبل دخول أى أحد إليه إلا بعد مروره بالمراحل السابقة، فضلًا عن أن الانضمام للطريقة يجب أن يكون عن اقتناع داخلى من قبل المريد، وليس من أجل استغلاله خلال فترة وجوده فى مصر للدراسة»، مطالبًا إياها بالتوقف عن عمليات شراء المريدين وعدم إلحاق الضرر بالمنهج الصوفى.
وأكد مصطفى زايد، الباحث والمهتم بالشأن الصوفى، انتشار ظاهرة شراء المريدين خلال الفترة الأخيرة، مفسرًا ذلك بأن بعض الطرق وجدتها بضاعةً رائجة، لتفرد عضلاتها على الطرق الأخرى للتفاخر والتباهى بأن لها مريدين أجانب خارج مصر، الأمر الذى يسهم بدوره فى استقطاب مريدين من الداخل.
وشرح: «عندما يأتى الزائر المصرى لأول مرة لكى يتعرف على الطريقة الصوفية، ويجد فيها مريدين أجانب يعتقد أن هذه الطريقة على صواب وعلى حق، فيأخذ قراره بالانضمام إليها، دون معرفة حقيقة هذه الطريقة، وما إذا كان منهجها يقوم على الشريعة الإسلامية والسنة النبوية الحميدة، أم أنها تمارس البدع والخزعبلات».
وانتقد «زايد» غياب رقابة المؤسسة الصوفية على هذه الطرق، للحد من التصرفات التى تشوه التصوف الإسلامى، ما كان سببًا رئيسيًا فى زيادة انضمام المريدين الأجانب لصفوف الطرق الصوفية فى مصر.
ولفت إلى أن الإنسان الصوفى لا يلزمه الحصول على أجر أو نفقات لاعتناق المنهج الصوفى، لأن هذا يجب أن يكون نابعًا من داخله، حتى لا يرتد فى أى وقت إذا انقطعت المصلحة العائدة عليه.
واتفق «زايد» مع «الشريف» فى أن هناك الكثير من رجال الأعمال فى بعض الطرق الصوفية ينفقون ببذخ لشراء هؤلاء المريدين وضمهم لطرقهم التى ينتمون لها، اعتقادًا منهم أنهم يفيدون بذلك الصوفية.
«الشبراوية»: أفضل من انضمامهم لـ«الإخوان وداعش».. و«العزمية»: نساعدهم بالعلاج أو الجراحة
فى المقابل، لا يرى الشيخ عبدالخالق الشبراوى، شيخ الطريقة «الشبراوية» أى مشكلة فى ضم طلاب الأزهر الأجانب للطرق الصوفية بهذا الأسلوب.
ودافع «الشبراوى» عن رأيه قائلًا: «هؤلاء بعد ضمهم للطرق الصوفية يتعلمون المنهج الإسلامى الوسطى، ويحفظون القرآن الكريم، وهذا يدل على أن الطرق تفيدهم إضافة إلى التكفل بمصاريفهم خلال فترة دراستهم فى مصر، لأنهم يقيمون داخل الطرق نفسها حتى ينشروا المنهج الصوفى الوسطى فى بلدانهم بعد رجوعهم إليها».
ورفض «الشبراوى» تسمية هذا بـ«شراء للمريدين»، معتبرًا أنه بمثابة «إنقاذ لهم من الجماعات المتطرفة، لأنه فى حال عدم ضمهم للطرق سيذهبون للإخوان المسلمين أو التيارات السلفية، أو حتى تنظيم داعش».
وأضاف أن الطرق الصوفية قدمت خدمة جليلة للمجتمع الإسلامى والمصرى، كى لا يخرج من صفوف هؤلاء الطلاب أسامة بن لادن جديد، أو أبوبكر البغدادى.
وأشار «الشبراوى» إلى أن هذه الفكرة فى ضم طلاب الأزهر ليست وليدة الحاضر، إذ إن «الطرق الصوفية تضم الطلاب الأجانب فى الأزهر لها منذ عشرات السنين، والدولة المصرية وأجهزتها تعلم ذلك جيدًا، وإذا كانت هناك أى مشكلة لحذرتنا الأجهزة، لكن ذلك لم يحدث على الإطلاق».
ورفض القول بأن ضم هؤلاء المريدين يكون بدافع التفاخر والتباهى، قائلًا: «الطرق الصوفية جميعها أبواب متفرقة على طريق واحد، ولا يوجد أى نوع من التكبر بين طريقة وأخرى».
يتفق مع «الشبراوى»، الشيخ علاء الدين أبوالعزائم، عضو المجلس الصوفى الأعلى، ورئيس المجلس العالمى للطرق الصوفية، والذى نفى انضمام هؤلاء الطلاب بشكل رسمى، قائلًا «يشاركون فى الاحتفالات والموالد، لأن غالبيتهم صوفيون فى الأصل من بلدانهم، وهناك منهم تابعون للتيجانية والعزمية والقادرية والسمانية والرفاعية».
وأضاف «أبوالعزائم»، إن الأزهر الشريف هو من يتكفل بنفقات هؤلاء الطلاب وليس الصوفية، لكنه استدرك: «هناك طرق تتكفل بمصاريف البعض منهم، وذلك فى حالات الضرورة القصوى، كأن يحتاج أحد هؤلاء المريدين الأجانب العلاج أو إجراء عملية جراحية».
وثمّن عضو المجلس الصوفى الأعلى وجود هؤلاء الطلاب داخل الطرق الصوفية فى مصر، مشيرًا إلى أنهم ينشرون المنهج الصوفى المعتدل فى بلدانهم، وبالتالى يتصدون للتطرف والإرهاب الذى تنشره الجماعات المتشددة، وهم بذلك يقدمون للمجتمع الإسلامى خدمة جليلة.
واعتبر شيخ الطريقة «العزمية» أن هذا لا يعد «شراءً للمريدين»، بل هو توجه حسن، لأنه معروف للجميع أن الطرق الصوفية تنشر المنهج الإسلامى الوسطى، لمنع هؤلاء الطلاب الأجانب من الارتماء فى أحضان الجماعات المتشددة أو الاستماع لدعاة السلفية المتشددين الذين يكفرون الناس ليل نهار.
وأشار إلى أن الدولة لا تمنع انخراط هؤلاء الطلاب داخل الطرق الصوفية، لأنه لم تصدر عنهم أى سلوكيات خاطئة ولا يمثلون أى خطر أو مشكلات فى مصر، وعلى ذلك لا يوجد أى مانع من ضمهم لأهل المدد.