الإخوان مروا من المقطم
هل الإخوان مروا من المقطم، وكان لهم دور فيما حدث من هجوم الأهالي على قسم الشرطة؟
مصادر أكدت أن الإخوان هم من حشدوا أصدقاء «عفروتو» وأهله وعددا كبيرا من المواطنين، مدّعين أن المتهم قتل نتيجة تعرضه للضرب والتعذيب داخل القسم، محاولين اقتحامه، حيث أضرموا النيران في سيارتي شرطة وأخرى للإسعاف، إضافة إلى تحطيم سيارات مواطنين كانت تقف أمام قسم المقطم.
أنا أصدق هذه الرواية لعدة أسباب، الأول، أن المقطم كانت مركزاً مهماً للإخوان، بل كان مقرها الرئيسي بهذه المنطقة، ويسكن قيادات كثيرون فيها، وحتى حزب الوسط، فزعيمه أبوالعلا يقيم بها.
الإخوان منذ زمن بعيد خطتها الرئيسية هي الفتك بالوحدات الاجتماعية المهمشة، واستغلال مشكلات الفقراء، والأزمات الاجتماعية للتواجد، فهي دائماً ما تحجز في الصفوف الأولى مكاناً لها في التركيبات المتفككة والناجمة عن حركة زحف الريف على مناطق بالقاهرة، لذا ففى المقطم تحديداً استطاعت أن تخلق وجوداً لها واستطاعت ان تحتلها بسهولة.
الإخوان سياستها العامة هي أن تذهب في فلسطين لاستغلال سياق الصراع الفلسطينى اليهودى، وفى الأردن تتسلل عبر العشائر، وعبر التصدعات الاجتماعية الأردنية المترنحة، والوظائف والأدوار التي صدعها الاختلاط بالفلسطينيين، وفى سوريا والعراق ذهبت إلى تأجيج الصراع الطائفى العرقى، وفى السعودية خلقت وجودها عبر أنها ضد التشدد الفقهى الوهابي، أما في مصر فهي بارعة في استغلال حالة الترييف والتهميش، والمشكلات الاقتصادية، والأزمات الاجتماعية.
إن الإخوان استغلت تخفف تبعات الدولة أيام مبارك عموماً من مسئوليتها حيال المشهد الاجتماعي في مناطق مثل حلوان، أو القليوبية، أو الفيوم، أو الصعيد، واخترقت البيئة الاجتماعية السيسيولوجية التى كان يوجد بها انهيارات، سواء صغرى أو كبرى، لأنها بيئة غير منسجمة، والإخوان هي جماعة مؤكدة لعدم الانسجام.
عقب الثورة المصرية على حكم الجماعة، قام شباب التنظيم بما يسمى التأسيس الثالث للجماعة، الذى يعنى أن الحل الوحيد للتعاطى مع الدولة هو تفكيكها، وإعادة بنائها على أسس جديدة بعيدًا عن منطق المواءمات والمساومات، وأن إدارة الصراع مع النظام الحالى يجب أن تنطلق من مبدأ «المقاومة الإيجابية» أو النوعية، واعتماد المبدأ الفقهى دفع الصائل، وأن أدوات الرد يجب أن تكون مفتوحة ودون سقف، وتغطية هذه الأعمال باسم «المسار الثورى» الذى يشمل، «الدفاع عن النفس»، و«تعطيل أجهزة الدولة ومؤسساتها»، واعتماد ما أطلقوا عليه "المنهج الثوري المبدع"، وفي يناير 2015، دعا هذا التيار إلى اجتماع لمناقشة سيناريوهات ذكرى الثورة، أقروا فيه أهمية تحول الجماعة لاستخدام العنف كخيار استراتيجي، وقاموا باعتماد مجموعتين جديدتين لتبني هذه الاستراتيجية الجديدة، هما العقاب الثوري، وجبهة المقاومة الشعبية، وبعدها ظهرت حسم ولواء الثورة.
الأهم أنه بعد سنة وضعت الإخوان ما يسمى بخطة الحراك المسلح، وكان أهم عناصرها هو مجموعات العمل الجماهيري، التي ستندس بين المواطنين، وتقوم بعمليات التحريض المباشرة، وغير المباشرة، ضد النظام.
لاحظوا أن الإخوان القديمة، التى كانت تتحدث عن التغيير الإصلاحى، التى كانت دائمة النقد لمن يريدون التغيير الفوقى، وممارسي العنف في التسعينات، تتحدث الآن، بنفس مفردات الجهاديين، وهى: دفع الصائل، وتغيير المنكر، وكفر الحاكم، والانتقام، واللجان النوعية، وقتال الطائفة.
لا يستطيع أحد الآن من قيادات الإخوان، أن ينفي تلك الخطة، لأنه تحدث عنها مجدي شلش، وعلي بطيخ وغيرهم، كما لا يستطيعون أن يوضحوا لنا الفروق الآن، بين الإخوان، وجماعة الجهاد، أو بين الإخوان وجماعة بيت المقدس؟.. إنها نفس الاستراتيجيات والأفكار.
لقد انزلقت الجماعة إلى مستنقع السلفية الجهادية، ووصلت حدود دعمها اللوجستي والاجتماعية، لهذه المجموعات مبلغاً عظيماً جداً، واستفادت من وجود جيوب صغيرة من الإسلاميين المتطرفين الساخطين، وشكلتهم في استراتيجية للأعمال القتالية، وتصورت أن زعزعة استقرار البلاد لأطول فترة ممكنة قد يحوّل ميزان القوى لصالحها، إلا أنه لا يمكن أن تفصل جماعة عن تاريخها، كما لا يمكن أن تتحول فجأة من الأسفل إلى الفوق، فسيحصل الشرخ، وهذا ما جرى بالضبط.. الشرخ الإخوانى عظيم الآن، والجماعة لن تستطيع أن تنسف ما حصل بسهولة، كما لن تستطيع أن تعود سيرتها الأولى.