الشاعرة رضا أحمد: الشعر صار متعة جمالية وفنية بعد أن كان نفعيا
قالت الشاعرة رضا أحمد في تصريحات خاصة لــ"الدستور"، بمناسبة اليوم العالمي للشعر: هناك أسباب كثيرة تحملني إلى كتابة الشعر، ليس من بينها تنظيف ما يكسره الآخرون من خزفنا الهش ولا لعق بقايا المثل والأخلاقيات بجوار صناديق الحياة أو التسول إلى السماء كي تسقط الأمن والسلام إلى النفوس المتعبة من الحروب، أشياء كثيرة تجعل كتابة قصيدة الآن بمثابة خلاص ليس من بينها إصلاح هذه الخرائب ولا إكمال النقص في فسيفساء الهزائم بفضيلة أخلاقية ولكن تقشير طبقات الخوف والحزن والمرض والصدأ عن رؤيتنا للواقع.
وتابعت "رضا": الشعر يربي بداخل الإنسان بعض الأمل ويرعى الندوب كأنها كنز التجربة المسور بالألم، الشعر معني بالحياة بنظامها الشمولي ومطبخها الشخصي وبكل تراثها الجمالي ويؤرخ للمستقبل بكل الأحلام الحلوة، يعطي الخيال رداءه وشمعته ومقشته السحرية؛ يطير به إلى البعيد حيث الحواس تكرر الزمن في معاملها وتستخلص تلك الرائحة التي بدونها يسير الشاعر وحيدا في إنسانيته.
الشعر اقتراض عينا تنظر في كل جرح كأنه العطب الوحيد الذي أصاب جسد العالم، لا تبكي؛ لكنها تراقب هذا المعنى وتفكك المشاعر وتمتد نظراتها إلى طرح الأسئلة عن لماذا حدث الجرح ومتى نشعر به وكيف يبدو الوجع عن قرب وما معنى هذا الشق وهذه الدماء، وأين يأتي الألم بكل هذه الطاقة التي تقفز بالمشاعر في كل محاولة للصراخ أو الكبت، ربما ارتبط الشعر هنا بالتعبير عن إنسانية اللحظة بكل واقعها المتأزم ورؤاها وعمقها في وضع الندوب كخبرة وكذلك رغبتها في غد يحملها إلى الشفاء، إذا الشعر ليس هروبا من الواقع ولا تأريخا لمنهجية حدوثه ولا أكثر ضرورة من ضمادة ودواء لكنه طريقتنا في توصيف معنى إنساني لتقبله أو رفضه وطرح خيارات جمالية للحياة مع هذا الجرح كأنه أحد مكتسباتنا المشروعة من معارك تدور حول الجوع والتشرد والبطالة وتهزمنا.
ولفتت "أحمد " إلي: أنا لا أكتب لأثير حفيظتك أو أجادلك فيما تعرف وترى وتشعر أو لأخيفك أو لأخوض معك مهام المؤرخ والنبي والقائد أو المربي، بل لأزعج افتراضاتك المسبقة عن كل ما هو واقع أو مقبول ولا بأس إن أمسكت بيديك ورجعت بك إلى الحدث بكل إطروحاته وتاريخه، دور الشعر هنا رصد تغييرات تعاملك بكل ما تمر به في صور رمزية تختزن الكثير من الدلالات النفسية والمعرفية، هذه ليست رسالة أرشيفية ولكنها محاكاة إنسانية تحمل أبعادا وتأثيرات سياسية واجتماعية وليست معنية إلا برؤيتي الإنسانية والفن كفكرة وقيمة.
وشددت "أحمد" علي: في الماضي كان الشاعر خادم للقيم السائدة في مجتمعه ويتغنى بها في إطار قبائلي أو إيديولوجي وحزبي ولا تخرج أغراضه عن المدح والهجاء والرثاء ببنية لغوية مترفة بين بلاغة شكلية ومحسنات لفظية ومعانيها محدودة ربما لأن الحياة كانت بسيطة في مفاهيمها ومتغيراتها وكان الزمن يسير في رتابة عجوز غير عابئ بما يحدث، أما الآن فقد تغير الحس الجمالي والتعاطي الفني مع القيم وصار هاجس الشاعر المعاصر الحرية والعدالة والتجريب، مع انهيار القيم والجماعة ومفهوم الزمن واستشراء الغبن والتشرد والفساد عبر الكثير من الأزمات والحروب والأوبئة والثورات والصراعات المعرفية فلم يعد هو صوت المجتمع وإرادته بقدر ما صار يلتف حول ذاته وفرديته وقلقه واغترابه ومشاكله الوجودية ويعبر عن تجربته الحياتية من خلال رؤيته الخاصة وموقفه المضطرب من العالم في مغامرة مجازية خلال صور جمالية مكثفة وغامضة أحيانا، لوحة فنية تشكل تأطيرا لحقائق ومعاني تحمل دلالات عصرية بعيدة عن اللغة المعجمية الواضحة، صار الشعر متعة جمالية وفنية بعد أن كان نفعيا يخدم تطلعات المجتمع.
الإنسانية ضئيلة وهشة لدرجة أنك لو أبطأت السير لاصطدمت بكتف شاعر، هذا ما تقوله سرديات الاغتراب الكبرى كلنا مشارك في لعبة الخيال هذه سواء أمسك ببندقية أو زرع أرضه ببذور بالحق والخير والجمال، الشاعر يعيش في قصيدته خلال هموم إنسانية ومعرفية وجمالية تمتد إلى الآخر ويتقصى جوهر الزمن والحقيقة والحدث، يبث الحياة عبر رموز وصور ومعاني تحمل أفكارا تروي أرض الآخر بالمعرفة والجمال والأمل، كل فكرة تلمع في الظلام هي غاية الشعر وحقيقته في المسيرة اللانهائية لضمير الإنسانية.