الدويرى: الأزمة الروسية الأوكرانية لن تكون الأخيرة
أكد نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، اللواء محمد إبراهيم الدويري، أن الأزمة الروسية الأوكرانية ليست الأزمة الأولى ولن تكون الأخيرة، وأنها أزمة مرشحة للتكرار.
وقال الدويري– في مقال بعنوان "الحرب الروسية الأوكرانية.. وماذا بعد؟؟" نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية- إن الأزمة الحالية من المرشح أن تتكرر في ظل عدم اتفاق القوى الكبرى على نظام حقيقي يلبي المتطلبات الأمنية لكافة الأطراف دون استثناء عدم اتفاق القوى الكبرى على نظام حقيقي لا يترك أية ثغرات لأية دولة للنفاذ منها لانتهاك هذا التوافق وإلا تتعرض لعقوبات تمنعها من أية مغامرات سواء كانت محسوبة أو غير ذلك.
وأضاف: "للأسف الشديد فإن الجميع حاليًا يتألم نظريًا وهو يشاهد تطورات الحرب ومعاول الهدم والتدمير ومعاناة السكان المدنيين كما تنقلها وسائل الإعلام دون أن تكون هناك خطوة واحدة جادة قادرة على وقف هذه الحرب حتى الآن".
وأكد الدويري، أن الخطوط الحمراء تتلاشى خلال الحروب والمعارك العسكرية، ولا أحد يتحدث فيها عن احترام مبادئ القانون الدولي، مضيفًا: "ويصبح قتل المدنيين– للأسف– دفاعًا عن النفس ويصبح تدمير البنية التحتية للدولة المعتدى عليها أمرًا ضروريًا لتحقيق الانتصار، ويزداد الحديث عن عمليات الإغاثة والتركيز على الجوانب الإنسانية والممرات الآمنة وتقديم المساعدات، وتتزايد أيضًا بيانات الشجب والإدانة والدعوة إلى إحكام العقل ووقف العمليات العسكرية واللجوء إلى المنظمات الدولية".
وأشار إلى أن ذلك ينطبق على الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، إذ وصف الأولى بـ"تلك الدولة النووية وثاني أقوى القوى العسكرية في العالم وإحدى القوتين العظميين مهما حاول البعض أن يقول غير ذلك"، والثانية بـ"الدولة التي كانت إحدى الجمهوريات السوفيتية حتى بداية تسعينات القرن الماضى وترتبط بحدود برية وبحرية طويلة للغاية مع روسيا، كما ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة والغرب دون أن تتمتع بعضوية حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وتخلت عن سلاحها النووي عام 1994 (معاهدة بودابست) وهي في النهاية دولة لا يمكن مقارنتها عسكرياً بالقوة التي تمتلكها روسيا".
وأكد الدويري أن الحرب الجارية لم تندلع فجأة ولم تبدأ من فراغ، مضيفا أن المتابع لتطورات هذه الأزمة منذ بدايتها سوف يصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن سيناريو الحرب ونتائجها كان معروفاً ومحدداً ومعلناً مسبقاً ولم يكن يتبقى سوى تحديد ساعة الصفر التي حددتها أو توقعتها واشنطن أكثر من مرة.
واستعرض الدويري ما وصفه بـ"السيناريو المعلن" للأحداث التي سبقت بداية الحرب والتي أعقبتها في عدة نقاط، هي: (إعلان روسيا رفض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو مع معارضة تمدد الحلف شرقًا، واعتبار أن ذلك يعد تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي الروسي- قيام روسيا بحشد عسكري تدريجي غير مسبوق على حدودها مع أوكرانيا وإجراء مناورات عسكرية متقدمة مع بيلاروسيا وفي منطقة البحر الأسود- فشل المباحثات التي أجراها المسئولون الأمريكيون والأوربيون مع المسئولين الروس– على أعلى المستويات– بشأن التوافق على مسألة الضمانات الأمنية التى يمكن أن تكون مرضية وتحقق مطالب الطرفين).
وتضمن السرد الإشارة إلى إعلان الرئيس الأمريكي بايدن على الملأ أن المعلومات المتوافرة لدى الولايات المتحدة تؤكد أن روسيا عازمة على القيام بغزو أوكرانيا، وأنها ماضية في تنفيذ هذا المخطط رغم الجهود المبذولة لاحتواء الموقف في هذا التوقيت، مرورًا بتأكيد الولايات المتحدة والدول الأوروبية أنه في حالة تنفيذ روسيا عملية الغزو فإنهم سوف يفرضون عليها عقوبات خطيرة فى كافة المجالات الممكنة، وأن حزمة العقوبات سوف تؤثر بالسلب على وضعية روسيا، وصولًا إلى "قيام القوات العسكرية الروسية بالفعل بعملية الغزو تدريجيًا، بدأته بالحشد العسكري الضخم ثم الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك الانفصاليتين، واتجهت بعذ ذلك إلى الدخول في الأراضي الأوكرانية وتدمير العديد من المواقع العسكرية والسيطرة على بعض المدن والمؤسسات الأوكرانية الهامة حتى أضحت العاصمة الأوكرانية كييف تحت مرمى النيران والقصف الروسي العنيف، وأصبحت عملية سقوطها مسألة وقت فى حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، وفي الجانب المقابل بدأت الولايات المتحدة والدول الغربية في فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، خاصة في المجال الاقتصادي؛ أملاً فى أن تأتى هذه العقوبات بثمارها في أقل وقت ممكن".
وطرح الدويري تساؤلًا حول الجوانب الجديدة التي يمكن الوقوف عندها خلال هذه الحرب، مشيرًا إلى أن هناك 7 جوانب جديدة تتضمن أن روسيا لم تكتف فقط بعملية الغزو ولكنها بدأت تلوح بشكل علني بالسلاح النووي، وهو تصعيد غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية رغم تأكيدها أنها لن تستخدم هذا السلاح، وهو ما أدى في المقابل إلى رد فعل مماثل من قبل القوى الغربية، وأنه بالرغم من تصاعد العمليات العسكرية إلا أن الطرفين كانا حريصين على عدم إغلاق المجال أمام الحلول السياسية لأسباب خاصة بكل منهما، مشيرًا إلى عقد اجتماعات بين الجانبين في منطقة على الحدود الأوكرانية البيلاروسية لم تحقق أية نتيجة حتى الآن.
كما أشار إلى أن كافة العقوبات التى تم إعلانها حتى الآن ودخلت حيز التنفيذ لم تثني روسيا عن الاستمرار في عملية الغزو، وكأن روسيا كانت على بينة من طبيعة هذه العقوبات وقادرة على احتواء تأثيراتها حتى الآن، خاصة أن هناك بعض العقوبات التي إذا تم تنفيذها سوف تؤثر أيضًا على الدول الأوروبية، وأن أوكرانيا وجهت انتقادات إلى موقف الغرب من عملية الهجوم الروسي عندما أعلنت بشكل مباشر وغير مباشر وأكثر من مرة أنها تقف وحدها فى هذه المعركة، ولكنها في كل الأحوال تأمل في مزيد من المساعدات وتكثيف الضغوط على روسيا كما أنها سوف تواصل التصدي للقوات الروسية سواء من خلال قواتها العسكرية أو المقاومة الشعبية.
وأضاف أن الجانب الخامس يتضمن نجاح القوى الغربية في إيصال المساعدات الاقتصادية والعسكرية إلى أوكرانيا بطرق مختلفة، بهدف إطالة أمد الصمود الأوكراني إلى أطول فترة ممكنة، بالإضافة إلى مساعدة الجيش الأوكراني في التصدي لتقدم القوات الروسية واستنزافها وتكبيدها أكبر قدر من الخسائر، وهو أمر لن يدوم طويلاً في ظل توازن القوى المختل بين الطرفين، إلى جانب وجود حركة نزوح كبيرة من السكان الأوكرانيين وصلت حتى الآن إلى حوالي مليون مواطن بل أن هذا العدد قابل للزيادة سياحيًا (التقديرات أن يصل إلى خمسة ملايين) وهو ما يعيد قضية اللاجئين وتبعاتها الاجتماعية والأمنية على السطح مرة أخرى.
وأشار إلى أن الصين أثبتت أن لديها حساباتها الخاصة بها، حيث كانت حريصة على ألا تحسب نفسها على الموقف الروسى فى هذه الأزمة رغم خلافاتها الواضحة مع الولايات المتحدة وتصاعد الصراع بينهما فى مجالات ومناطق مختلفة.
وأكد أن الحرب الروسية الأوكرانية كانت ظاهرة كاشفة لعدة حقائق رئيسية من بينها أن روسيا غير مستعدة لتقديم أية تنازلات فيما يتعلق برؤيتها لكيفية حماية أمنها القومي مهما كانت النتائج، موضحا أن موسكو تهدف فى النهاية إلى أن يتوقف الغرب عن ضم مزيد من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى حلف الناتو وخاصة أوكرانيا وألا ينشر صواريخه على هذه الأراضى، وأن الغرب أصبح مطالبًا بصفة عامة بأن يعيد حساباته بشأن طبيعة تعامله مع روسيا كقوة عظمى وضرورة تفهمه لمتطلبات أمنها القومى، بالإضافة إلى أن غياب التوافق على ضمانات أمنية "فيما يسمى بالنظام العالمي" وتكون هذه الضمانات مرضية لروسيا قدر المستطاع– وبالطبع بالتوافق مع الغرب– سوف تكون أحد عوامل تفجير مثل هذه الأزمات فى المستقبل.
وأضاف أن الحقيقة الثالثة هي أن الصراع الأمريكى الروسى سوف يظل هو الصراع الوحيد حتى الآن الذى يمكن أن يهدد السلام والأمن العالمي، إلا أن المواجهة المباشرة بين الجانبين تمثل خطًا أحمر متفقًا عليه، وهو الأمر الذى حرصت القوى الغربية على تأكيده بأن الناتو لن يحارب روسيا على الأرض الأوكرانية، مشيرا إلى أن الدول الغربية مهما كانت رغبتها فى عدم تدهور الموقف مع روسيا حفاظاً على مصالحها الاقتصادية، إلا أنه في لحظة معينة لن تجد هذه الدول مفرًا من الاصطفاف مع الولايات المتحدة، واتخاذ موقف موحد عندما تستشعر أن هناك إمكانية لتهديد أمنها أو استخفافًا روسيًا بوضعيتها وقوتها.
وقال إن الحقيقة الخامسة تتمثل في أن الأمم المتحدة ومؤسساتها خاصة مجلس الأمن سوف يظل عاجزًا للأبد وفي ظل استمرار نظامه الحالى عن اتخاذ أي قرار ضد القوى الكبرى، وبالتالي لن ينجح هذا المجلس مطلقاً في تأدية المهام المنوط بها، كما سيظل هذه المجلس قوياً ومتوائماً مع نفسه فقط فى مواجهة الدول الضعيفة، لاسيما عندما تتوافق القوى العظمى والتى تملك حق الفيتو على أن تتواجد في هذه الدول بأي شكل من الأشكال (احتلال أو إرسال قوات) تحقيقًا لمصالحها فقط، كما أن القرارت التى يصدرها المجلس سوف تظل حبرًا على ورق إلا إذا كانت تتعلق بمعاقبة الدول التى ليس لها حول ولا قوة.
وردًا عن تساؤل آخر حول مدى تأثير هذه الحرب على النظام العالمى خلال المرحلة المقبلة، قال الدويري: "لا بد أن أسجل اعتراضى على كلمة (النظام)، فأي نظام أمني هذا الذي يسمح بمثل هذه الحرب إلا إذا كان نظاماً مختلاً".
وأوضح أنه في السنوات الأخيرة وخاصة منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 وما تبعها من عملية غزو جورجيا عام 2018 لا يوجد حديث إلا عن صراع أمريكى روسي محتدم وهو صراع قديم وسوف يتواصل مهما حاولت قيادات الدولتين تهدئته، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن هناك صراعًا آخر شديد الأهمية والخطورة سيظهر فى المستقبل القريب وهو الصراع الأمريكي الصيني، وإن كان هذا الصراع سوف يأخذ البعد الاقتصادي بصورة أعمق ولكنه قابل أن يتطور إلى محاولات صينية لتدعيم مزيد من قدراتها العسكرية، وإثبات أنها أصبحت عمليًا من كبار القوى الدولية التى تمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها وقادرة على حماية مصالحها المتشعبة على مستوى العالم.
وفيما يتعلق بموقف الدول النامية من هذه الحرب، قال إن "تلك الدول التي تحاول أن تجد لها مكانًا في ظل عالم ازدواجية المعايير لا يعترف إلا بالقوة ولا تحركه سوى مصالحه فقط، حيث إن المطلوب من هذه الدول أن تحرص على ترتيب مواقفها وأوضاعها الداخلية والخارجية بالشكل الذي يحافظ على أمنها القومي، وهو أولوية أولى بالنسبة لها وعليها ألا تلقى بنفسها في خضم صراعات أو تحالفات أو علاقات غير محسوبة لن تخرج منها إلا وهي خاسرة، بينما المجتمع الدولي والقوى الكبرى تراقب وتشجب وتقدم المساعدات الإنسانية وتحقق مصالحها فقط على حساب شعوب كل ما ترنو إليه أن تحيا في مستوى معيشة جيد".