الأزهر والمرور
القصة، مش شيخ الأزهر بـ يقول إيه، القصة شيخ الأزهر نفسه. وظيفته إيه يعني في المجتمع؟في تقديري المشكلة كلها هنا.
خلينا نتكلم مثلا عن إدارة المرور، اللي هي الجهة الرسمية لـ "إدارة المرورة"، سبحان الله، اسمها زي وظيفتها.
المهم، هذه الجهة التابعة لـ وزارة الداخلية، تمتلك سلطة على المواطنين، هي اللي بـ تمنحهم رخص لـ القيادة، من غيرها ما ينفعش يسوقوا. هي اللي بـ ترسم لهم حدودهم(فيما يتعلق بـ هذا الأمر)فـ ما ينفعش تمشي عكس، وما ينفعش تمشي والإشارة حمرا، وما ينفعش تمشي بـ أكتر من السرعة الفلانية، وما ينفعش وما ينفعش وما ينفعش، وينفع وينفع وينفع.
ثم إنها كمان بـ تراقب التزامك بـ دا، وتوقع عليك عقوبات في حال خالفت، العقوبات دي قد تصل لـ السجن، يعني تقييد حرية المواطن، وهكذا وهكذا.
صحيحإدارة المرور لا تنفرد بـ كل شيء، وصلاحياتها متداخلة مع مؤسسات تانية، زي مثلا البرلماناللي لازم يوافق على قوانين المرور، وكمان يراقب عمل الإدارة، ويتأكدإنها هي كمان لا تتغول على المواطن، سواء كـ مؤسسة أو أفراد تابعين ليها، وأمور كلنا عارفينها، إنما في النهاية، هي الجهة المنوط بيها ما يتعلق بـ المرور.
طيب سؤال:هل ينفع إنه المواطن فتحي عبد الحميد أحمد، أو ملاك جرجس شنودة، إنه يقول:أنا غير خاضع لـ هذه السلطة، القوانين دي مش عاجباني، أو أنا شايف إنها غير منطقية، أو يكون لي تفسيري الخاص ليها؟
الإجابة: لأ، ما ينفعش، هو لازم يخضع لـ هذه السلطة، عاجباه أو مش عاجباه، لو شايف إنها جائرةفيه طرق لـ تغييرها، وهو وشطارته وبقى(أو هو وقدرته على الأرض)لكن طالما هي دي السلطة "الرسمية"، فـ هو خاضع لها.
تمام، الأزهر بقى إيه؟الأزهر مؤسسة "دينية"، وما أفهمهإنه في الدولة الحديثةكل المؤسسات الدينية تختلف عن غيرهافي إنه الخضوع لها "اختياري". أولا، اختياري تخضع لها من الأساس ولا لأ، ثانيا، اختياري في طريقة الخضوع، "المواطن" جرجس شنودةينفع يقول إنه غير خاضع لـ الكنيسة الأرثوذكسية، لا هـ يصلي ولا هـ يعترف ولا يتناول، ولا هـ يروحها أصلا.
"المواطن" فتحي عبد الحميد أحمدينفع يقول إنه غير خاضع لـ أي مؤسسة دينية إسلامية.
فـ هنا هـ تظهر أربع مشكلات:
الأولى،هل المواطن دا، إذا شاف إنه غير خاضع لـ المؤسسة دي، يفضل محتفظ بـ توصيفه كـ مسلم/ مسيحي؟
الإجابة:نعم، هذا الأمر مكفول له تماما، دا مسلم، لكن له تفسير مختلف لـ أي نص/ تعاليم/ طقوس، هو شايف إنه الصيام مش فريضة، الصلاة اتنين بس مش خمسة، الحجاب مش أمر إلهي، خلاص، هو اللي هـ يتحاسب على دامش إنت.
يتحاسب هنا بـ المعنى الميتافيزيقي، اللي هو الإله هـ يحاسبه في النهاية، إنما البشر مالهاش فيه.
المشكلة التانية:هل هذا المواطنينفع يروج لـ تفسيراته المختلفة مع مؤسسة دينية رسمية؟
الإجابة:آه، ينفع جدا، بل إنه دور الدولة الحديثة (كما أفهمها)صيانة "حقه" دا، تيجي حضرتك مثلا تعمل كتاب عن النقابوتقول إيه فريضة، تمام. عن الصلاة عن الصيام عن تفسير النصوص المقدسة، تمام.
الدين أو العقيدة عموماأمور شخصية قائمة على الإيمان، ومحدش يقدر يدعيإنه عنده "الحقيقة" في هذه المسائل، بـ التالي، بـ النسبة لـ "الدولة"أي "مواطن" ينفع يتأول زي ما هو عايز، وإذا لقى متابعين لـ أفكاره، ربنا يهني سعيد بـ سعيدة، ومفيش فرق بين مواطن والتاني، وجود المؤسسة الدينية الرسميةكـ أمر تنظيمي، لا يعني منح هذه المؤسسة الدينية سلطةتمارسها على المواطنينزي إدارة المرورمثلا.
المؤسسة الدينية فرصةلـ انضمام المشتركين في فهم واحد، المؤمنين بـ عقيدة واحدة، إنهم يتواصلوا تحت هذه المظلة، ويمارسوا عقائدهم وما يؤمنون بهدون معوقات من الآخرين (قدر الإمكان)وهناما يفرقش إن كان المواطنين التابعين لـ عقيدة ماعشرات الملايين من البشر، أو أربعين نفر، اللي يفرق (بـ النسبة لـ الدولة) حاجة واحدة بس: هو عدم تغولهم على أصحاب العقائد الأخرى.
بـ اختصار، أي مؤسسة دينية هي "مؤسسة دينية" وليست "المؤسسة الدينية"، وأظن الفرق واضح.
المشكلة التالتة:طب فيه مؤسسة دينية، تمتلك تفسيرا لـ النصوص، ينبني عليه تعليمات وأوامر ونواهي، لما تلاقي مواطن/ مؤسسةبـ يقدم تفسيرات مختلفة، ينبني عليها أوامر ونواهي وتعليمات مغايرة، هـ تسيبه كدا؟
الإجابة:لأ طبعا، ما تسيبوش، لكن ليس لها سلطان عليه، يعني إيه؟
يعني:المؤسسة تقول، أنا أمثل الإسلام، وتفسيري هو كذا كذا كذا، لو تفسيرك مختلففـ إنت خارج عن الإسلام (بـ النسبة لي)دا "حقها" تماما تماما تماما، السؤال:ماذا يترتب على الخروج من الإسلام (بـ النسبة لها)؟
الإجابة:لا شيء، المفروض (كما أعتقد جازما) إنه لا شيء، يعني من حق الأزهر أو غير الأزهر من المؤسسات الإسلاميةأن تعتبر سعيد العشماوي مثلا "كافرا"، لكن دا لا يعني حاجة، لا إهانته ولا الاعتداء عليه ولا ملاحقته قضائيا، ولا قتله طبعا.
فقطأنت لا تمثل "عقيدتنا"، زيه زي المسيحي والبهائي والملحد، ما هم كل دول كفار بـ النسبة لـ الإسلام، والمسلمين كفار بـ النسبة لـ المسيحيين، لكن كل الكفار دول (بـ النسبة لـ بعض)يتعايشوا جميعا تحت مظلة الدولة، اللي ليها قانون، يصدره البرلمان، وتنفذه الحكومة، ويفصل في نزاعاته القضاء، ودا يقودنا لـ المشكلة الرابعة:
ماذا إذا تعارضت تعاليم/ أوامر/ نواهي عقيدة مامع قانون الدولة؟الإجابة:ما ينفعش! الدولة هنا ليها سلطة لـ منعهم، خصوصا في التعامل مع أصحاب العقائد المختلفة، والعقائد المختلفةليست بـ الضرورة أديان مختلفة، ممكن تفسيرات مختلفة لـ نفس الدين.
يعني، لو واحدة شايفة إنها ما ينفعش تنضرب، ولو من جوزها ولو من أبوها، دور الدولة تحميها، ولو هي مش عايز مثلا جوزها يتجوز عليها، تشترط دا في العقد، والدولة توفر لها الحماية، أي حاجة مش عاجباهاتشترطها والدولة تحميها، وعقود الزواج مسموح فيها بـ اشتراط ما تراه، بـ ما في ذلك تطليق نفسها، فـ هي تملي شروطها، وما ينفعش الزوج يقول: "عقيدتي" تسمح لي، عقيدتك دي تمارسها مع نفسك، أو المؤمنين نفس إيمانك.
الموضوع أراه بسيطا، المشكلة الكبرى فين؟هي موقع الدين في مجتمعمتنظم على نمط دولة. الدين أمر شخصي، لا يلزم سوى أتباعه، تبدأ المشكلةلما تشوف الدين يمتلك سلطة "على الجميع"، زي إدارة المرور كدا، هنا يبقى لازم فيه "صح واحد"، وهنا تبدأ الخناقات والمناظرات والإهانات، وإنت مين إنت يا عرة المشايخ؟أنا عرة المشايخ يا حثالة الباحثين!لـ إنها معركة صفرية، زي ماتش مصر والكاميرون كدا، ما ينفعش الاتنين يتأهلوا لـ النهائي، بينما في الحياة ينفع، ينفع، لو كل واحد بص في ورقته، والدولة التزمت بـ إنها تحوش العبيد عن العبيد، لكن طول ما الدين يبحث عن السلطة، ما أوعدكش.
طولت عليكم، فوتكم بـ خير