«قطار النيل».. رحلة في تاريخ «الوابور المصري»
صدر حديثًا عن دار "ميتابوك" للنشر والتوزيع كتاب قطار النيل حكايات الإنسان والآلة 1856-1948م، الكاتب الصحفى محمود الدسوقي، ويأتي هذا الكتاب الثاني بعد كتاب" وثائق مأذون الدرب الأحمر – قصص مجهولة في تاريخ القاهرة الخديوية.
ويأخذنا محمود الدسوقي "فى رحلة لتاريخ القطار المصري بلد النيل والمواويل بعيداً عن أشعار الشعراء، والأغانى الشعبية المصرية يا وابور الساعة اتناشر وغيرها، فى تتابع زمنى من نهايات القرن التاسع عشر حتى منتصف أربعينيات القرن الماضي ، بل يأخذنا فى رحلة لهدم الصورة الذهنية التى توردها لنا الصور الفوتغرافية ولقطات السينما بأن وابورات مصر كانت نظيفة وسريعة ، فالقطار الذى كان يتم تأجيره للأجانب مختلفا عن قطار يقل المصريون الغلابة فقك كان ذو شبابيك متهالكة ، قادرة جاموسة على قلبه وإيقاع ضحايا ومصابين ، وكان سقوط جوال قطن يوقف الحركة تماما.
يقول محمود الدسوقى فى مقدمة كتابه "تردد الإنجليز فى منح ترخيص بمد سكة حديد يقودها ستيفنسن، الذى كان عليه أن يمتثل أمام البرلمان بعد الاتهامات المغرضة التى واجهته بأنه أحمق ومجنون، أشار عليه محاميه ألا يتهور، ويذكر أمام أعضاء البرلمان سرعة لا يمكن تصديقها، وهى سرعة 20 ميلا فى الساعة، لأنه إذا فعل ذلك حكم المجلس عليه بالسجن وحسبوه مجنونا أفلت من المستشفى، لذا كان على استيفنسن لجم خياله ولسانه، واكتفى بذكر 12 ميلا فى الساعة، ومع ذلك ظل أعضاء اللجنة فى البرلمان يشككون فى صحة عقله، بل واقترعوا ضد اقتراحه، إلا إنه عام 1821م تمت مبارة لسرعة السكة الحديد، عينت لها جائزة، فكانت قاطرة ستيفنسن تجر وراءها قطارا من العربات المشجونة ، وبلغ سرعتها 15 ميلا فى الساعة ، وقام ستيفنسن بفصل القاطرة من القطار فبلغت سرعتها 35 ميلا فى الساعة ، فوقف الناس فى استغراب ، حيث العربة لم تتحطم وكذلك قلب استيفنسن لم يتوقف عن النبض ، مثلما قيل لهم ، ومنذ ظهور القطار وهو يشغل الجميع ، صار معجزة على الألسن حين شاهدوه أول مرة.
يتناول الكتاب أفعال السخرة حيث انساق آلاف المصريين من وجه قبلى وبحري لمد خطوط السكة الحديد، وكيف أن المحتل الإنجليزى والقوى الأوروبية فرضت إتاوة على المصريين يد فعونها فى وطنهم خاصة قطارات قنا بالصعيد ومحافظات القناة للشركات الفرنسية والإنجليزية معا ، وقد كان من المفترض أن تقوم مصر بدفع ملايين الجنيهات حتى عام 1968م حتى قامت ثورة 23 يوليو عام 1953م فقامت بتأميم قناة السويس ، فأنهت هذا العبث بمقدرات مصر ، ويتناول الكتاب تحذير أهل الشام سوريا ولبنان من مد خطوط سكك الحجاز والوقوع فى فخ العثمانلى ، وكيف أن مصر أخذت هذا التحذير محمل الجد ، وكيف كان القطار المصري سابقا لقطار المحتل التركى الذى كان عليه فى زياراته لمصر أن ينظر له بعين الأعجاب والدهشة والغيرة والطمع والحقد أيضا .
أخذنا الدسوقى لقضبان ولى النعم محمد على باشا ، ليذهب لتارخ القضبان وأنواعها ، وكذلك القطارات وأنواعها وكيف كانت تتوقف لتعبئتها بالمياه ، حيث كانت بالفحم ، ثم أخذنا لعصر عباس الأول وأول فراش مصري يعمل فى القطار ، ثم قطار سعيد الحزين ذلك الشاب الذى مات صغيرا وكان عنده حلم مصري ، ثم القطارات الخديوية أيام إسماعيل باشا ، ثم انكسار الثورة العربية وقيام أحمد عرابى ببناء كوبري فى ملوى وسيطرة الأجانب ونضال المصريين ، ثم تناول الكتاب خطوط وقوعد السير ، وتاريخ التذكرة وخطوط الضواحى والصعيد ، بجانب أنه عرج على قصص شهيرة فى التنافس بين القطارات والسيارات أثناء الحرب العالمية الثانية ، ثم سرد قصص لشعراء وقعوا فى هوى القطار كحافظ إبراهيم ، وشعراء وقعوا فى هوى السيارة كأمير الشعراء أحمد ، وشخصيات شعبية كانت لها وقائع مع القطار ، ومذكرات لمهندسين فى السكة الحديد المصرية، وقد اعتمد المؤلف على مجلة السكة الحديد ودليل المتحف وقوانين الوقائع ، بالإضافة لأرشيف الصحف، وماتركه المهندسون المصريون من تراث مجهول عن عالم الحركة .
محمود الدسوقى من محافظة قنا بصعيد مصر وهو صحفى فى مؤسسة الأهرام وله كتاب سابق تحت عنوان وثائق مأذون الدرب الأحمر – قصص مجهولة في تاريخ القاهرة الخديوية.