حقوقنا وحقوقهم
حضرت بالأمس حفل إطلاق تقرير التعاون الدولى لمصر خلال عام ٢٠٢١، يقول التقرير إن مصر حصلت على حزم تمويل ميسرة بإجمالى ١٠٫٢ مليار دولار خلال عام كامل.. وإن منها مليارًا ونصف المليار موجهة للقطاع الخاص.. تذكرت مشهدًا شهيرًا من فيلم «اللص والكلاب» للفنان شكرى سرحان وهو يمسك بعشرة جنيهات منحها له المثقف الأفاق رءوف علوان ثم يقول «عشرة جنيه بس.. يفتح الله يا أستاذى!»، نحن لسنا لصوصًا ولكننا أصحاب حق.. ومن حقنا أن نصرخ منددين بشح العالم الغربى فى تمويل التنمية فى العالم الثالث، إن تريليونات الدولارات تتراكم فى خزائن الدول الصناعية الكبرى دون أوجه استثمار حقيقى، بينما يُترك الناس فى الدول الأسوأ حظًا لينهشهم الجوع، والبرد، وظروف المعيشة غير الآدمية، بينما أقل القليل من عوائد التراكم فى دول الغرب يمكن أن يُغيّر حياة الملايين إلى الأبد.. أُنظر مثلًا إلى مشروع مثل حياة كريمة من شأنه أن يغير حياة ستين مليون مصرى وينهى معاناة تاريخية استمرت لعقود طويلة، إن هذا المشروع يتكلف سبعمائة مليار جنيه، وهو رقم أقل من ٤٥ مليار دولار تقريبًا.. إن مصر تبذل مجهودًا كبيرًا للغاية من أجل توفير هذا التمويل، تجمع التبرعات من أبنائها القادرين، وتخصص بنودًا من الميزانية، وتوفر اعتمادات إضافية من ميزانية الجيش المصرى.. إلخ، فى حين أن هذا مبلغ ضئيل جدًا بالنسبة لميزانيات المؤسسات الدولية المعنية بالتنمية، وبالنسبة لما يمكن أن توفره الدول الكبرى إذا أرادت.. لكن الحقيقة أن كل ما تخصصه الدول الكبرى للتنمية فى العالم الثالث وفى مصر هو كلام فارغ، وأنه يمكن أن يكون أضعاف هذا المبلغ عشرات المرات دون أن يعلن الغرب إفلاسه أو يشعر بأى شىء من الأساس، لكن هذه الدول تتبع معنا سياسة هى مزيج من الشح، والاستغلال، أنا لا أقول إن مشروعًا مثل «حياة كريمة» لا تسهم جهات التنمية فى بعض مشاريعه، ولكن أقول إن هذه المساهمة يمكن أن تكون أضعاف أضعاف ما هى عليه الآن، وإن ما يمنحه لنا الغرب فى صورة قروض يمكن أن يكون فى صورة منح للتنمية، وإن هذه المنح تساعد الغرب فى تحقيق مطالبه التى يلح علينا بها مندوبوه ليل نهار، هذه المنح التنموية من شأنها أن تسرع فى عملية التطور الاقتصادى والاجتماعى فى المجتمع المصرى، فيصبح مؤهلًا للديمقراطية التعددية التى يطالب بها الغرب ليل نهار.. لكن قليلًا من التأمل يقول لك إن الغرب لا يريد ديمقراطية حقيقية فى مصر ولا غيرها، هو فقط يريد الضغط على الدول وابتزازها بهذا الملف بين الحين والآخر.. ولو كان يريد هذه الديمقراطية وحقوق الإنسان لأسهم فى تمويل التنمية بأضعاف أضعاف ما يحدث الآن.. إننى لا أفهم معنى إلحاح مندوبى الغرب لدينا على الحقوق السياسية للسجناء دون الالتفات لحقوق الملايين فى التنمية، وفى العمل، وفى السكن، وفى التعليم، وفى العلاج.. ولو أن الغرب كان يحفل بهذه الحقوق فعلًا لوفر لها تمويلًا سخيًا، لا تمويلًا شكليًا، ولأعترف بأن لها أولوية عن غيرها فى هذه المرحلة من مراحل تطور المجتمع، حيث يؤكد التاريخ صدق مقولة إن الحرية الحقيقية هى حرية رغيف الخبز لا حرية تذكرة الانتخاب، وهى عبارة عرفتها مصر فى الستينيات، وكنت أظن أن التاريخ قد تجاوزها، لكن التاريخ قد دار دورته، واتضح أن العبارة سليمة وفى محلها تمامًا، فلا يمكن أن أطلب من شخص لم ينل نصيبًا من التعليم، ولا يجد سكنًا لائقًا، ولا وجبة غذاء، أن يجلس ليقرأ برامج الأحزاب المختلفة ليختار بينها، إن هذا نوع من أنواع العبث بالعقول، وعدم الاعتراف باختلاف المجتمعات، واختلاف مراحل تطورها التاريخى، وكأن الغرب يطالب بالثمرة قبل أن يزرع الشجرة، أو يطالب ببناء الدور الأخير قبل أن يتركنا فى حالنا لنبنى الدور الأول، ويسلبنا حقوقنا فى التنمية عبر ميراث طويل من النهب والاستنزاف والشح التاريخى، ويطالب بحقه فى حماية مندوبيه ومروجى أفكاره حتى فى حالة تورطهم فى مخالفة القانون.. إننا بكل تأكيد لسنا أعداء للغرب.. بل إننا شركاء فى حضارة إنسانية واحدة، وبموجب هذه الشراكة نقول للغرب، أعطونا حقوقنا فى التنمية قبل أن تطالبوا بحقوقكم فى مساءلتنا.