سعيد نوح يعود إلى القصة القصيرة في «الصنف.. حكاية الملاك والصبيّة»
يشارك الكاتب سعيد نوح، في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، بأحدث إبداعاته القصصية والمعنونة بـ "الصنف.. حكاية الملاك والصبيّة"، والصادرة حديثا عن منشورات الربيع.
ويعود سعيد نوح مجددا إلى عالمه المميز، إلى القصة الجذلة، القصة التي تحمل بلاغات وشعريات كثيرة، القصة التي تقبض على العالم في قبضة واحدة، تقرأ قصة فترى عوالم كثيرة مدهشة، من بلاغة المفردة وجذالتها، إلى بلاغة الحالة القصصية وشعريتها، إلى الدهشة والمفارقة. ربما يكون الحدث عاديا، لكن سعيد نوح يحوله لحالة قصصية غير عادية، يمكن أن نطلق على قصصه "القصة المشبعة" التي هي بطاقة رواية.
ــ سعيد نوح المخلص للقصة القصيرة
رغم أن سعيد نوح عرف بين القراء بروائعه الروائية، بداية من الرواية التي تركت أثرا لا ينسى في منتصف التسعينيات من حيث طرائق السرد والتجديد فيها، وهي رواية"كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد" وحتى آخر رواية أصدرها"أحوال مظلوم" إلا أن سعيد نوح له في القصة القصيرة بصمات لا تنسى، منذ متواليته القصصية "تمثال صغير لشكوكو" التي صدرت عن دار ميريت، و"كشك الأورام" التي صدرت عن مؤسسة بتانة وحصلت على جائزة ساويرس فرع كبار الأدباء عام 2018، وأخيرا مجموعة"الصنف، حكاية الملاك والصبية" التي صدرت عن منشورات الربيع عام 2022، وهي تتكون من سبعة عشر قصة مشبعة ومحملة بطاقات إبداعية وجمالية غير عادية، تدور حول موضوعات إنسانية شديدة العادية شديدة الدهشة في تناولها، ما بين الحب والشجن، والموت والحياة، العشق والخيانة، الاغتراب والحميمية.
عُرف سعيد نوح بعناوينه المفارقة والمدهشة والطويلة أحيانا لدرجة أنك تقرأ نصا بطول عبارة، وتكتشف أنه عنوان لقصة مثل: "بث مباشر للشمس التي خرت ساجدة في نهاية المشهد، دون أن تنتبه، إلى سلب عرشها في عز النهار من قبل أطفال الظلام. هؤلاء الجرابيع المتربصين دائما بها طوال عدة ساعات بقضهم وقضيضهم، والأم البديلة ذات الحذاء الأبيض فوق التبة، التي لم تكن أبدا جبلا. كل هذا وأكثر ربما حدث في صباح جميل مليء بأنفاس الله المغيبة للوعي، وقت ظهور ولد صغير، يشبه بسمة الرب، وهو يضع الحب للدجاجات الجائعة". تخيلوا أيها القراء أن المقطع السابق هو عنوان نص قصصي.
ومن إحدى قصص المجموعة القصصية "الصنف.. حكاية الملاك والصبيّة" نقرأ: كانت أفرع الشجرة التي أسميتها العالية تتشابك وتتقاطع لتتناسق كما لو كانت أستارا كثيفة تخفي عن نظري السماء الملتهبة. وكأنها وضعت في تلك اللحظة لتجلب بعض الأفراح إلى القلب المتمسك ما زال بالحياة!.
كنت أجلس تحتها وأنا لا على حامي أو بارد. وكأني فوق موقد مشتعل في انتظار من ينتشلني من الطاسة المليئة بالزيت.
أخيرا وبعد أن فاض الصبر ظهرت علا من بعيد كالمتلصصة. وقفت وأنا لا أدري أني أصنع خيالا كبيرا وأنا أشير لها بيدي أن تتقدم بسرعة، انتبهت لما أفعله بيدي ويظهر له خيال كبير، لا بد أنه ظهر لكل راءٍ مما أرجف خطوها أكثر، وراحت ترفع قدما ثم تنظر للخلف وهي تنزل بها على الأرض وهكذا حتى اختلت حركتها فبدت كالساقطة فوق الأرض. كدت أن أترك مكاني تحت العالية لأجري إليها لعلي ألحقها قبل سقوطها الأكيد، لكن ذلك كان من رابع المستحيلات. كنت في احتياج تام للبساط السحري ولهذا وأنا أنزل يدي في يأس تام لمحت خيالها الكبير الذي يختفي ليقف بالقرب من جسدي الذي يرتسم كحائط سد في وجه الشمس يتماس مع جزع العالية.
رفعت يدي بهدوء وأنا أنسى تماما ما تمر به الحبيبة وجندلتها على الأرض، ورحت أتبع أصابع يدي التي تتحرك من جوار حائط السد وتتبعها ساق اليد لترتفع كما أريد، أعجبتني اللعبة فرحت أتوغل فيها بيقين تام وأنا أسرع الحركة وأخفض وأرفع حتى أصبحت خبيرا بالحركة وبالاهتزازات أيضًا. عند ذلك أشركت يدي الثانية لتظهر هي الأخرى في المشهد الذي أصنعه لترتفع الأصابع في اتجاه السماء وترتعش بمذلة.