منتدى شباب العالم.. الاحترافية كطريق للنجاح
أكتب مقالى بعد دقائق من حضور حفل افتتاح منتدى شباب العالم الرابع، تابعت كل فعاليات المنتدى منذ دورته الأولى حتى الأخيرة، قبلها حضرت المؤتمرات الوطنية للشباب.. لكل منّا مدخل فى فهم الأحداث والإعجاب بها إذا كان هناك ما يستثير الإعجاب، والأهم أن ما وراء الحدث أهم من الحدث نفسه.. مدخلى فى فهم «منتدى شباب العالم» ومن ثم الإعجاب به أنه عمل احترافى منظم، يتسم بمواصفات تنظيمية ومهنية عالية، مع انفتاح واضح على تطورات التكنولوجيا والتنظيم فى العالم، والمعنى أن هذا ليس تجمعًا للشباب كى يهتفوا «بالروح والدم» كما كان يحدث فى عصور سابقة، وليس مناسبة لترديد شعارات دون فعل على الأرض، والشباب الذين ينظمون ليسوا بالضرورة أعضاءً فى أحزاب موالية أو غير موالية، هم شباب محترفون فى مجالاتهم، يؤدون نشاطًا ذا طابع وطنى وإنسانى وتنموى، وبالتالى فهم يقومون بالعمل أكثر من الحديث، وهذا تغير نوعى مرتبط بالجمهورية المصرية الحديثة أو الجديدة إن شئت.. فى الواقع أيضًا فإن المنتدى ليس حدثًا معلقًا فى الفراغ، هو حدث كبير له علاقة بما كان قبله وبما كان بعده، وهو ضمن رؤية سياسية رفيعة لاستيعاب وتمكين الشباب المصرى، هذه الرؤية هى بنت خبرة الرئيس السيسى بما حدث فى مصر فى ٢٠١١، وتحليله له، واقترابه الشديد منه كطرف مباشر، وحكمه عليه أنه كان خطرًا على بقاء الدولة المصرية، ومن ثم أتخيل أنه تم وضع رؤية لاستيعاب المشاعر الوطنية للشباب المصرى المخلص «وهم أغلبية ساحقة».. وأعتقد أنه تم إسناد التنفيذ لعناصر على قدر عالٍ من الكفاءة والجاهزية، وساعد على النجاح جمع هذه العناصر بين حداثة السن النسبية والخبرة العملية الكبيرة والتجهيز العلمى المبكر، وبالتالى كان هناك تفكير فى تدريب الشباب على القيادة وفق برنامج علمى مكثف فى دورات البرنامج الرئاسى للشباب، ومن خلال خريجى الدفعات الأولى من البرنامج، الذى لم يكن له أى طابع حزبى أو دعائى، تم تنظيم مؤتمرات الشباب الوطنية الأولى «شرم الشيخ- الإسماعيلية- أسوان- الإسكندرية»، وكان المؤتمر وقتها أشبه بمؤتمر سياسى للدولة المصرية، تناقش فيه بعض الخطط، وتطرح أطرافًا من الإنجازات، وينظم الشباب فعاليات محاكاة سياسية وأدوات رقابة مختلفة، وكانت الفكرة أيضًا أن ما يطرح هو نماذج عمل وليس جلسات للهتاف أو التعبير عن العواطف، وكانت تطرح مبادرات شبابية مثل مبادرة خلق هوية بصرية لكل مدينة مصرية، وغيرها من المبادرات التنموية، ثم حدث تطور حين بادر الشباب باقتراح فكرة إقامة «منتدى عالمى للشباب» ليوافق الرئيس على الفور، وأعتقد أن هذه الموافقة الفورية كانت لها علاقة أيضًا بفهمه لما حدث فى يناير ٢٠١١، وما حدث أنه تم استخدام التطورات التكنولوجية ورغبة بعض الشباب فى أن يكونوا جزءًا من العالم الكبير فى العمل لصالح منظمات معينة، هذه المنظمات كثير منها ظاهرها ليس كباطنها، وبعضها لها طابع استخباراتى واضح، أو على الأقل تهدف لتحقيق أهداف الإدارة الأمريكية الحاكمة، وتجمعات المصالح الاقتصادية الكبرى، من خلال معاهد مثل «المعهد الديمقراطى» و«المعهد الجمهورى» مثلًا.. هذه معاهد كانت تعمل هنا وتجند شبابًا ليكون ولاؤهم لحزبين أمريكيين يتناوبان الحكم جهارًا نهارًا.. ماذا فعلت مصر فى الجمهورية الحديثة؟ احترمت جدًا رغبة الشباب فى التواصل مع العالم، ولكنها حولتها فى اتجاه الندية فى العلاقة مع الغرب وليس الانسحاق والتبعية كما كان الحال مع «المتمولين».. طرحت قيمًا للحوار والتعاون ومناقشة الهموم الإنسانية المشتركة، وهى كلها قيم شريفة وبناءة ومحترمة وتلقى احترام العالم كله، وبالتالى قالت مصر لشبابها إذا كنتم تريدون التواصل مع العالم أهلًا وسهلًا، هذا هو الطريق الصحيح والكريم.. حمتهم من الوقوع فى فخاخ مؤسسات توظيف العملاء، ومعاهد التدريب على الهدم، ومراكز إعداد الثورات سابقة التجهيز، فى نفس الوقت تمت إتاحة حق المشاركة لجميع الشباب الذى تنطبق عليه الشروط، من خلال طرق تسجيل سهلة ومتاحة للجميع، هذا بكل تأكيد عمل احترافى يكشف عن رؤية ذكية تستحق الاحترام.. ولأن جوهر الصراع هو الشباب المصرى، الذى نجحت الدولة فى تصحيح علاقاتها به، ووضع خطة لإعداده وتمكينه، والحفاظ عليه من محاولة بعض الأطراف استخدامه، فإن منتدى الشباب يثير غضب الكارهين أحيانًا وعدم فهمهم لفكرته أحيانًا أخرى، فى حين أنه فى أحد أبعاده وسيلة تسويق سياسى ممتازة لمصر، ووسيلة دعاية سياحية بين مئات الآلاف من الشباب فى العالم، وفى الأغلب فإن الكثير ممن يهاجمونه يعرفون ذلك ولذلك يهاجمونه!! إذن فعلى الدولة أن تتجه لمزيد من العمل، وتنتظر مزيدًا من الهجوم، فالهجوم الأكبر هو على نجاح أكبر وعمل أكبر وتقدم أكبر.. وهو ما يغيظ المهاجمين.. تمامًا جدًا.