رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

2021 عام العدالة والحصاد والقدرة

 

أحاول فى السطور التالية أن أقدم تحليلًا إخباريًا بعيدًا عن العاطفة، رغم أن العاطفة تجاه الوطن موجودة ومحمودة أيضًا.. إننى أنظر إلى عام ٢٠٢١ فأراه عام انتصار الإرادة، وظهور القدرة، وبدء جنى الثمار.. حيث ظهرت فيه علامات القوة الكامنة، وظهرت فيه على الأرض إنجازات كان البعض يشكك فى وجودها من الأساس فإذا هى حقيقة جلية واضحة منتصبة على الأرض كشاهد على العمل المخطط والمتابعة الدءوبة والخيال الذى لا تقدم بدونه.. على مستوى السياسة الخارجية فإن هذا هو العام الذى ألقت به مصر بعض أوراقها الخفية على طاولة اللعب فإذا بها تربح فى هدوء وتحصل على ما تريد وتتعامل مع منافسيها بالتهذيب الذى يليق بلاعب بصفات «الجنتلمان».. لقد كان أبرز تحديات السياسة الخارجية المصرية هو فوز إدارة ديمقراطية بالرئاسة الأمريكية، وفق سابق خبرة يقول إن الديمقراطيين ليس لديهم الفهم الكافى لطبيعة ما جرى فى مصر فى ٣٠ يونيو ولا لطبيعة الدولة المصرية عمومًا، أطلق بعض المحبطين لخيالهم العنان، وتخيل بعضهم أن الديمقراطيين سيحملون سيفًا بتارًا يقطعون به عنق الحلم المصرى.. لكن الحقائق سرعان ما تكلمت على الأرض، وأطلقت الخارجية الأمريكية تصريحات متتالية تشيد فيها بالدور المصرى فى حفظ الأمن والسلام فى الإقليم وبالدور المصرى فى القضية الفلسطينية، وكانت هذه أول ورقة رابحة تلقى بها مصر على المائدة، وكانت الورقة الثانية هى ورقة غزة، حيث طوعت مصر الفصائل المختلفة وفق صيغ تفاهم واضحة، وروضت ذئابًا وثعالب طالما كانت ضد مصر، وطالما شوهت دورها فى القضية الفلسطينية، ومارست ضدها أكبر قدر من الدعاية السوداء، التى كانت ضمن عوامل أخرى أحد أسباب ما جرى فى يناير ٢٠١١، هذا العام انقلب الوضع تمامًا، وأعلنت مصر عن منحة مصرية لإعمار غزة، ورفعت صورة الرئيس السيسى فى غزة كعلامة رمزية لتغير الحقائق على الأرض، ولم تمر أيام حتى كانت مصر تعلن الخط الأحمر فى ليبيا، وتتم الاستجابة الحرفية لتحذيرها، ثم تدخل المؤسسات المصرية فى تفاوض طويل مع تركيا، يثمر ثماره فى إخراس أبواق أهل الشر، وسد منابع للخراب والتخريب فى مصر، ولم يكن ذلك ليحدث لولا أوراق القوة المصرية الظاهرة والخفية، وما جرى فى تركيا جرى حرفيًا مع دولة عربية هى قطر.. حيث تفاهمات مختلفة وفق تغيرات سريعة تجرى فى الإقليم ومراعاة للمصالح ولعلاقات الشعوب التى لم تتأثر بالخلافات السياسية وكان هذا نصرًا جديدًا للسياسة المصرية، التفاهمات الإقليمية انعكست على هزيمة الإرهاب التامة فى سيناء واندحار العناصر الإرهابية وخفوت صوتها لأقصى درجة، وعودة الحياة الطبيعية فى المثلث الصغير الذى تأثر بأحداث الإرهاب «العريش- رفح- الشيخ زويد».. استقرار الوضع الدولى لمصر وتعاظم دورها انعكسا على مزيد من التمويلات الدولية لعمليات التنمية فى مصر، وهى دليل ثقة فى الاقتصاد المصرى والسياسة المصرية وليس أى شىء آخر كما يدّعى الجهلاء وقصار النظر.. على مستوى صناعة السياحة عادت السياحة المصرية إلى أعلى مستوى لها منذ ٢٠١٠ وفى انتظارها مزيد من الإيرادات مع معدلات الاستقرار والتنمية التى حققتها مصر، فى ٢٠٢١ خرجت مصر بأقل الخسائر الممكنة من تداعيات كورونا على العالم، وحافظت الاستثمارات الكبيرة فى مشاريع التنمية على معدلات تشغيل ودوران عالية للبيع والشراء وبقيت معاناة المواطن العادى فى الحدود المقبولة وممكنة الاحتمال بالمقارنة بالظرف الاقتصادى العالمى وبظروف الإصلاح الاقتصادى المصرى.. فى ٢٠٢١ أطلقت مصر أكبر مشروع تنموى فى العالم وهو «حياة كريمة»، وهو أعظم مشروعات الدولة المصرية منذ عصر محمد على وسيغير حياة ٦٠ مليون مواطن من الأكثر فقرًا والأولى بالرعاية، فى هذا العام أيضًا ترسخت فكرة الهوية الوطنية المصرية، من خلال موكبى المومياوات وطريق الكباش، كاحتفالات رمزية تؤكد الهوية الوطنية والوعى بها وتقدم إطارًا جامعًا للمصريين جميعًا، فى هذا العام أيضًا ظهرت العاصمة الإدارية كحقيقة ملموسة على الأرض، وكمشروع ناجح استثمرت فيه الدولة المصرية مع قدر من المغامرة المدروسة، بعد أن رفض مستثمر عربى التجاوب مع رؤية الدولة للمشروع وبعد أن تراجع مستثمرون صينيون عن خوض المغامرة، لكن مصر خاضت المغامرة وسط بشائر نجاح اقتصادى واضحة، ووفق رؤية لتطوير القاهرة التاريخية وإخلاء مبانيها الحكومية وطرحها للاستثمار السياحى وتخصيص العائدات لتمويل المزيد من مشاريع التنمية، فى ٢٠٢١ أيضًا ظهر الوعى بالاهتمام بالزراعة والصناعة بعد الاهتمام بالمدن الجديدة والطرق والمحاور، حيث رأينا افتتاح مناطق صناعية جديدة، ومدينة للغذاء، و٦ مصانع للغزل والنسيج، وإعادة لإطلاق مشروع توشكى وغرس الثمار فى خمسمائة ألف فدان وانتظار الحصاد فى العامين القادمين، فضلًا عن مشروع رائع هو محطة بحر البقر لمعالجة مياه الصرف والتى ستروى عشرات الآلاف من الأفدنة فى سيناء.. ولم تشأ مصر أن ينتهى العام إلا بعد افتتاح عشرات المشروعات فى الصعيد، بتكلفة تفوق تريليون جنيه مصرى لتؤكد أن ٢٠٢١ ليس فقط عام القدرة، ولا عام بدء الحصاد، ولكنه أيضًا عام العدالة فى التنمية، والذى ننتظر أن تتلوه أعوام خضراء تحمل مزيدًا من العدالة ومزيدًا من التنمية أيضًا.