«كنوز في باطن الأرض».. الرمال السوداء ثروة مصرية من المعادن الثمينة
ثروة هائلة منحها الله لمصر، وحان الوقت المناسب لاستغلالها بالشكل الأمثل بعد سنوات من الإهمال، وهي الرمال السوداء التي تعتبر منبعًا للثروة المعدنية، وباتت دول عديدة تعتمد عليها كمصدر للطاقة بسبب احتوائها على كنوزٍ ثمينة من المعادن النفيسة.
ذلك ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى التوجيه بتعظيم القيمة المضافة للمعادن الاقتصادية المستخلصة من الرمال السوداء في مصر، مؤكدًا أن المعادن المستخرجة ستحقق للبلاد أكبر فائدة اقتصادية واستثمارية.
ووجه الرئيس بالتدقيق في تفاصيل الدراسات الخاصة بمشروع تعظيم القيمة المضافة للمعادن الاقتصادية المستخلصة من الرمال السوداء، وحوكمة جوانبه، سعيًا نحو تحقيق الهدف الأساسي من اكتشاف الفرص الكامنة في موارد الدولة الطبيعية، مع حسن إدارتها وتحقيق أكبر فائدة اقتصادية واستثمارية منها.
ووفقًا لآخر مسح جوي قامت به هيئة المواد النووية فإن مصر تمتلك ما يقرب من 11 موقعا على السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات عالية للغاية.
وفي الملف التالي، تحدثت "الدستور" مع مسؤولين وخبراء عن مشاريع الرمال السوداء في مصر وفائدتها وكيف يمكن الاستفادة منها على أكمل وجه خلال السنوات القادمة؟.
الرمال السوداء كنز مصر النووي
الدكتور حامد إبراهيم ميرة، رئيس مجلس إدارة هيئة المواد النووية التابعة لوزارة الكهرباء والمشرفة حاليًا على الجانب البحثي في الشركة القابضة للرمال السوداء، قال إن رحلة اكتشاف الرمال السوداء في مصر بدأ من سبعينات القرن الماضي لكن لم يتم تعظيم الاستفادة منها وزيادة عملية البحث والحفر عنها إلا في الثلاث السنوات الأخيرة الماضية، حينما توفرت الإرادة السياسية الراغبة في زيادة مصادر الطاقة النظيفة والاستفادة من كنوز مصر الحقيقية، وكانت النتيجة اكتشاف 13 موقعًا للرمال السوداء على شواطئ البحر المتوسط.
وأوضح "ميرة" أن محيط البحر المتوسط كله غني بالرمال السوداء ولذلك تم تدشين 3 مصانع كبرى في غليون بكفر الشيخ ورشيد بالبحيرة وآخر بالبرلس لتركيز معادن الرمال السوداء واستخلاصها بالتعاون مع الشركة الوطنية، ويتم العمل عليها حاليًا، لاستخراج نحو 41 معدن، رغم أن العدد المستهدف 6 أهم المونازيت واليورانيوم المشع والزريكون، ومعادن أخرى كثيرة تدخل فى صناعات كثيرة ومهمة مثل صناعة الصواريخ والطائرات وهياكل السيارات والسيراميك والبويات ومواد الإشعاع النووى، بالإضافة إلى المواد الخام التى تستخدم فى الصناعات الحديثة.
وأكمل أن اليورانيوم المستخرج من الرمال السوداء يتم توجيهه من خلال هيئة المواد النووية لمشروع مصر الجديد في محطة الضبعة وهو ما سيضع مصر على خريطة النووي العالمي.
ونوه أن مصنع التركيز التابع للشركة المصرية للرمال السوداء سيكون الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وهو الاستفادة الحقيقية من متابعة الدول السابقة لنا في مجال اكتشاف هذه التركية الفريدة من المعادن المجمعة معًا في بؤرة واحدة، وأهمها إفريقيًا جنوب أفريقيا وعالميًا استراليا التي بدأت في استخدام المجانيت في مجالات تصنيع الإلكترونيات الحديثة والدقيقة.
وبصفته رئيس هيئة المواد النووية، أوضح أن الطريق أمام مصر طويل في هذا المجال، لا سيما أن كل يوم يتم اكتشاف موقع جديد وحاليًا يتم البحث في محيط البحر الأحمر، ومصبات النيل، ويوضح "ميرة"، أن النيل يساعد على الإنتاج المتجدد للرمال السوداء.
ومن ناحية الاستراتيجية والاقتصادية، قال إن الرمال السوداء أصبحت مصدر هام لتوفير فرص العمل، إذ أنه خلال المرحلة الأولى تم إتاحة 100 فرصة عمل من حملة المؤهلات العليا والفوق متوسطة والمتوسطة والعمال الحرفيين، للعمل بمشروع الشركة بمحافظة كفر الشيخ، بمنطقة بر بحري، و100 فرصة عمل أخرى بشركة الرمال السوداء بمنطقة ملاحة منيسي، وكان قد تم الإعلان عنها أيضًا تجهيزًا لافتتاح المصنع يناير 2022.
وأضاف: "علاوة على ذلك تم التعاقد مع 10 مهندسي كراكات عائمة وفني تشغيل كراكات عائمة "فني تكريك" وفق شروط خاصة للوظيفتين، حددتها الشركة المصرية الصينية للرمال السوداء للمصنع الثاني، أهمهم كراكة "تحيا مصر" التي ساهمت بشكل كبير في مشروع كفر الشيخ منذ أغسطس الماضي، ومن المتوقع أن يوفر المصنعان عند تشغيلهما أكثر من 9 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وتكون الأولوية في اختيار العمالة لسكان المحافظات محل الاستخراج.
ومن ناحية أخرى، أوضح أن لها ميزة سياحية، مثل تنظيف الشواطئ من الكثبان الرملية السوداء مما يسمح في زيادة القيمة المضافة للشاطئ بإقامة مشروعات سياحية عليه وتجهيز بيئة سليمة خالية من المواد النووية المشعة.
مصبات طبيعية لإنتاج المعادن
الدكتورة هدى الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، قالت إن الرمال السوداء كنز كبير تملكه بعض الشواطئ الساحلية، حيث تحتوى البحار على كميات كبيرة من المعادن التي تمتزج بالرمال عند خروجها على الشاطئ في حالات الفيضان أو الموجة، وبالتالي تتضمن الرمال كميات ضخمة من المعادن الثقيلة.
وأوضحت "الملاح" أن الرمال السوداء تحتوي على أنواع متعددة من المعادن وبأحجام مأهولة مثل الجرانيت الذي يدخل في صناعة فلاتر المياه والصنفرة وصناعة الوقود النووي، الماجنتيت الذي يستخدم في صناعة أنابيب البترول، الزركون المستخدم في صناعة السيراميك والأسنان التعويضية والخزف، والألمنيت الذي يستخدم في صناعة البويات، واليورانيوم الذي يستغل في الوقود النووي، وغيرها من المعادن الأخرى التي تدخل في العديد من الصناعات مثل صناعة الطائرات والسيارات والأدوات الصحية.
وأكدت مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي، أولى اهتمامًا كبيرًا بمشروع الرمال السوداء؛ كونها بمثابة مصبات طبيعية لإنتاج المعادن، وتتمتع بأهمية اقتصادية كبرى، وتعد ثورة كبيرة للاقتصاد المصري، لافتة إلى أنه كان في السابق يتم نهب الرمال السوداء من قِبَل بعض رجال الأعمال الذين يقومون بتصديرها للخارج لصالحهم، ولكن قضت الدولة على مخططاتهم وأطماعهم عند التفاتها إلى ذلك المشروع العظيم.
وأشارت إلى أن الأهمية الاقتصادية لمشروع الرمال السوداء تكمن في توفير استيراد المعادن الداخلة في العديد من الصناعات، والعملات الأجنبية والمعروض من الدولار، وجذب استثمار الشركات الأجنبية، مشيرة إلى أنه لابد من إجراء دراسة جدوى صحيحة من خلال خبراء متخصصين في علم الاقتصاد ودراسات الجدوى، وذلك لحساب تكلفة استخراج المعادن من الرمال والقيمة المضافة التي تقدمها تلك الرمال والعائد الاقتصادي المصري، من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من ذلك المشروع الضخم.
زيادة حجم الصادرات المصرية
بدوره، قال الدكتور السيد خضر، الباحث الاقتصادي، إن مصر تمتلك ثروة طبيعية هائلة متمثلة في الرمال السوداء في عدة محافظات منهم شمال وجنوب سيناء وكفر الشيخ والبحيرة، لذلك من الضروري تخصيص مصانع للرمال السوداء داخل تلك المناطق لاستغلال المواد المعدنية المستخرجة من تلك الرمال وسرعة إنتاجها وتوفيرها في ذات الوقت مما يحقق فوائد اقتصادية كبرى.
وأضاف خضر: "تتعدد المعادن المستخلصة من الرمال السوداء، وتختلف في أحجامها ونسب تواجدها في كل منطقة، حيث تتحول الرمال إلى منتجات استراتيجية بعد فصلها في أماكنها بأجهزة خاصة، منها اليورانيوم المشع والمونازيت وغيرها من المعادن التي تدخل في عدة صناعات هامة مثل صناعة هياكل السيارات والصواريخ والبويات ومواد الإشعاع النووي وأنابيب البترول التي تحقق عائد اقتصادي كبير".
وعن الفائدة الاقتصادية من المشروع، أوضح الباحث الاقتصادي: "يساهم مشروع الرمال السوداء بشكل كبير في دعم التنمية الاقتصادية وخدمة الاقتصاد المصري، من خلال زيادة القدرة الإنتاجية في تلك الصناعات الهامة، وتوفير المنتجات في السوق المصري، وانخفاض قيمة الواردات، وزيادة حجم الصادرات المصرية، مما يدعم الصناعة الوطنية والمنتج المصري، فضلًا عن توفيره العديد من فرص العمل، وهو ما ينعكس على انخفاض معدلات البطالة والفقر، وتحسين أداء الاقتصاد المصري".
واختتم: "الدولة المصرية تسعى إلى دعم ركائز الاقتصاد المصري من خلال التنوع في جميع القطاعات الاقتصادية خاصة في الاستثمارات الطبيعية، وظهر ذلك واضحًا في اهتمامها بمشروع الرمال السوداء، ويأتي ذلك الاهتمام من أجل الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة من تلك الاستثمارات والثروات الطبيعية طبقًا لرؤية مصر للتنمية المستدامة".
الرمال السوداء في خطة مصر للطاقة النظيفة
وذكر الدكتور ماهر عزيز، خبير الطاقة، أن مصر لديها مخزون استراتيجي كبير من الرمال السوداء يصلح استخدامه لقرون عديدة ويوفر عليها رصيد كبير من المعادن المستوردة المساهمة في الصناعات الالكترونية الدقيقة.
وأوضح، أن استغلال الرمال السوداء يضيف قيمة اقتصادية إضافية لمصر، حيث تتوسع مصر في العديد من الصناعات وبخاصة الصناعات المعدنية وإنتاج الطاقة.
ولفت "عزيز" إلى إن الرمال السوداء تحتوي على معادن اقتصادية تدخل فى العديد من الصناعات من أبرزها معدن الروتيل والألمنيت ويستخدم فى صناعة البويات، و معدن الزركون ويستخدم فى صناعة السيراميك والعوازل والخزف والأسنان التعويضية.
وأضاف: "كما يستخرج من معدن الزركون عنصر الزركونيوم الذى يستخدم فى صناعة أغلفة الوقود النووي، وفى العديد من الصناعات النووية والإستراتيجية الأخرى، ومادة الجرانيت ويستخدم في صناعة فلاتر المياه والصنفرة، والماجنتيت الذى يستخدم في صناعة الحديد الإسفنجي وتغليف أنابيب البترول".