«هكذا خدعنى أنيس منصور».. زاهى حواس يروى قصة اتهامه بسرقة تمثال
روى الأثري الكبير ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس، عدة مواقف حدثت وكان شاهدا عليها في كتابه «الحارس.. أيام زاهي حواس»، الذي صدر حديثا عن دار نهضة مصر.
وقال زاهي حواس: «أثناء وجودي كمدير لآثار الهرم نجحت في اكتشاف مقابر العمال «بناة الأهرام»، وكان كشفا مثيرا جدا، بل يعد من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين والواحد والعشرين، لأنه يلقي الضوء على الفترة المبكرة للأسرة الرابعة، ويدحض كل ما قيل بأن الأهرامات قد بنيت بالسخرة، حيث تقع هذه المقابر بجوار الهرم مباشرة بل وتطل عليه، وهو ما يؤكد أنهم لو كانوا عبيدا لما بنوا المقابر في هذه المنطقة، وكنت في قمة السعادة لأن هذا الكشف أكد ما سبق وقلته في محاضراتي حول حقيقة بناة الأهرام، وأنهم مصريون وليسوا كائنات فضائية أو من جنسيات أخرى كما حاول البعض أن يزعم».
وأضاف: «اكتشفت في البداية مقبرة جميلة داخلها تماثيل لأحد العمال في مراحل عمرية مختلفة فحينما دخلت المقبرة مع آخرين وشاهدنا عيون أول تمثال تخرج من المقبرة أزلنا الطوب اللبن فظهر التمثال بالوجه الكامل، فأزلنا الكتل الحجربة لنعثر على أربعة تماثيل لشخص يدعى "انتي شدو" وكان في مراحل عمرية مختلفة، فقد كان الاسم مكتوبا على التماثيل الأربعة لنفس الشخص، كان هناك تمثال كبير له وهو جالس، وعلى يمينه تمثال آخر في وضع الوقوف مصنوع من الخشب قد تحلل والثالث على الجانب الآخر وتمثال رابع».
وتابع: «حدث ان اتفقت على أن أعلن عن هذه التماثيل في مؤتمر صحفي عام 1992، ولكن تصادف أن كان هذا اليوم هو موعدنا مع الزلزال فتم الغاء المؤتمر ولم يتم الإعلان عن الكشف الأثري، فحددت يوما آخر ولكن للأسف الشديد أثبت فيه بأزمة قلبية ونقلت المستشفى على إثرها، بعدها تصادف أن دعاني الناشر إبراهيم المعلم إلى حفل غداء ضم عددا من المثقفين كان من بينهم الكابتن صالح سليم والكاتب انيس منصور، فسألني عن آخر أخبار الاكتشافات الأثرية فأخبرته بقصة التماثيل ومقابر بناة الاهرام ورجوته ألا يكتب شيء عن هذا الكشف لرغبة وزير الثقافة في دعوة الرئيس مبارك للحضور ومشاهدة الكشف وفعلا أعطاني وعدا وكلمة شرف ألا يتحدث عن هذا الكشف، ولكن تصادف أن دعيت بعدها لإلقاء محاضرة في قاعة الدبلوماسيين الأجانب التابعة لوزارة الثقافة ونشرت الصحف أنني سوف أتحدث عن الاكتشافات الاثرية الجديدة، فاعتقد أنيس منصور أنني سوف أعلن عن مقابر العمال والتماثيل الأربعة فبدأ في كتابة موضوع الكشف في عموده اليومي بالأهرام لمدة 6 أيام حتى أنه دعا الرئيس مبارك في إحداها لمشاهدة الكشف».
واستكمل: «ضاعف النشر من قلق رئيس هيئة الآثار وقتها محمد إبراهيم بكر وخوفه من شهرتي وحديث الصحافة عني، وهوما دعاه للاتصال بوزير الثقافة فاروق حسني يشكوني له ويطلب إيقاف نشر مقالات أنيس منصور في الأهرام، واستمر أنيس في دعوة الرئيس لزيارة الحفائر».
واستطرد: «وحدث ما طلبه أنيس منصور فقد عرفت أن خديجة لملوم سكرتيرة الوزير قلبت الدنيا بحثا عني حتى وجدتني وكان ذلك يوم 7 يناير 1993، وقالت لي إن الوزير يقول أن الرئيس مبارك سيحضر للهرم لمشاهدة الاكتشافات الجديدة بصحبة الوزير والرئيس الليبي معمر القذافي الذي كان في زيارة لمصر وقتها، وكانت التماثيل المكتشفة موضوعة داخل مخزن المنطقة الأثرية وكانت المسئولة عن العهدة هي آمال صموئيل مفتشة آثار الهرم، وبما أن يوم الزيارة هو عيد الميلاد المجيد فقد كانت في إجازة، بينما المخزن لا يفتح إلا بمعرفتها، وكل ما فيه هو عهدتها الشخصية، لذا فقد ذهب العقيد عبد الحافظ عبد الكريم ليحضرها من بيها في مصر الجديدة، على أن يتم نقل التماثيل ووضعها على منضدة في ساحة ابو الهول لعرضها على الرئيس وضيفه، ثم إعادتها للمخازن تحت بصر وحماية الشرطة ومسئولية آمال».
وقال: «كنت أشرح المنطقة للرئيس مبارك والقذافي وفاروق حسني، وعندما دخلنا منطقة أبو الهول في الساحة أمام التمثال مباشرة شاهدت بعض الأثرين وآمال صموئيل والشرطة يضعون التماثيل على المنضدة، وبعد ذلك توجهت إلى المنضدة وبدأت أشرح هوية التماثيل، وعندما وصلنا للتمثال القزم واسمه "برني عنخو" بدأت اشرح دور الأقزام في الحضارة المصرية وأن هناك نصا بالكتابة الهيروغلوفية على جانب التمثال يقول: إن القزم هو الذي كان يسلي الملك.، كان التمثال من الجرانيت الأسود فسألني الرئيس مبارك: «مين القزم ده؟»، فأجبته بأنه من السودان، فضحكا لجميع بطريقة هيستيرية، حيث أن ردي أعجب القذافي الذي كان يردد ونحن أمام الهرم إن السودانيين هم من بنوه، وانتهت الزيارة على خير وبنجاح ولم يحضر محمد إبراهيم بكر الزيارة، فقد توجه إلى الزقازيق بومها وبات من الواضح أنه لا يطيقني، ثم فوجئت بعد الزيارة باللواء عزيز مقلد رئيس مباحث الآثار يخبرني أن تمثالا صغيرا يصل ارتفاعه نحو 18 سم، وكان من ضمن التماثيل المكتشفة في مقابر العمال قد سرق، فتعجبت إذ كيف يسرق تمثال أثناء الزيارة وعرفت ان آمال صموئيل نقلت التماثيل من المخزن في سيارة الشرطة وركبت معها في حراسة مخبر وضابط، لذا فإن عملية سرقة التمثال تحوطها علامة استفهام كبيرة، ثم كانت صدمتي حينما وجه لي محمد إبراهيم بكر تهمة سرقة التمثال وللأسف الشديد أيضًا لم أجد أحدا يقف أمام اتهاماته التي كنت أعرف أن الهدف منها هو إبعادي عن الأهرامات، فأصدر قرارا بنقلي إلى آثار المطرية بينما تلك التماثيل لا تقع في نطاق مسئولياتي، وبعد صدور قرار نقلي نشرت الصحف قصة سرقة التمثال ووجهوا لي التهمة دون أي سند، كان هذا التمثال الصغير من أجمل التماثيل التي عثرت عليها، وكانت الصحفية آمال عثمان من جريدة أخبار اليوم قد أجرت حوارا معي أنا وعمر الشريف تحدثنا فيه عن صداقتنا وحبنا للآثار والتقطت لنا صورة مع هذا التمثال قبل سرقته، وللأسف قام أحد الصحفيين غير الشرفاء بإحدى الصحف المعارضة بنشر الصورة مع عنوان «هل سرق عمر الشريف التمثال»، ولم أحب الذهاب إلى آثار المطرية وكان المخرج بالنسبة لي العودة لمنطقة الصوت والضوء كمدير عام لها، وما حدث هو أن الرقابة الإدارية كانت تريد ترقيتي إلى درجة مدير عام لكفاءتي، فقرر فؤاد العربي وكيل أول وزارة الثقافة تنفيذ هذا القرار، لكني رفضت تماما، لأنني لا أريد التعدي على من هم اقدم مني ورغم أنني كنت الأحق من ناحية إنجازاتي، ولكن فؤاد العربي فكر في أن يم نقلي إلى الصوت والضوء حيث حصلت على درجة مدير عام، وبعد حصولي عليها تم ندبي إلى هيئة الآثار ثم تمت ترقيتي بعد فترة صغيرة إلى درجة وكيل وزارة وزاد مرتبي، ولذا فعند إصدار بكر قرارا بنقلي إلى المطرية تقدمت بطلب عودتي للعمل في شركة الصوت والضوء وتركت الآثار، وفي أحد الأيام التقي أنيس منصور ومشينا معا على النيل بالقرب من منزله في الجيزة فقال بالنص:" هذا القرار مش قرار بكر، بكر معندهوش سلطة، بكر بينفذ قرارات الوزارة».
واختتم: «وبعدها بأيام طلب مني مكتب الوزير الحضور للقاء بكر وحسين طلبة وكيل اول الوزارة، وعبد القادر النشار المستشار القانوني للوزارة، وأدركت أنه أشبه بتحقيق صوري، فقد كان بكر يتحدث بثقة بيما حسين طلبة الذي ينفذ تعليمات الوزير بالحرف مشغول عنه تماما، لذا وقفت وقلت لبكر:"" انا سبت الآثار لكن هييجي اليوم اللي هيعرف فيه الجميع أنك لا تصلح أن تكون رئيس للآثار، وهتسيب مكانك وماحدش هيعرف أي حاجة عنك، وحتندم ع اللي عملته فيا" وعدت للصوت والضوء وحصلت على إجازة للسفر والتدريس بجامعة لوس أنجلوس، وبعد عودتي وأثناء جلوسي في فندق هيلتون النيل جاء ضابط مباحث من المطار وقال لي إنهم عرفوا أن الذي سرق التمثال مخبر في شرطة السياحة، وأثري من منطقة سقارة وأنهم قد عرفوا مكان التمثال في ألمانيا ويومها نشرت الصحف هذه الأخبار، وخلال هذه الفترة أقيل محمد إبراهيم بكر وعُين عبد الحليم نور الدين الذي لم يكن هو الآخر يحب وجودي، في ذات الوقت الذي طلب فيه مني فاروق حسني وزير الثقافة أن أعود للآثار أتولى رئاسة آثار الأقصر فقلت له إنني لن اقبل بغير عودتي لآثار الهرم، وهو ما كان حيث عدت لوظيفتي الأولى وكيلا لآثار الجيزة وكانت تشمل الهرم وسقارة والواحات البحرية».