في الذكرى الأولى لرحيله.. سعيد الكفراوي صاحب كشك موسيقى
في مثل هذا اليوم 14 من نوفمبر عام 2020 كان المشهد الثقافي المصري على موعد مع الحزن والفقد، فقد رحل أحد أبرز حراس البهجة، وناسك القصة القصيرة في مصر والعالم العربي “سعيد الكفراوي راهب القصة القصيرة”.
مع إشراق صباح الـ14 من نوفمبر 2020 فاضت روح الكفراوي والذي كتب عن هؤلاء الذين لا تنفذ أمانيهم الباحثين عن عدل مفتقد، أهل الهامش الذين يتجاورون مع الآخر والبعيد والذي لم يأت بعد، الدراويش والهائمون على وجوههم، والسذج والحمقى، وأبناء الموت.
كتب عنهم الكفراوي 12 كتابًا تزخر بالشخصيات والأجواء والمصائر، لتصبح لغته سقف العالم، ومع كل عمل جديد يذهب أبعد ليقفز إلى السطح ويصنع سقفًا آخر عبر قصصه التي وصلت إلى 12 مجموعة قصصية منها "مدينة الموت الجميل"، "سدرة المنتهى"، و"مجرى العيون"، و"بيت للعابرين "، و"كشك الموسيقى".
“الكفراوي” الذي اختار المدينة، ليسكن في أعلى نقطة فيها "المقطم"، ظل يستدعى شخوص قريته، ليكتبها لم يصنع قطيعة معها بل صحبهم معه فستجدهم يقفزون ويلعبون في شوارع المدينة، يحملون همومهم على ظهورهم، ويصدرون البهجة للأماكن وللناس، عاش الكفراوي في كل شخوص قصصه، فكان الطفل، والشاب، وهو الشيخ والولي والقس.
كنت واحد من كثير ممن اقتربوا إلى عالم الكفراوي، كان كلما جمعتنا جلسة به يأخذنا في سياحة فكرية إلى الماضي يقف أمام عمارة القاهرة الخديوية يدهشنا بسرد التفاصيل عن من كان يقطن هنا في تلك العمارات التى نمر جوارها، من بنى وغزل وتفنن في صناعة تلك الزخارف البارزة يروي لنا قصة القاهرة الخديوية وعمارتها، وفنونها وأدابها، ويقفز من القاهرة الخديوية ليحدثنا عن الستينيات، يبتسم بصوت عالٍ وهو يسرد تفاصيل اللقاء الأول الذي جمعه بالنبيل يحيي حقي، ويستعيد شبابه وجلبابه الريفي.
كان الكفراوي، ومازال رغم رحيله يعيش بيننا عبر حكاياته الممتدة والتي تجمعنا وتأثرنا كونه أحد أساطير سحر الحكي والذي لا تغادر البهجة طالما كان الحديث عن مصر التنوير والريادة والحضارة والثقافة والفن، فلا غرابة في أن نقع فى متاهة الكفراوى، لأننا أمام دفتر حكايات طازج، مطبوخ على نار هادئة، هو من هؤلاء القلة الذين يشبهون كتاباتهم، في سحرهم وشغفهم بالماضي، والذي يستدعيه دومًا، ليمر في الحاضر، في شخص القاص الراوي العليم بمجرى ما يحدث في عالمنا.
رحل سعيد الكفراوي، هو أحد رهبان القصة في عالمنا العربي، فهو يكاد يكون الكاتب الوحيد في مصر، الذي ظل مخلصا لفن القصة القصيرة، وكانه من سلالة تكتب عكس الريح، في زمن خطفت فيه الرواية الشعراء وكتاب القصة على حد سواء، ليبقى حارسًا لها ولفنونها.