الباحثون عن دواء.. جِراح «حواء» في عيون الإعلام والدين والطب (فيديو وصور)
كابوس التحرش، والزواج المُبكر، وضياع الميراث، وجرائم أخرى من سجِلات مآسي «حواء»، كانت حاضرة في ندوة لمناهضة العُنف ضد المرأة، بحثًا عن مجتمع خال من الجرائم التي تُتركب في حق المرأة.. الدين والإعلام والطب وأكاديميون وباحثون تحاوروا هُنا من أجل أن يصفوا دواءً لـ جِراح «حواء».
في كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة؛ كانت النقاشات والأرقام والمشاهد الصادمة حاضرة في الندوة التي نظمتها الكلية برعاية الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، والدكتور محمد سامي، نائب رئيس الجامعة لشئون خدة المجتمع وتنمية البيئة، ورئاسة الدكتور عطية الطنطاوي، القائم بأعمال عميد الكلية، بينما أشرفت عليها الدكتورة أميرة شوقي، وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وتنظيم الدكتورة نيفين ساويرس.
ضمت الندوة الإعلامي والكاتب الصحفي الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسي إدارة وتحرير جريدة الدستور، الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، الدكتورة أميرة تاوضروس، المدير التنفيذي لوحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة القاهرة، والدكتورة دينا شكري، أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب جامعة القاهرة.
وقال «الباز» إن الناس يختلفون على دور الصحافة في تناول هذه المشاكل (الجرائم ضد المرأة) وهذا التناول يمتد إلى درجة الاتهام.. الناس ترى أن الصحافة والدراما تُوجه لهم أصابع الاتهام بأنهم سبب من أسباب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع، والحقيقة هو اتهام ـ بالنسبة لي على الأقل ـ غير مُزعج، ويحتاج إلى إعادة نظر ليس أكثر، لأنه يعتبر نوع من الإزاحة السهلة التي تبدوا وكأنها محاولة للبحث شماعة نضع عليها دور كبير من هذه الأزمة، فنقول (يضرب مثال) إن الإعلام يروّج لهذه الظاهرة ، أو لا يواجه هذه الظاهرة بشكل كبير.
وتابع رئيس مجلسي إدارة وتحرير الدستور: دعونا نضع أساس واضح للغاية للدور الحقيقي للإعلام، ليس في مصر فقط، بل في العالم كله.. أن الإعلام لا يخلق العالم؛ بل يُسجله، هذه قاعدة نتعامل بها تعامل مهني، فحينما ينشر الإعلام وقائع أو حوادث بها نوع من العنف، ويصف هذا العنف، فهُنا الإعلام لم يرتكب هذه الحوادث، لكنه نقلها من الواقع إلى عموم القراء.. لكن هُناك تعليل يقول إن النشر يضر، ونحن في الإعلام، أحيانًا نقع بين متناقضين، الأول هو أننا حينما ننشر فإننا نوعي المجتمع بخطورة هذا العنف، ونُحاول أن نضع أمامه العاقبة لهذا العنف، فلا نُكرره، وفي هذه الحالة نقع أمام تشابك يقول إنه حينما ننشر هذه الأشياء، كأننا نقوم بنوع من الاعتيادية، والناس تعتاد على رؤيتها، وتراها أمرًا عاديًا تتجرأ على ارتكابه.. أي حينما يرى المشاهد مشهدًا في الدراما لشخص يقوم بالاعتداء على سيدة، فالغرس الوجداني من المشهد حدث واستوعبه المشاهد، ومن الممكن أن يُكرره.. لذلك، يكون هُناك كود إعلامي، لتنفيذ مشاهد العنف في الدراما، لكن معظم العاملين بالدراما لا يلتزمون به.. هل يُمكننا القول إن عدم تنفيذ هذه الأكواد يعود لأنها أكواد خاطئة؟.. في الحقيقة ليس بشكل كبير.. لا يُمكنني القول إنها خاطئة.. لكن دعوني أدخل من المساحة الإعلامية إلى المساحة المجتمعية.
وأضاف محمد الباز: نبحث عن مجتمع خالي من العنف ضد الإنسان، وليس ضد المرأة فقط، لأنه في الحقيقة؛ في مجتمعات كثيرة مثل مجتمعنا، المرأة تتعرض للعنف مثلما يتعرض الرجل أيضًا.. فالعنف واقع على الجميع بدرجات مختلفة.. والتساؤل؛ لماذا كل هذه الأمور التي تحدث وكل هذه القوانين، والأحكام التي صدرت، ولا توجد استجابة!.. أريد أن أذكركم بواقعة ـ وهي نقلة نوعية ـ هي الأولى من نوعها في القضاء المصري بشكل كامل، وهي واقعة الشاب الذي كان يتحرش بفتاة في المترو، وقامت الفتاة بتوثيق الواقعة، وكان لديها الجرأة أن تُبلغ عنه ولم تستجب للرجاءات التي طالبتها أن تتنازل عن حقها، وبعدها تم القبض عليه، وفي اليوم الذي جرى فيه إحالته إلى للمحكمة، صدر حكم ضده بالحبس ثلاث سنوات لأنه تعرض لأنثى، و6 أشهر لإتيانه فعلًا فاضحًا.. هذه قد تكون المرة الأولى في القضاء المصري الذي يحدث فيه حكم يوم الإحالة، لأن الجلسة الأولى معروف أنها جلسة إجراءات.. هذه كانت إشارة للمجتمع.
وتساءل الدكتور محمد الباز: لماذا نستسلم في الإعلام للمعالجات فيما يخص العنف ضد المرأة ونتوسع فيه ونروجله؟.. لأننا نتعامل في هذه المسألة في ثلاث شخصيات، بمعنى لو قرأنا الأدبيات الصحفية الصادرة من وثيقة الشرف الصحفي والقوانين؛ سنجدها شئ راقي وعظيم للغاية، وتُمثل مجتمع مثالي، لكن المشكلة التي يُعاني منها المجتمع تتمثل في الفجوة بين الأدبيات النظرية والتطبيق العملي.. ولو استمعتوا إلى شخص من كتاب الدراما أو صُناعها، ستجدونه مناصرًا للغاية لحق المرأة... هو هنا سواء في الإعلام أو الدراما، يتحدث عن الشخصية الاجتماعية، هذه الشخصية التي يُصدّرها إلى المجتمع الذي يريد أن تكون صورته مثالية، لكن المشكلة في التطبيق أننا لا نتعامل في الإعلام بالشخصية الاجتماعية، لكن بالشخصية المهنية ، فلا نستطيع في الإعلام أن نعزل أنفسنا عن السياق العام الذي تتحرك به ظاهرة العنف ضد المرأة، وهذا السياق تشُكله، أو تُغذيه، أو له روافد كثيرة جدًا، أولها الدين، فحينما تتحدث مع الناس البسطاء، تجدهم يقولون «ده ربنا اللي قال.. هو أنا اللي قولت!.. ده القرآن».. الناس هُنا مستسلمة للتفسير الظاهر للقرآن، رغم أن هناك تفسيرات كثيرة أخرى تتكلم عن أن اختلاف المقصود بشأن الضرب (ضرب المرأة).
وتحدث «الباز» عن مشكلة أخرى تتمثل في الأمثال الشرقية مثل ترديد عبارة «اكسر للبنت ضلع؛ يطلعلها 24».. حتى السخرية أحيانًا تُشكل جزء من الوعي، وبعض المعاكسات تُشكل عنف، فتجد أن المجتمع يُصيغ «نُكت» في هذا الشأن ـ يقول الكاتب الصحفي، مؤكدًا أن مجتمعنا يُعاني من فقه ذكوري، كما أن بعض الناس تعتبر أن هذا العنف، يُعتبر محاولة من الرجل لإخضاع المرأة لأنه يخاف أن تتفوق عليه، وهو ما يقود إلى تشويه المرأة، حتى في مجتمعات ريفية والحديث عن كونهن «ناقصات عقل ودين».. من يستمع للمادة الإعلامية أو الدراما، يكون متأثر بكل هذه الأشياء، وإذا كنا نُريد حل واضح، فالمشكلة لدينا في منظومة التربية، وأنا أرى أن جزء كبير من الموضوع هو مسئولية المرأة، التي تُرسخ عند ابنها أن شقيقته هي المسئولة عنه وعن خدمته، وإن لم تسمع كلامه؛ يحق له أن يُعاقبها، حتى وإن كان طفل صغير، لكنها (الأم) تُعطيه هذه السلطة.. نحنُ في مواجهة ثقافة لا تُجدي معها الحلول الجزئية.. كل الجهود مُقدّرة؛ لكنها لا تصل بنا إلى نتيجة نهائية.. الظاهرة تحتاج إلى علاج جذري في المجتمعات التي تُشبهنا التي لديها حالة تشوّه في الوعي بشكل كامل.. ليس لدينا تعليم أو ثقافة بشكل جيد، وليس لدينا قناعة بالعدل بشكل جيد، فهذه الظاهرة لن تُعالج سوى بالتطبيق الحاسم والحازم للقانون.. هذا بالنسبة للمدى القريب.. أما المدى البعيد فيدخل فيه الثقافة ونشر الوعي.
كما تحدثت الدكتورة أميرة تاوضروس، المدير التنفيذي لوحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة القاهرة، عن دور الوحدة في مواجهة كافة أشكال العنف ضد المرأة، وأن هناك عقوبات صارمة لوقف أي تجاوزات في هذا الشأن، ولا يتوقف دورها عند حد العنف ضد الطالبات، بل يتولى مسئولية حماية المرأة بشكل عام سواء عضو هيئة تدريس أو موظفة أو عاملة في جامعة القاهرة، كما يُمارس الحماية ضد أي أشكال عنف قد تُمارس ضد رجال من سيدات.
أما الدكتورة دينا شكري، أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب جامعة القاهرة، فطالبت الفتيات من ضحايا التحرش أو الاعتداءات الجنيسة بسرعة الإبلاغ عن الوقائع اللاتي يتعرضن لها، موجهة تحذير لمن تتعرض لأي نوع من الاعتداء الجنسية بضرورة الإبلاغ فورًا عما وقع لها، وعدم الاغتسال أو تغيير ملابسها، للاحتفاظ بأي أدلة إثبات ضد الجاني، قد تكون عبارة عن سائل منوي أو دماء، مؤكدة على أهمية الوقت في الإبلاغ، بالإضافة إلى أنه يجري إعطاء ضحايا الاغتصاب أدوية في مستشفى طب قصر العيني التابعة لجماعة القاهرة، لمنع حدوث حمل، وحمايتهن من الأمراض الناتجة عن الاتصال الجنسي.
كما تحدثت الدكتورة آمنة نصير عن حقوق المرأة في الدين، والجرائم التي تُمارس ضدها من حرمان من الميراث أو حرمانها من حقوقها الشرعية، مؤكدة أن جميعها أفعال ضد تعاليم الإسلام.