في اليوم العالمي للصحة النفسية.. حكايات من دفتر مرضى الوسواس القهري
«كنت أشعر بأن إحداهم يهمس في أذني بأنني سأموت قريبًا»، صوت لازم «بسمة محمود» 27 عامًا تقطن في منطقة المعادي، إحدى مرضى الوسواس القهري، التي اكتشفت مرضها منذ عامين، ولم تجد جهة حكومية تعالجه، في وقت لم تستطع فيه اللجوء إلى العيادات الخاصة بسبب ارتفاع أسعارها.
«ترقب الموت والشعور به يحيط في كل مكان قد يدفعك للتخلص من حياتك»، بسمة توضح: «بداية ظهور ذلك الصوت كان بعد مروري بأزمات نفسية عديدة، بدأت أسمع كأن أحدهم ينبهني بأنني سأموت قريبًا، ولا يسمع أحد ذلك الصوت غيري».
بدأت أفكار أكثر سوءً تحيط الفتاة بأن ذويها سيلقون نفس مصيرها: «تركت عملي ولازمت المنزل خوفًا من الموت بتأكيد ذلك الصوت، فالوسواس مرض لا تستطيع التخلص منه
لجأت الفتاة إلى إحدى المستشفيات الحكومية بحلوان والتي تعتبر الأقرب لها، إلا إنها لم تجد عيادة خاصة لعلاج الوسواس القهري، رغم وجود عيادات لمرضى الاكتئاب والاضطراب النفسي: «الحال لم يكن أفضل في العيادات الخاصة بسبب الأسعار المرتفعة، لازمت منزلي وأحاول التقرب إلى الله فقط دون علاج».
يحيي العالم في الوقت الحالي اليوم العالمي للصحة النفسية، من أجل زيادة الاهتمام والوعي أكثر بالأمراض النفسية غير المتعارف عليها وكيفية التعامل معها مثل مرض الوسواس القهري، وتسرد "الدستور" في التقرير التالي حكايات لمرضى ذلك المرض.
الوسواس القهري، ليس مرض نفسي هيّن فالمنطقة العربية يتنشر فيها المرض بنسبة 5 % بواقع 6 ملايين مواطن عربي يعاني من الوسواس القهري، وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية العام 2017، ويعتبره معهد البحوث الطبية في أمريكا (the stanley medical research institute)، السبب الأول للانتحار عالميًا.
وتعرف منظمة الصحة العالمية الوسواس القهري بأنه نوع من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالقلق، تتميز بأفكار ومخاوف غير منطقية (وسواسية) تؤدي إلى تكرار بعض التصرفات إجباريًا (قهريًا)، مما يعيق حياة المريض.
قبيل انتشار ذلك المرض كانت تعتبره المنظمة يدخل ضمن إطار اضطرابات القلق، لكن بعد انتشاره وتسببه في حالات انتحار عديدة حول العالم، قررت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين عام 2015 فصل اضطراب الوسواس القهري عن اضطرابات القلق وجعله مرض نفسي مستقل.
تعريف المنظمة لفت إلى أن إذا لم يُعالج اضطراب الوسواس القهري فإنه يُصبح مرضًا مزمنًا، وتتدهور حالة الشخص المصاب باضطراب الوسواس القهري، الذي قد يؤدي به في النهاية للتخلص من حياته.
مع التكبيرات الأولى لأذان العصر، كانت «فاطمة التميمي» 32 عامًا، تستعد لأداء الصلاة في وقتها، إلا إنها شعرت بأفكار تدور في رأسها عن الحساب ووجود الله وفائدة العبادات، وكأنها لا تقوى على الصلاة.
التميمي، مصابة بمرض الوسواس القهري، فدومًا ما تزدحم رأسها بأفكار عن الله والدين تصفها بالسيئة: «دومًا ما تأتيني أفكار وكلمات سيئة عن الله وعادة وقت الصلاة فتمنعني عنها، وأشعر بأن لا استطيع الصلاة أو أي عبادة أخرى فتصيبني حالة من الحزن والاكتئاب».
لم تستطع الفتاة لمدة عام ونصف التخلص منذ ذلك التفكير أو إيجاد حل، بعدما لجأت إلى مستشفى حكومية للصحة النفسية بمنطقة المرج التابعة لمحافظة القليوبية، ولم تجد طبيب نفسي يعرف مرض الوسواس القهري، أو عيادة خاصة لعلاجه قبل أن تستسلم لتلك الحالة التي قد تؤدي بها للانتحار.
التميمي تقول: «حين أغلقت جميع أبواب العلاج في وجهي، لجأت إلى دار الإفتاء، فكان الرد أن استعيذ بالله من الشيطان حين تأتي تلك الأفكار وابدأ بالتكبير بصوت عالي، لكن لم يحدث أي تغيير ولم يأت الحل بأي جديد».
ينتشر اضطراب الوسواس القهري بين عامة الناس تقريباً بنسبة 1.2% في الولايات المتحدة، بينما حسب التقارير العالمية فإن انتشار الوسواس القهري حوالي ما بين (%1.1-1.8). وتكون نسبة انتشار اضطراب الوسواس القهري أكثر بين النساء بنسبة قليلة جداً مقارنة بالرجال، بينما يكون انتشار الاضطراب أكثر بين الأطفال الذكور مقارنةً بالأطفال الإناث.
بعض الدراسات في الوطن العربي، تُشير إلى ارتفاع نسبة الإصابة باضطراب الوسواس القهري قد تصل إلى 5%، متوسط العمر للإصابة باضطراب الوسواس القهري في الولايات المتحدة هو 19 عامًا، و25% من المرضى يبدأ عندهم الاضطراب وهم في سن الرابعة عشر، والإصابة بعد سن الخامسة والثلاثين غير متوقّعة.
الإصابة بهذا الاضطراب يبدأ في سنٍ مبكر عند الأطفال الذكور، حيث يبدأ عند 25% منهم قبل سن العاشرة. عادةً الأعراض تبدأ بالتدريج لكن يمكن أن يكون مفاجأً، فإن نسبة التحسّن تكون قليلة، حوالي 20%، وبالنسبة للإصابة بالمرض في فترة الطفولة والمراهقة فإن كثيرا من هؤلاء قد يتحسَّنون مع بداية النضج.