آندى وريد
"آندي"مواطن عادي جدًا، اتحكم عليه يعيش في "شاوشنك"، اللي هي مؤسسة عقابية (سجن يعني). ليه؟لـ إنه أدين بـ ارتكابه جريمة قتل.
كويس، هل الحكم دا ظلم ولا عدل؟ الإجابة الفورية المباشرة: ظلم طبعًا، هو لم يرتكب الجريمة ولا ارتكب حتى غيرها؛ هو مواطن صالح.
ممممم، طب ما نفكر شوية كمان، إحنا بـ نقول كدا عشان إحنا متفرجين على القصة، مش جواها، وعشان بـ نتفرج فـ إحنا "عارفين" إنه ما قتلش، لكن جوه القصة، فيه قانون مسئول عن الأحكام، والقانون دا بـ يحدد الطرق والأدوات اللي ندين بيها فلان أو نبرئ علان.
فيه تحقيق حصل، وكان عادل ونزيه وشفاف، أسفر عن إدانة "آندي"، لـ إنه كان فيه أدلة دامغة ضده، ومفيش دليل واحد في صفه، بـ التالي، لا يمكن وصف الحكم بـ إنه "ظلم". في المطلق كدا ما ينفعش، الظلم فعل له طرفان: ظالم ومظلوم. هو مظلوم لكن السيستم مش ظالم.
صحيح ممكن توصف السيستم دا بـ إنه "قاصر"، بس هو قصور حتمي، مفيش سيستم في الدنيا يمتلك قدرات مطلقة، مستحيل.
اللي ظلم آندي فعلًا، هو القاتل اللي ارتكب الجريمة، بس دا شخص متجاوز الظلم والعدل بـ خمس ست محطات. دا بـ يقتل لـ أتفه الأسباب، وأحيانًا من غير سبب، تقدر تقول عليه مختل، وآندي مجرد واحد من ضحاياه الكتير.
فـ الواقع، إنه ورطة صاحبنا تقدر تحيلها أكتر إلى عبثية الحياة، جاني مختل وعدالة عاجزة.
إنما كل دا مش هو الموضوع، دي بس البداية.
لما آندي هـ يتحبس في شاوشنك هـ يقابل "ريد" (اللي لعب دوره مورجان فريمان) ريد ما عندوش مشكلة آندي، لـ إنه مجرم فعلًا، "عدالة" دخوله المؤسسة مش محل تساؤل ولا شك.
إنما يا أخي ما كانش فيه فرق تقريبًا في تعاطفك معاه ومع آندي، ولو عندك رغبة في إنه آندي يتخلص من شاوشنك، فـ نفس الرغبة فيما يخص "ريد"، وأعتقد إننا كلنا فرحنا لما خد إخلاء سبيل أواخر القصة.
فـ دا يطرح سؤال: هل فعلًا بـ نشكل تعاطفنا بناء على مفاهيم مطلقة زي الظلم/العدل؟ ولا نتيجة موقعنا من الأحداث، وعلاقتنا بـ الأشخاص ورؤيتنا لـ الأحداث؟
إحنا تعاطفنا مع "ريد"لـ إنه الفيلم قدمه بـ اعتباره مش هو نفسه الشاب الصغير اللي ارتكب الجريمة من عشرين سنة، السن خلاه يتبدل، فـ ما بقيتش شايف إنه "يستحق" الاستمرار في العقاب.
القانون كمان شايف إنه، لو اتغير، يستحق إطلاق السراح. بس "اتغير" دي نقيسها إزاي؟ هل لما تسأله إذا كان يشعر بـ إنه "أعيد تأهيله"، فـ يرد: أيوه، دي حاجة كافية؟
أكيد لأ. عشان كدا دايمًا كان بـ يترفض، لما يجاوب الإجابة النموذجية، هو اتقبل لما إجابته اتغيرت، ورد فعله اتغير، وتون صوته اتغير، وكل التغييرات دي وصلت لـ المنظومة، وحست بيها.
يرجع مرجوعنا لـ موضوعنا: إحنا قدام شخصين، آندي وريد. مش مهم جم هنا ليه وإزاي، وهل وجودهم ظلم ولا عدل.
الواقع بـ يقول إنهم في نفس الورطة، كيف يمكن التعاطي معها؟
في تقديري، لا يمكن فهم الفرق بينهم من خلالة ثنائية المقاومة/الاستسلام. أو البطولة/الخنوع. إنما من خلال ثنائية تانية خالص هي الأمل/اليأس.
المقاومة والاستسلام مرتبطين بـ موقفك من المنظومة اللي بـ تواجهها، المنظومة اللي حاطاك جوه هذا السجن.
البطولة والخنوع مرتبطين بـ إرادتك إنت، قدراتك على الإتيان بـ أفعال، من شأنها الخلاص من الأزمة.
إنما الأمل واليأس مش مرتبطين لا بيك ولا بـ السيستم، إنما بـ الواقع كـ كل، وعلى نحو عملي بـ المعادلة اللي بـ تحكم الأمور، والعلاقة بين المتغيرات فيها.
عشان كدا كانت الجملة العبقرية اللي قالها "ريد": "الأمل خطير". دي جملته، وفعلًا الأمل خطير فعلًا، اليأس مريح. لـ إنه بـ يخليك تستقر. صحيح على وضع سيئ، بس مهما كان سوءه، مسيرك تتعود عليه، وتتكيف معاه.
إنما الأمل بـ يدفعك لـ الحركة، والحركة بـ تفتح باب الاحتمالات، وزي ما الاحتمالات دي فيها النجاة، كمان فيها الهلاك.
مش بس كدا دا إنت ممكن كمان تتعرض لـ الاحتمال الإيجابي وهو الخروج من شاوشنك، لكن مين قال إنه دا أفضل؟
ما بروكس خرج وما تحملش وانتحر، فـ هو "خطير". قد إيه التعبير دا دقيق.
لكن رغم الفارق الكبير بين الأمل واليأس، هم الاتنين حققوا الخلاص، وإن اختلفت الطريقة، وتنوعت المسارات.
الأمل هو اللي خلى آندي يخرج. صحيح بعد أهوال بس لولاه ما كانش هـ يخرج، ليه بـ أقول إنه الأمل مش المقاومة، لـ إن مسار آندي ما كانش على طول الخط ضد المنظومة، بـ العكس، هو تماهى معاها، وشارك في تفاعلات القائمين عليها، الطيب منها والرديء، لـ درجة إنه بقى مجرم فعليًا: شريك ومنظم لـ عمليات استيلاء على أموال.
الخلاص ما كانش معناه تطبيق العدالة، إنما معناه الخلاص.
هو لما لقى بصيص أمل، لما اتعرف على قصة القاتل الفعلي، راح لـ مأمور السجن، وعرض عليه صراحة إنه هـ يتستر على مخالفاته وجرائمه، مقابل إنه يفتح التحقيق تاني.
لكن التماهي مع المنظومة مش هو الحاجة الوحيدة لـ إنه مش هـ يخليها تحن عليك، إنما التماهي كـ جزء من خطة خداع، يعني تشاركهم جرائمهم وكمان شريك مش أمين، فـ الأمل ودى آندى في سكك مش سالكة، خطر فعلًا، لكنه أدى بيه لـ الخروج.
يأس ريد صحيح ما خلاهوش يخوض المهالك، لكن لما تمكن منه تمامًا، وبقى فعلًا مش فارق معاه يخرج ولا يفضل، ولا حتى يموت، سلوكه مع اللجنة اتغير، وتون صوته ووووووو، فـ أطلقت سراحه.
طيب، لو كان آندي كان عنده يأس ريد، وريد عنده أمل آندي، كيف يكون الوضع؟
الواقع، إنه لو الأمر معكوس ما كانش حد فيهم خرج، ولا تخلص من المنظومة.
لو ريد كان عنده أمل آندي فـ هو لا يمتلك مهاراته، فـ كان هـ يروح لـ المخاطر والهلاك، من غير درع.
ولو آندي كان عنده يأس ريد، فـ هو لا يمتلك بساطته، ومستحيل اللجنة تقتنع إنه بقى شخص لا يمثل خطرًا، مجرد جثة متحركة.
فـ يعني آندي وريد هما الإثبات إن الأرض كروية، لو "س" بدأ من نقطة واتجه شرقًا، في خط مستقيم، و"ص" بدأ من نفس النقطة واتجه غربًا في خط مستقيم، هـ يوصلوا في الآخر لـ نفس نقطة النهاية.
إذن إيه: طولها زي عرضها. وفاضية زي محملة، وسبحان من له الدوام.