النادى والقبيلة
تشجيع نادي ما هو بديل عصري لـ الإنسان عن فكرة "القبيلة"، اللي هي حاجة غريزية تقريبا لا غنى عنها.
لما بـ أقول "القبيلة"، مش بـ أقصد بس الصورة الذهنية بتاعة "قريش" مثلا، أو قبائل العرب، ولا قبائل أي قوم نعرفهم، بـ أتكلم أقدم من كدا كتير.
لما كان البشر بـ يعيشوا في جماعات، كل جماعة قليلة العدد تتحرك كـ وحدة واحدة، تمارس كل أنشطتها معا، والأنشطة دي كانت بـ الكاد هي الحفاظ على البقاء أحياء: البحث عن طعام، عن ماء، عن مأوى.
كانت حياة الإنسان الفرد متعلقة، حرفيا مش مجازا، بـ هذه الجماعة/ القبيلة اللي بـ ينتمي لها، من غيرها لا يعرف ياكل ولا يشرب، ولا يأمن على نفسه من أي خطر، يعني لو خرج منها ساعتها نقول عليه يا رحمن يا رحيم.
بـ طبيعة الحال، ولـ ندرة الموارد بـ صورة فوق المتخيل، كان بـ يحصل تنافسات صفرية بين قبيلتين/ قبائل مختلفة، وتدور معارك مفيهاش "أنا وإنت"، فيها "يا أنا يا إنت".
بـ التالي، انتماء الإنسان لـ قبيلته مش بس إنه يساعدها وتساعده في الحصول على الحياة إنما يتضمن كـ ذلك ضرورة سحق الخصوم، وعدم إعطائهم أي فرصة يشموا نفسهم.
الإنسان فضل كدا قرون وقرون وقرون، صحيح تطور شكل القبيلة، وما بقاش الارتباط بين الفرد وبينها بـ هذه الصورة الفيزيائية المحضة، لكن فضل يعتمد عليها بـ شكل جذري.
العرب، لما كان إنسان يقابل إنسان تاني ما يعرفوش، ما كانش أول سؤال بينهم: إنت اسمك إيه؟ ولا بـ تشتغل إيه؟ ولا ديانتك إيه؟ ولا أي حاجة تانية، كان دايما السؤال: ممن؟ يعني مِن مَن؟ يعني قبيلتك إيه؟ لـ إنه على هذا الأساس هـ يكون التعامل معاك.
الشاعر العربي اللي كان من قبيلة اسمها "غزية" قال:
وما أنا إلا من "غزية"، إن غوت
غويت، وإن ترشد "غزية" أرشد
يعني أنا من قبيلة غزية، لو اتبعت الغواية/ الباطل، فـ أنا كمان هـ أكون على الباطل، ولو بقت في طريق الرشاد، فـ أنا كمان راشد، واستمرت الحياة كدا كمان قرون وقرون وقرون.
في العصر الحديث، بداية من الثورة الصناعية، الشكل القبلي دا هـ يواجهه أنماط جديدة من الحياة، فـ الدنيا هـ تتغير، والعلاقات مش هـ تبقى هي هي، والمجتمعات هـ تمر بـ أطوار مختلفة.
صحيح مش كل المجتمعات زي بعضها، ولا كلها تخلت عن الشكل القبلي بـ نفس المقدار والكيفية، بس الشكل القبلي اهتز.
إنما فضل داخل الإنسان ذلك الاحتياج الغريزي البدائي لـ "قبيلة" ينتمي لها، انتماء شبه مطلق، يمكن كمان مطلق: قبيلة تقاتل وتسعى لـ سحق الخصوم.
فيه حاجات كتير لعبت دور القبيلة دا: الانتماء السياسي/ الأيدلوجي/ الفني/ الديني/ الجندري/ الوطني/ وغيره وغيره وغيره، ممكن الإنسان يفرغهم من مضمونهم ويحولهم لـ "قبيلة"، ويتعامل مع انتمائه بـ نفس المنطق.
لكن كل هذه الانتماءات لم تفلح بـ نفس الدرجة، زي فكرة "النادي"، لـ عدة أسباب أهمها إنه "النادي" هو رمز بيور، موضوع مفيهوش متغيرات تانية، ولا مرتبط بـ مصالح مثلا، "النادي" أصلح حاجة لـ ملء فراغ المجاز الخالد.
ثانيا، كون الكورة تنافسية وفيه "نتايج"، وكل ماتش بـ ينتهي بـ "مكسب" و"خسارة"، ثم كل بطولة كـ ذلك، بل يكاد يكون كل لعبة ليها ناتج ما، فـ دا فيه إشباع لـ فكرة المنافسة اللي هو أمر أساسي في الانتماء.
المهم، هذا التفسير الذي أقدمه بـ يخليني أعمل حاجتين..
أولا: مش بـ أمنع نفسي من فكرة تشجيع نادي وإشباع هذا الأمر الغريزي، دا أفضل كتير من إشباعه في مناحي تانية تكون جادة وفارقة، فـ أقدر أعيش حياتي من دون هذا التحيز المطلق.
لكن فيه حاجة تانية، وهي إني لا أسمح لـ هذا الانتماء بـ إني يلغي عقلي، الموضوع عامل زي باقي الغرايز، إشباعها ضروري، لكن الانغماس فيها لـ النهاية مهلك.
تشجيع الكورة بـ منطق الشاعر مع غزية بـ الضرورة هـ ينسحب، ويشمل بقية حياتك ونشاطاتك، فـ بـ اختصار يعني/ تشجيع نادي ما في حد ذاته هو نوع من الجنون، فـ إذا كان فيه ضرورة ما لـ ممارسة الجنون، فـ فيه ضرورة أكبر إنك تمارسه بـ عقل.