اختراق روسى لوسائل الإعلام الأوروبى من أجل «التضليل»
حدث هذا الصراع الإعلامي الاستخبارى الأمني، وأعلن عنه، وكشف في تقارير، قد نستغرب (نحن في الإعلام العربي) أن ما حدث، وضعت عنه خلاصات سرية، في دراسة استهدفت مجموعة من المواقع ووسائل الإعلام الإخبارية الأوروبية العملاقة.
- هل وقع الإعلام الأوروبي فعلًا ضحية تضليل من روسيا الاتحادية، بتمويل من "الكرملين" بالذات؟
سؤال صعب، لكن الإجابة تقول إن هذا حدث، ليس في أوروبا، بل- وغالبًا- استهدف إعلام في المنطقة العربية والشرق الأوسط وتركيا وصولًا إلى الولايات المتحدة وكندا وغير دول كثيرة.
صممت أجهزة إعلامية رقمية ولها ارتباطات أمنية، خططًا لحملات إعلامية مدسوسة، ودعاية بهدف تضليل الرأي العام وصناع القرار في دول أوروبا والمنطقة، وهي حملات على منصات ومواقع مؤيدة لروسيا وللكرملين، الذي يحاول أن يكون ثقلًا إعلاميًا مؤثرًا على مراحل صنع القرار في العالم.
أوروبا، كشفت عن تعرض المواقع الإعلامية والأكاديمية بها ومؤسسات الدراسات المرئية والمسموعة الإلكترونية، لتغيرات وتشويش وهكرز، أدى إلى إحداث عمليات منظمة لها (تأثير كبير مختلف عن السائد).
خطط التضليل ركزت على تحليل وبث وتشويه وتغيير منصات وأيقونات ونوافذ التشبيك مع الرأي العام، بما في ذلك "تعليقات القراء والجمهور" على محتوى الصحف والفضائيات والمواقع الإعلامية بالخصوص.
حدث ذلك وترك بصمات خطيرة على قراءات أثرت علي مدى الاستجابة لما يعرف إعلاميًا بـ"القصص الإخبارية" و"استطلاعات الرأي العام"، والأخبار العاجلة المفبركة.
جامعة كارديف البريطانية، كشفت في تقريرها عن خطورة هذا التضليل الإعلامي المقصود، الذي استهداف 32 وسيلة إعلام أوروبية وغربية، ونال التهكير والبركة من خانات وتطبيقات معنية بـ"تعليقات القراء والجمهور على مواقع الصحف والقنوات والمجلات على شبكة الإنترنت"، والتقرير يصف الأمر بأنه، حالة إعلامية سياسية وأمنية أدت إلى عمليات تضليل وتلاعب ضخمة، عبر مؤسسات وجهات سيرت "أشخاصًا"، يؤكد تقرير جامعة كارديف أنهم موالون لروسيا الاتحادية وبدعم من الكرملين!
يعاني عالمنا من مسألة أخلاقية، مهنية، وسياسية وأمنية، جراء هذه الممارسات المؤثرة على أداء الإعلام وحريته، ورصد معهد أبحاث الجريمة والأمن بجامعة كارديف، الكيفية التي بدت بها أفكار السياسة الروسية، من عملية التأثير الإعلامي- الجماهيري؛ الذي أجريت عليه عمليات تضليل لفترة زمانية متعلقة بأحداث أوروبية وعالميّة وأممية متباينة.
قصة من قصص ألف ليلة وليلة، وخيار في التعليقات وحرف مسار الأحداث والنتائج، والسؤال:
هل فشل الإعلام الروسي في التأثير، والقوة التي كانت لها حضورها في أزمات العالم منذ القرن الماضي؟
استهداف لا أخلاقي، عمد إلى تضليل وفبركة نتائج وقصص وصراعات، لغايات «التأثير» في الرأي العام المؤيد (من الغرب) إلى (روسيا)، والعكس، ما جعل أثر ومصداقية ووعي وحدود مقاييس الرأي العام تختلف(سلبًا/ إيجابًا) وطال ذلك كبريات وسائل الإعلام والصحف والفضائيات الأوروبية، التي كانت هدفًا لمحاولات مسيسة بالكامل لصنع "التأثير".
الكرملين وعناصر التضليل الروسي، نالا من امبراطوريات إعلامية أمثال: ديلي ميل- Daily Mail في المملكة المتحدة، والتايمز- The Times، ودير سشبيغال- Der Spiegel ودي والت- Die Welt الألمانية، والفيغارو Le Figaro الفرنسية ، وستامبا - La Stampa الإيطالية، ومواقع أخرى محلية.
في التحليل الأخلاقي لماهية التضليل والبركة، أتاحت الدراسة تصورات عن ما حدث ، لما لا يقل عن 242 مقالًا- باللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية- تتعلق بالمصالح الأمنية والإعلامية والجيوسياسية لروسيا الاتحادية، صنفت المؤثرات على هيئة تعليقات أو ردود أو أفلام فيديو المواطن الصحفي، أو تغير في النتائج وتشوية الحقائق، رافقها عمليات ممنهجة من تعليقات خطيرة، بين جدل وهزل لغايات استفزازية موالية لروسيا(...) والنتيجة معادية للقارة الأوروبية وللنظرية الغربية في الحياة والإعلام والثقافة والأعمال والسياحة والتعليم.
التضليل الإعلامي، في هذه القضية كان بمثابة أساس لمقالات أو منشورات، أو تعليقات أو رسوم كاركاتورية أو صور، وردت في وسائل الإعلام والقنوات الناطقة بالرؤية، منها وكالة الصحافة العامة ريا نوفوستي أو مجموعة "باتريوت ميديا غروب" المرتبطة برجل الأعمال يفغيني بريغوجين الداعم الاعلامي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبالعودة الي العام 2018، عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على 19 روسيا، من السلسة ورجال المال والأعمال والإعلام، تتهمهم بالتدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016 من خلال تنظيم، منصات أدت الى هجمات إلكترونية روسية معادية للولايات المتحدة، كان منها بحسب كارديف، وكالة أبحاث إنترنت تتخذ من سان بطرسبرغ مقرًا لها، اتهمت بإدارة حملة تضليل عبر الإنترنت للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
الدكتور مارتن إينيس، مدير معهد أبحاث الجريمة والأمن في جامعة كارديف، وضع تعليقات مهمة على القصص المثارة، ويرى أن العودة الرقمية إلى أساليب التضليل، تسلط الضوء على التهديد المهني والأخلاق الذي تشكله المعلومات المضللة على الإنترنت التي تدعمها الدولة الروسية على الديمقراطية والرؤية الغربية.
"إينيس"، يضعنا في العالم خارج القارة الأوروبية العجوز، أمام استحقاقات الحاجة إلى مؤسسات بحثية تراقب وتحلل هذه الاختراقات وبالتالي الكشف عنها، وتعريتها ضمن نطاقها العالمي والأممي، فهناك من يبحث عن الجهات التي لها قدرة سياسية اقتصادية وإعلامية، يحمل تضليلها نحو المنصات الإعلامية، ويعمد إلى معالجة، الاختلافات ويعيد رسم الحقيقة.
إلى ذلك، يجب ألا ننسى ما أعلنته "مايكروسوفت" من تحذيرات لمستخدمي "ويندوز" من خلل يساعد على قرصنة أجهزتهم، وبالتالي إحداث حالات التضليل والتلفيق الإعلامي، وفي الولايات المتحدة، قالت تقارير استخبارية واسعة الاطلاع إن "وحدة تجسس خاصة" صينية نجحت في قرصنة 30.000 ألف مؤسسة إعلامية وأمنية وأكاديمية ومراكز أبحاث أميركية".
في المستوى الرسمي، يعرّف الاتحاد الأوروبي "المصادر الموالية للكرملين" بأنها هي التي "تقوم بهندسة المعلومات المضللة"، في شهر مارس 2020، وجه الاتحاد الأوروبي الاتهامات الموثقة (رسميًا وعبر البروتوكول الخاص) التي كشفت عن أن وسائل إعلام روسية قريبة من الكرملين تعمل على "تعريض حياة الناس للخطر" عبر حملة تضليل حول جهود مكافحة وباء كورونا الجديد، كوفيد 19.
في مقاومته لحملات التضليل الإعلامي الخطيرة، عبر وزير الخارجية الأوروبي" جوزيف بوريل" بشكل مباشر إلى أن "حملة تضليل حول كوفيد-19 تتكثف ومصدرها هو إما روسيا أو يمكن نسبها إلى كيانات معروفة بأنها موالية للكرملين". وأضاف "لدينا تواصل مع روسيا، لكن الروس يجيبونا "كلا ليس نحن".
في عالم التهكير والتضليل وفبركة الاخبار، مجهول عميق، لكنه مؤثر وقاتل، تلعب به، ومن خلاله وسائل الإعلام والأجهزة المتعددة حول العالم لعبة القط والفأر، فالكل يرى نهاية حلقات توم وجيرى، صدامًا واتفاقًا، حلولًا خيالية، ليستقر الحال"فطريًا" في حدود أن قوة السياسة والمال وانعدام الأخلاقيات، تقلق الإعلام الحر، والنظام للحياة والثقافة وللحقيقة والعدل.