الخبرة والعلم
بـ شكل إجرائي، يمكننا التمييز بين 3 سبل، لـ إدراك الإنسان الموجودات من حوله، والتفاعلات اللي بـ تحصل بينها: هي الخبرة والمعرفة والعلم.
لو تصورنا التلات سبل دول، مشدودين على حبل، فـ الخبرة تحتل أحد طرفيه، والعلم يحتل الطرف التاني، والمعرفة تحتل المساحة الوسط، وهي الأكبر بين جميع السبل.
خلينا ناخد الطرفين: الخبرة هي ما يدركه الإنسان بـ تفاعله المباشر والعملي مع الموجودات، سواء كوّن تصورات عنه، أو لم يكون. لكنه في النهاية لا يصوغ هذه التصورات في صورة "معلومات" قابلة لـ التداول.
البشر، ولـ حد وقت قريب جدا، كانوا بـ يعتمدوا على الخبرة بـ صورة أكبر كتير من غيرها، بل إنه المجتمعات الأقل تحضرا، ما زالت تقدس الخبرة، وتثق فيها أكتر، والثقافة الشعبية تقول لك: "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"
المصريين مثلا اعتبروا الخبرة جزء من المعرفة، واستخدموا الفعل "يعرف"، بـ معنى اختبر نشاطا ما، أو يجيده: يعرف يسوق، يعرف يخيط، يعرف يعدي الشارع، ودا اللي خد باله منه الأبنودي لما قال:
"وعرفنا الهوى
قبل ما نعرف
إيه هو الهوى"
أي اختبرنا الحب عمليا، قبل أن نكون عنه تصورات نظرية.
الواقع إنه الخبرة بـ تحقق نتايج مبهرة في أحيان قلت أو كثرت، واحد زي حمو بيكا هل حضرتك متخيل إنه لا يملك "إدراكا" لـ الواقع من حوله؟
واحد زي كمال الشاذلي هل يعرف يكتب سطرين في العلوم السياسية؟
هل يستطيع نجيب ساويرس إنه يلقي محاضرة عن الفرق بين آدم سميث وكينز؟
بل حتى في أمور العلم، كم مرة صادفت كهربائي، أو نجار أو خراط، أو ميكانيكي أو مصور، أو أسطى إضاءة أو أي مهنة، بـ ما في ذلك الكومبيوتر نفسه، وتحسه عبقري، وبـ يحقق نتايج مبهرة.
إدراك الكون بـ"الخبرة"، هو طريقة الإنسان الأقدم، بل ربما تكون الأكثر فاعلية، لـ إنها بـ تدرك الأشياء، من غير "عازل" عنها، حتى لو كان العازل دا، هو العقل نفسه.
حلو، ما نعتمد بقى على أهل الخبرة دول، ونفكنا بقى من المعرفة والعلم.
الواقع إنه ما ينفعش عمرك ما هـ تقدر تمشي لـ قدام اعتمادا عليهم فـ حسب، ليه؟
أولا، من حيث القدرة على التداول، فـ الخبرة محدودة جدا، لـ إنه هذا الشخص، طالما مش قادر يصوغ إدراكه، في صورة معلومات، فـ قدرته على نقلها محدودة لـ الغاية.
ثانيا، هي مش بس، غير قابلة لـ التداول بـ صورة كبيرة، إنما كمان مرتبطة بـ شخص صاحبها، وما يمتلكه من مؤهلات.
السيد الضوي مثلا حتى لو أدرك إزاي بـ يقدر يوقف الكورة كدا بـ هذا الشكل الساحر، ونقلها لـ لاعب تاني، اللاعب التاني دامش هـ يمتلك الصفات العضلية والعصبية اللي تؤهله يعمل نفس الحاجة.
ثالثا، قدرة الخبرات البشرية على خلق تراكم، ضعيفة جدا وبطيئة جدا، عدم القدرة على خلق تصور وصياغته، يفقدك القدرة على التفكيك والتركيب، من ثم، مش بـ يبقى فيه طريقة لـ التنظيم، فـ مفيش طرق لـ البناء على ما سبق إنجازه، مفيش تطوير سعادتك.
حاجات كتير تمنع الخبرة من إنها تكون الطريقة الأمثل، لـ إدراك البشر عالمهم، والبشر هنا، بـ أتكلم كـ مجموع، مش كل فرد على حدة، لكن دا مش معناه التشكيك المطلق فيها، وإنكارها بـ الكلية.
مش بـ الضرورة إنه الحاجات تلغي بعضها، ولا حتى تكمل بعض، ممكن تتجاور عادي، والحياة تستمر.
العلم بقى، بـ يمشي عكس كدا خالص، خلينا نشوفه في مقال جي