التفكير الخرافي
التفكير الخرافى هو أحد أعداء حلم النهضة، يتخفى أصحاب التفكير الخرافى أحيانًا خلف ستار الدين، وفى أحيان أخرى يظهرون بوجوههم سافرة، الدين يدعو إلى الأخذ بالأسباب، ولكن مروجى التفكير الخرافى ينكرون ذلك، هذه القضية ليست قضية ذهنية ولا تهم النخبة فقط.. هذه قضية لها علاقة برغيف العيش وفاتورة الكهرباء والغاز وكل تفاصيل الحياة.. كلنا نحلم بأن تتقدم مصر.. كى تتقدم مصر يجب أن تكون لدينا صناعة قوية.. كى تكون لدينا صناعة قوية يجب أن يكون لدينا بحث علمى قوى.. كى يكون لدينا بحث علمى قوى يجب أن نؤمن بالعلم وأن نحبه.. العلم ضد التفكير الخرافى، وللأسف نحن لدينا من ينشرون التفكير الخرافى.. وأنا صبى صغير كنت أستمع لخطيب مسجد فى حى شبرا.. كان الرجل مأذونًا شرعيًا للمنطقة وصاحب المسجد والمستوصف الملحق به.. كان زعيمًا دينيًا للمنطقة، فضلًا عن عضويته فى الحزب الوطنى الحاكم.. هذا الرجل كان يقول للمصلين نريد أن نطبق الشريعة؛ لأن الله سيكرمنا فى هذه الحالة، ويتفجر لدينا البترول مثل البلد الفلانى الذى يطبق الشريعة؛ لذلك ظهر لديه البترول ويكسب المليارات كل صباح.. هذا الرجل نموذج للتفكير الخرافى.. ظل أربعين عامًا على الأقل يقنع الملايين بأن الحل ليس فى العلم ولا العمل ولا الابتكار، ولكن فى تطبيق الشريعة حتى يتفجر البترول!! هذا الرجل جاهل لا يعرف أن البترول يتواجد فى باطن الأرض لأسباب جيولوجية، وأنه موجود فى روسيا وفنزويلا وأمريكا وفى دول تدين بديانات مختلفة.. هذا الرجل كان يوجد مثله آلاف فى أحياء مصر ومدنها المختلفة، وهم بكل تأكيد أحد أسباب انتكاسة مصر.. من أشكال التفكير الخرافى مثلًا أن تنتشر تعليقات تربط بين فوز البطلة المصرية فريال أشرف بذهبية الكاراتيه فى طوكيو وبين ارتدائها الحجاب.. هذا التفكير الخرافى يلغى دور التدريب والموهبة والإرادة فى صنع البطولة ويقول إن السبب هو ارتداء البطلة الحجاب.. تفكير ساذج ومتواكل ويفضح نفسه بنفسه.. الأبطال يفوزون بالعرق والجهد وليس بسبب دياناتهم ولا أزيائهم.. البطلة المصرية رنيم الوليلى فازت ببطولة العالم فى الاسكواش وهى لا ترتدى الحجاب.. الميداليات الذهبية فاز ويفوز بها بوذيون وهندوس وملحدون ويهود ومسيحيون وشيعة لأسباب لها علاقة بالعمل والجهد والتدريب وليس لأى شىء آخر.. الدين علاقة بين الإنسان وربه يحاسبه الله على تفاصيلها فى الآخرة، وأى كلام غير هذا هو زرع التعصب والخرافة والتواكل.. بداية إحياء هذا التفكير الخرافى مرة أخرى كانت على هامش حرب أكتوبر المجيدة حين تطوع الشيخ عبدالحليم محمود وقال إن الملائكة عبرت مع جنودنا قناة السويس.. قد تكون هذه خاطرة روحية أو لمحة صوفية، لكن الحقيقة أن جنودنا انتصروا فى الحرب بسبب العزيمة الصادقة والتدريب الشاق والفكر العسكرى المتميز والاستعانة بالعلم «فكرة إزالة الساتر بالمياه مثلًا».. استمر زرع هذا التفكير الخرافى فى عقول المصريين خمسة عقود كاملة، وكانت جماعة الإخوان الإرهابية هى الراعى الأكبر لهذا التفكير، وللأسف كان بعض الإعلاميين والصحفيين والمسئولين يتعاونون معها فى هذه الجرائم بدعاوى مختلفة.. فى بداية الألفية كان عضو جماعة الإخوان زغلول النجار يكتب صفحة مليئة بالترهات فى أكبر جرائد مصر.. كان الرجل يستغل تقديس المسلمين القرآن الكريم ليحشر أكبر مجموعة من الخرافات والأكاذيب بدعوى الإعجاز العلمى للقرآن الكريم.. القرآن الكريم فوق كل شىء.. لكن الرجل كان يكذب ويقدم أسانيد مغلوطة على ما يقول إنه حقائق علمية.. كان مسئولو الإعلانات فى الصحيفة يقولون إن مقاله تصاحبه إعلانات كثيرة جدًا فى عدد يوم الإثنين وإنه من المستحيل إلغاء المقال أو الاعتذار عن نشره.. كانت الإعلانات هى الرشوة التى يقدمها الإخوان لاختراق المؤسسات الإعلامية المختلفة.. وكان من يقبلون رشوة الإخوان كثيرون للغاية فى ذلك الزمن العكر.. هذه الأفكار الخرافية ما زالت لها رواسب فى طريقة تفكير المصريين، وما زالت تعوقنا كمجتمع عن النهضة.. نحن مجتمع يؤمن بالدين الوسطى المعتدل، لكن لا يجب أن نسمح للخرافة بأن تشوش طريقة تفكيرنا ولا أن تقف حائلًا بيننا وبين اللحاق بالعالم.. هذا دور الدولة ومؤسساتها.. ومعركة لا تقل عن معركة البناء والتعمير بل هى جزء رئيسى منها.. والله ولى التوفيق.