أنور مغيث: «الكوميكس» فن يحتاج إلى سقف مرتفع من حرية الإبداع (حوار)
ترجم الدكتور أنور مغيث، الرئيس الأسبق للمركز القومي للترجمة، رواية الغول وهي رواية من ثلاثة أجزاء هي «نوم الوحش» و«٣٢ ديسمبر» و«موعد في باريس ». والتي صدرت ضمن مجموعة من كتب الكوميكس طرحتها دار المحروسة للنشر والتوزيع.
«الدستور» قابلت الدكتور أنور مغيث، للحديث حول ترجمته للرواية التي قام برسمها فنان الكوميكس البوسني الشهير أنكي بلال، وكان هذا الحوار..
• ترجمت كثيرا في الفلسفة فما هي دوافعك لترجمة عمل كوميكس للعربية؟
هناك دوافع شخصية لـ ترجمتي للقصة المصورة “الغول” والتي نشرت عن دار المحروسة للنشر والتوزيع. أنا سافرت من مصر بعد الليسانس إلى فرنسا وكان لدي اعتقاد أن الكوميكس هو للأطفال، ولكني رأيت في فرنسا أن الكوميكس فن كبير يخاطب الكبار ومجال واسع للتعبير التشكيلي، ورساموا الكوميكس فنانين كبار، وليست مجرد أشياء لطيفة للأطفال، وقرأت هناك الكثير من الكوميكس ووجدت أن هناك أيضًا تبسيط للأعمال الكبيرة مثل الرواية الشهيرة "الزمن المفقود" لمارسيل بروس.
أعجبني الفنان أنكي بلال، الرسام البوسني وهو فنان بارع، والموضوع توقف هنا ولم يكن في خيالي أنن سوف اترجم، وبدأت الترجمة حين وجدت الأصدقاء في دار المحروسة يقولون أننا نريد أن نترجم كوميكس للكبار، وأشاروا إلى قصة “الغول” لأنكي بلال، وأنا متذكر لهذه القصة وكنت متأثرا بها جدا قديما، لأنها تحكي عن ثلاثة أطفال ولدوا على سرير واحد في مستشفى يتم تدميرها تماما في الحرب الأهلية اليوغسلافية، بين الصرب البوسنة، كبروا وانخرطوا في مغامرات العالم المجنون والإرهاب الدولي ومأساة تمزيق وطن، هم أولاد لا يعرفون إلى من ينتمون، هل إلى الصرب أم إلى البوسنة، والرواية لها بعد فلسفي عميق ومن هنا فقد تحمست لترجمتها.
وكيف ترى تأثير هذه الخطوة على دور النشر والهيئات؟
آمل أن تكون هذه بادرة للاهتمام بفن الكوميكس للكبار وتشجيع الأدباء والرسامين المصريين على عمل كتب كوميكس جادة، وأن نعرف مؤلفوا الكوميكس المشهورين في ألمانيا وأسبانيا وأمريكا لأن أنكي بلال هو فنان بوسني لكنه يرسم وأعماله تظهر في فرنسا.
كانت هناك محاولات كثيرة للكوميكس في مصر ومنها «مترو» لمجدي الشافعي. ويحكي الكثيرون عن معوقات تحول دون البدء في رسم كوميكس مصري، في رأيك ما هي أهم هذه المعوقات؟
القيود التي تفرض على حرية الكتابة، فالكوميكس مجال تعبيري وهو رسم وليس صور واقعية، وسنظل نقول أن هذه صور خارجة وهذه صور تخالف معتقداتنا وطبيعتنا، فنحن من البداية نجعل الفنان يعزف عن المغامرة، ولكن حين تتيح حرية الإبداع، فمثلا من ضمن ملامح الكوميكس الاستسهال في استخدام الألفاظ الخارجة الشائعة في الشارع في فرنسا وإنجلترا، فلكي يكون الكوميكس قريبا من القراء يجب عليه أن يكون قريبا من الشارع، وهذا لا يمثل أي مشكلة الآن، ولا يوجد من يقول أنني وجدت كلمة “أبيحة” في رواية أو كتاب، ولن يتحول مؤلفها إلى شخص “قليل الأدب” في اليوم التالي، لكنه سيظل رجل محترم، ولكنه يستمتع باللغة الصريحة والبسيطة فلابد إذن أن تكون هناك حرية إبداع.
الأمر الآخر هو أن الكتاب لا بد أن يتحول إلى سلعة جدية، ويستحق الإنفاق عليه، لأن الكوميكس فن مكلف جدا من حيث الرسم ورق الطباعة، وهذا يجعل النسخة مكلفة وتباع بسعر غالي الثمن.
وهنا الكتب في قصور الثقافة أسعارها رخيصة جدا، وحين تجد كتابا بـ50 جنيها يكون سعره كبير في رؤية القارئ، ولو أن الشيشة بـ50 جنيها فلن يعترض أحد، ولو أن ساندويتش الشاورما بـ50 جنيها فلن يعترض أحد، ولكن حين يصل الكتاب إلى 50 جنيها يتذمر العديد من الناس.. إذا كيف ينتعش سوق النشر.
الأمر الآخر هو أن يكون للأسر دور في التشجيع على القراءة، في فرنسا هناك إلزام للأسر في المدارس الابتدائية أو الاعدادية، بأن تختار لابنها كتابا يقرأه ويناقشه في المدرسة، وتقوم الأسرة بشراء كتاب كل أسبوع، فالمدارس هنا تدفع الآباء دفعا لشراء الكتب من المكتبات، في حين أننا هنا حين نجد الطفل يمسك كتابا نقول له “ضع ما في يدك وذاكر دروسك”، رغم أنه يجب ان يكون العكس وأن الطالب لن يكون متفوقا إلا إذا قرأ في الأدب والكتب الخارجية.
وفي الأخير نتمنى أن يكون هناك عمل أو اثنين لهما شعبية فهذا كاف لأن يتوجه الكثير من الناشرين لهذا الاتجاه.
في الصعيد هناك أساطير وخرافات لم يقترب أحد منها.. فماذا تتوقع إن تم توظيف هذه الأساطير في كوميكس مصري شعبي؟
في رؤيتي سوف تكون خطوة رائعة جدا توظيف الأساطير المصرية في فن الكوميكس، وجزء كبير من تبسيط المعارف القديمة كان عن طريق الكوميكس، والأساطير جزء منها تخيلي وصور، فلا نجدها في الواقع مثل أن تمطر السماء شيئا غير الماء، فالكوميكس هنا هو أفضل صوت فني للتعبير فعلا عن هذه الأساطير، وحين نقرأها مكتوبة فلن تنقل الكتابة ما سوف تنقله الرسوم، وبالفعل أنت تشير لمادة هائلة وممتازة و مجال الكوميكس قادر على إيصالها لكل الناس.
هل ترى أن لدينا ندرة في الفنانين الذين يمكن أن يقوموا برسم الكوميكس؟
لدينا فنانين ممتازين، والفكرة أننا نجد أنهم يعبرون بتصميم أغلفة الكتب، ولو سمح لهم بالاتجاه للكومكيس فسيقومون بأعمال هائلة، ولكن الكوميكس هنا قاصر على الأطفال ونحن نريده للكبار، ولو فتح هذا المجال فإن خيال الفنان سينطلق.
هل نعتبرها دعوة للهيئات المصرية كهيئة الكتاب وقصور الثقافة للمشاركة في إنتاج هذا الفن؟
نتمنى ولكن المشكلة أن دور النشر الرسمية يقولون إن سقف الحرية لديهم أقل من دور النشر الخاصة، ولو أن قارئ رأى صورة كوميكس عن هيئة الكتاب مثلا فسيقول هذه أموال دافعي الضرائب ينشرون بها صورا، وكأن أموال دافعي الضرائب ليست للفن.