الإجابة تونس!
يقول المثل العامى إن «المركب التى لها ريسين تغرق»، وفى تونس كان هناك ثلاثة رؤساء، واحد للجمهورية، والثانى للوزارة، والثالث للبرلمان، والسبب دستور إخوانى الهوى كان يهدف لتفتيت السلطة، وتضييع الصلاحيات، وتفتيت الملفات لحساب سيطرة الإخوان الذين رأوا أن يسيطروا على رئاستين، ويتركوا الثالثة، فيبدون أمام العالم وكأنهم أدركوا درس إخوان مصر، ورفعوا شعار مشاركة لا مغالبة.. وكان المدهش أن الدستور التونسى خالف دساتير العالم كلها، وابتكر هذا النظام السياسى ذا الرءوس الثلاثة.. والذى يُذكرك بلعبة الثلاث ورقات الشهيرة التى كان يلعبها بعض النصابين فى مواقف الأتوبيسات فى الأحياء الشعبية، هادفين بها الضحك على عقول البسطاء وابتزاز قروشهم القليلة. فى دساتير العالم كله النظام إما رئاسى تتجمع فيه السلطات فى يد الرئيس.. أو برلمانى يحكم فيه رئيس الوزراء، لكن إخوان تونس ابتكروا نظامًا ثلاثى الرءوس، وأطلقوا على أطرافه «الرؤساء الثلاثة» على وزن «المغامرين الخمسة» و«الشياطين الثلاثة عشر»، وهو تهريج سياسى لم يقد البلاد إلا للفرقة والتشتت، والانهيار الاقتصادى والإدارى أيضًا، حيث عجزت حركة النهضة عن السيطرة على وباء كورونا.. ووصل عدد الضحايا إلى سبعة عشر ألف متوفى من جملة عشرة ملايين تونسى، وبلغ عدد الإصابات مئات الآلاف، وعجزت وزارة الصحة عن توفير الأدوية، واللقاحات اللازمة لعلاج المرضى، وتدخلت عدة دول عربية كان على رأسها مصر لمد يد العون والمساعدة، وبلغت رغبة الإخوان فى التلاحى السياسى والتنازع غير المسئول أن إجراءات مقاومة كورونا نفسها كانت محل خلاف بين الرئيس قيس سعيد وبين رئيس وزرائه المعزول، وهو ما ضاعف من الأزمة، وكشف عن إدارة غير مسئولة، ولا ناضجة لجماعة لا يشغلها إلا السيطرة، والتلاحى، والتفرقة، والتنابز، وتضييع طاقة الشعوب والمسئولين فى مهاترات سياسية باسم الديمقراطية، والثورة.. رغم أن هدف الثورة هو تحسين حياة الناس، والوصول إلى الحكم الرشيد، لكن الثورة التونسية التى سرقها الإخوان لم تُحسن حياة الناس، وإنما قادت البلاد إلى الانهيار فى كل المجالات.. وهو ما يفتح الباب للحديث حول المقصود بـ«الثورة» و«الديمقراطية» فى عالمنا العربى الذى هو البقعة الوحيدة فى العالم التى يتدخل الدين فيها فى السياسة، وتتدنى نسب التعليم والثقافة بين شعوبها، ويختار الناس من يرفعون الشعارات الدينية طمعًا فى دخول الجنة، بغض النظر عن كفاءتهم أو صلاحيتهم للحكم من الأساس، وقد كانت النتيجة كارثة فى مصر، كما كانت كارثة فى السودان، كما كانت فى تونس، وهو ما يقودنا للتساؤل عن جدوى ذلك الطرح الثورى.. ومن وجهة نظرى فقد كان أمل الشعوب فى الربيع العربى أن تملأ نصف الكوب الفارغ ليصبح الكوب كاملًا.. لكن ثورات الربيع العربى أهدرت نصف الكوب الملآن ليصبح الكوب فارغًا تمامًا.. والحقيقة التى يستحى الكثيرون من ذكرها أن تونس وقت قيام ثورتها كانت تحقق معدل نمو اقتصادى ٧٪، وهو الأعلى فى العالم، مع مستويات تعليم ممتازة، وصناعة سياحة قوية، وتصدير قوى للعامل البشرى إلى دول أوروبا وفرنسا خاصة، مما كان يشكل مصدرًا من مصادر الدخل القومى، فضلًا عن طبقة وسطى مميزة وحريات اجتماعية غير مسبوقة، كانت هناك بالطبع عيوب كبيرة لنظام الحكم، وربما كان من الواجب تغييره، ولكن بالطريق الإصلاحى، ومن داخل الدولة التونسية نفسها، لكن ما حدث وبالطريقة التى حدث بها قاد البلاد إلى صفر كبير بعد عشر سنوات، وتراجع فى كل مناحى الحياة، وفوضى أمنية وسياسية، يضاعف منها عدم قدرة الدولة على تطبيق روشتة الإصلاح الاقتصادى خوفًا من إثارة اضطرابات سياسية جديدة، حيث يخرج المواطنون للشوارع لأسباب مختلفة، فما بالك لو تم تطبيق إصلاحات اقتصادية يعانى منها المواطن حقًا. هذا عن تونس خاصة، وعمّن يتاجرون بمفهوم الثورة كطريقة للتغيير فى عالمنا العربى، فى حين أثبتت كل التجارب أن طريق الإصلاح هو الطريق الأمثل لعالمنا العربى، وأن التغيير لا بد أن يتم من داخل الدولة الوطنية ومؤسساتها، وأنه لا مكان لتجار الدين فى هذا العالم العربى الذى كانوا سببًا فى تخلفه وتراجعه منذ ظهورهم وحتى الآن، وأن حكمهم الفكرى والسياسى لا يختلف عن حكم العالم على النازية والفاشية كأفكار مدانة، أرجعت البشرية إلى الوراء، ونشرت الكراهية والفرقة بين الشعوب وبين أبناء الشعب الواحد.. هنيئًا للتونسيين خلاصهم من حكم النهضة.. علمًا بأن عليهم أن يواصلوا الوصفة المصرية حتى النهاية.. مهما بدت الآثار قاسية والدواء مر الطعم.. فلا شفاء بغير دواء، ولا دواء غير الخلاص الكامل من عصابة الإخوان وإيداع قادتها حيث يجب أن يكونوا درءًا للفتنة، وحفاظًا على تونس.. أما عن مصر وأثر مصر فهذا ما نتحدث عنه غدًا.