الشاعر عزالدين بوركة عن رحيل المفكر محمد سبيلا: رجل الحداثة العربية بامتياز
فقد المشهد الفكري والفلسفي العربي، مساء أمس الإثنين، المفكر البارز محمد سبيلا، والذي يعد أحد أبرز المشتغلين بالمجال الفكري الفلسفي المتعلق براهن الحداثة وما بعد الحداثة، وجاء رحيل سبيلا إثر إصابته بفيروس كورونا.
على إثر فاجعة رحيله ومشروعه الفكري والفلسفي يقول الشاعر والناقد المغربي عزالدين بوركة لـ"الدستور": "أخلص محمد سبيلا للشرط الحداثي، وقد انكب على التفكير في مثالب ومخاضات الحداثة ومنعرجاتها وتحولاتها البروميثيوسية نحو ما بعدها، ودراسة الأنساق التي تتفرع عنها في محاولة جادة للخروج بمشروع رصين من أجل حداثة عربية، تنطلق من قراءة التراث وعدم الإقامة فيه، وتذهب صوب الفكر الغربي وعدم البقاء حده. غايته في ذلك رسم معالم وبوادر الحداثة في فكرنا العربي واستقراء واستنباط ما توصل إليه مفكرو الغرب.. حتى نستطيع تحرير فكرنا العربي من كل الشوائب والزوائد والأغلال.. وبالتالي، نؤسس حداثة عربية أسسها "العقل العربي" (بتعبير محمد عابد الجابري)".
وتابع بوركة: "محمد سبيلا من بين المفكرين المغاربة والعرب الذي شيّدوا مشروعهم بالبحث الرزين والرصين، مخلصين العزم لما آمنوا به، مشخصًا العقبات الحداثية ومطبات التحديث في وطننا العربي سياسيًا واجتماعيًا وفكريًا.. فكان بمثابة صرخة من أجل إنتاج مشروع فكري عربي حداثي لا انفصال فيه عن السياسي والمؤسسات السياسية والاجتماعي والثقافي والفكري".
ويشير بوركة: "كان محمد سبيلا مسارًا فكريًا ومشروعًا حداثيًا، كان يعيش ما يؤمن به، مكرسًا اشتغاله في عموميته، وخاصة في العقود الأخيرة، إلى سؤال الحداثة والتحديث فحسب، وقليلون هم المفكرون العرب الذين كوّنوا لأنفسهم مشروعًا صلبًا نسقيًا يحملون همه معهم أينما ارتحلوا، ومحمد سبيلا واحد من بين هذه القلة. فاصلًا بين الحداثة من حيث إنها الروح والتحديث من حيث إنه تمظهر من تمظهراتها، أي شكل لتعبيد الطريق صوبها، ما جعله يضع الأصبع على مكمن الخلل العربي، حيث يسود التحديث وتغيب الحداثة، يسود المظهر وتغيب الروح".
ولفت بوركة إلى أن "فكر محمد سبيلا خارج الصندوق، وداخل فكرنا العربي. لم يكن قط مثقفًا عاجيًا، بل نزل إلى ميادين النضال، مقاومًا لكل مد ظلامي من شأنه عرقلة تأسيس الحداثة داخل الأوطان العربية، وغير متخندق في أي شكل سياسي، حرًا عاش طليقًا في سماء النضال الفكري والفلسفي. حداثي بامتياز.
ويختم بوركة: "والشرط الحداثي، عند الراحل، يتطلب استيعاب ثلاثة تقسيمات حداثية، الحداثة التقنية والحداثة الاجتماعية والحداثة الفكرية، التي تقودنا إلى فهم العقل، وهو عينها الميدان الذي اشتغل فيه محمد عابد الجابري حول العقل العربي، إننا بالنسبة لصاحب مخاضات الحداثة ملزمون بفهم واستيعاب وإدراك التقسيم الثالوثي حتى نتجاوز مرحلة التحديث إلى مرحلة التقعيد للحداثة عربيًا".