أزمات ومعارك.. حكايات الكبار في معارض القاهرة للكتاب
الكثير من المعارك والأزمات شهدها معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولكن تبقى هناك أزمات ومعارك مؤثرة ويتذكرها الجميع برغم رحيل أصحابها، حتى أن رحيل أصحابها كان بسببها، وفي هذا التقرير نرصد أهم المعارك والأزمات في تاريخ معرض الكتاب.
معركة تسببت في وفاة صلاح عبد الصبور
كان معرض عام 1981 شؤما على الثقافة المصرية بأسرها، ومن المفارقات العجيبة أن يحمل هذا المعرض المشئوم والذي شاركت فيه إسرائيل الرقم 13، وهو الرقم الذي عرف بالتشاؤم في معظم الدول الغربية.
افتتحت المعرض السيدة جيهان السادات، وكان وزير الثقافة وقتها هو منصور حسن، وكان رئيس هيئة الكتاب هو الشاعر الكبير الراحل صلاح عبد الصبور، والذي أجبر على حضور الافتتاح، والذي شكل –فيما بعد- أزمة نفسية عنيفة لعبد الصبور مع العديد من المثقفين.
ورغم أن الخصم الخاص على الكتب العربية والأجنبية آنذاك كان 50% إلا أن المعرض قوطع بشكل ملحوظ وحاسم شعبيا وعربيا.
كان حضور السفير الإسرائيلي "إلياهو بن إليسار" هو الذي شكل علامة مستفزة وحدثت بسببه الكثير من المناوشات والمواجهات منذ الحظة الاولى لمعرض الكتاب.
وفيما بعد، كان هذا المعرض هو الذي تسبب في وفاة الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور بعد الجلسة الشهيرة التي شهدها مبدعون كثر في منزل الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي.
يومها اجتمع عدد من كبار المثقفين للاحتفال بعيد ميلاد ابنته، وسرى صوت الشاعر عبدالرحمن الأبنودى معلنًا «ما احناش فى زمن الشعب ما احناش جسد واحد»، ليعقب الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور أن الحق كل الحق مع «الأبنودى» فيما يقول، لتنطلق القنبلة التى أخرست صاحب «أحلام الفارس القديم» من فم الكاتب الساخر ورسام الكاريكاتير بهجت عثمان: «وذنب الشعب إيه يا صلاح والمثقفين خانوه؟» وحين سأله صاحب «الناس فى بلادى» عن حقيقة قصده، رد عليه الساخر الشهير بطلقة أشد قائلًا: «أقصد إن أمثالك هم اللى باعوا القضية يا صلاح»، وكانت التهمة الموجهة زورًا لـ«صلاح» أنه، وهو رئيس للهيئة العامة للكتاب، سمح لإسرائيل بأن تشارك بدورة معرض الكتاب فى 1981.
عقب هذه الكلمات القليلة، أصيب الشاعر الكبير باختناق ولم يستطع التنفس، ونقله الأصدقاء على الفور إلى أقرب مستشفى، ليشخص الأطباء حالته على أنها إصابة بأزمة قلبية، وبعد قليل خرج أحد الأطباء بالنبأ، الذى أوجع المصريين «البقية فى حياتكم.. صلاح عبدالصبور مات.
معركة المفكر الكبير فرج فودة
قبل تنفيذ عملية اغتياله بأيام وبالتحديد فى 3 يونيو 1992، نشرت جريدة النور الإسلامية بيانًا من ندوة علماء الأزهر يكفر فرج فودة ويدعو لجنة شئون الأحزاب لعدم الموافقة على إنشاء حزبه المستقبل، وهو ما اتخذه المتهمون ذريعة لتنفيذ عملية القتل.
«مناظرة أعقبها اغتيال»
تم ترتيب مناظرة ضمن فعاليات معرض الكتاب فى عام 1992، وجاءت تحت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية» ومثل فيها الدولة المدنية: «فرج فودة ومحمد أحمد خلف الله»، بينما مثل الدولة الدينية الدكتور محمد الغزالى العضو السابق فى الإخوان، والمستشار مأمون الهضيبى المرشد العام لجماعة الإخوان الإرهابية وقتها، وانعقدت المناظرة التي تم التحريض فيها على فرج فودة بل واتهامه فى دينه وأفكاره وعقيدته، واعقب الندوة حالة شحن ضد فرج فودة، ليتم اغتياله بعدها بستة أشهر.
تفاصيل اغتياله
انتظره شابان من الجماعة الإسلامية على دراجة بخارية أمام الجمعية المصرية للتنوير، والتى يتواجد فيها مكتب فرج فودة، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه وأحد أصدقاءه، وفى أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق أحد المتهمين بالدراجة البخارية وأطلق الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فوده إصابات بالغة فى الكبد والأمعاء، بينما أصيب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلق الإرهابيين هاربين.
أزمة عبد الرحمن الأبنودي مع سمير سرحان
في ختام إحدى أمسيات معرض الكتاب الدولي عام 1988، فجر الشاعر عبد الرحمن الابنودي، أزمة كبيرة قبل بدء أمسية الشعر العامي التي حضرها الدكتور سمير سرحان، رئيس هيئة الكتاب وقتها.
وتحدث الأبنودي مخاطبًا جمهوره:" هناك إهانة يتعرض لها الشعراء المصريون كل عام في هذا المعرض، وكأنها مؤامرة على الشعر المصري والشعراء المصريين الأستاذ عبدالله البردوني، شاعر كبير وأستاذنا، لكن ميبقاش أبدا الشاعر عبدالله البردوني ومجموعة من الشعراء المصريين".
وتابع: "الشعراء المصريين ليسوا مجهولين، وعفيفي مطر ميبقاش الشعراء المصريين، واحنا منبقاش الشعراء المصريين، وإن كان على الليلة فنحن بإمكاننا إحياء 99 ليلة، وإذا كان على الناس ربنا يخلي لنا الشعب المصري ووجوهكم بنقابلها كل يوم، وف كل مكان، ومش محتاجين لمعرض الكتاب عشان نقابلكم ، فإما حيمشوا معانا كويس ويحترمونا زي ما بنحترمهم سواء كان سمير سرحان أو الاستاذ سعد أردش هو اللي منظم الحكاية دي وإلا والله نضربهم".
- الأبنودي: "كان يوم مقندل يوم ما كتبنا شعر عامي"
وهنا حاول الدكتور سمير سرحان أن يقاطع الأبنودي فرد عليه: “لما اخلص يا بيه، لما اخلص كلامي”، أكمل: "ده عن الشعراء المصريين عامة، وتعالوا لقدرنا اللي اسمه شعر العامية، كان يوم (مقندل) يوم ما كتبنا شعر عامي، ياخويا يكومونا على بعض ويحدفونا في آخر ليلة لما الوفود تكون مشيت، 12 شاعر في ليلة واحدة يعني الواحد يقول سبع دقايق ونص ويتكل على الله".
وواصل الأبنودي: “السبع دقايق دول نقدر نسرقهم من الراديو ولا من التلفزيون، لكن ليه شعراء العامية ميتوزعوش على كل الشعراء في كل الأمسيات؟، طبعا لأن شعر العامية شعر معدي زي الجذام ميصحش يقعد مع الأصحاء”.
- سمير سرحان يرد هجوم الأبنودي
وردا على كلام عبد الرحمن الأبنودي فقد تحدث الدكتور سمير سرحان، وقال إن الأبنودي خانه التوفيق في كلمته، وتحدث عن أهمية استضافة الشعراء العرب في أمسيات المعرض كجسر للتواصل الثقافي بيننا وبين البلاد العربية من أجل تحقيق الوحدة الثقافية في وقت فرقت بيننا السياسة.
كما نفى "سرحان" تجاهل إدارة المعارض للشعراء المصريين وإهانتهم، مؤكدا أن ترتيب كلمات الشعراء تم طبقا للحروف الأبجدية بغض النظر عن مكانة الشعراء العرب والمصريين، الذين هم أصل الإبداع وقبلة أنظار المثقفين في العالم العربي هم تبعا لقدر مصر ومكانتها الحضارية والثقافية التي تجعل الشعراء العرب يأتون إليها خصيصًا ليطلقون منها صيحتهم عالية مدوية".
ووجه كلامه للأبنودي قائلًا: "لهذا أرجو أن يصدق صديقي الأبنودي أن هذا المهرجان الثقافي أعاد للقاهرة، وجهها الحضاري المشرق على مستوى الوطن العربي وأعاد للقاهرة شعراءها المصريين أيضا".
- الشاعر المصري يجب أن يحترم
وهنا رد "الأبنودي"، " يعني هطلع من هنا ضد العرب"، وهنا طالبه سمير سرحان وبعض الحاضرين بأن يبدأ في قول الشعر، فوجه الأبنودي حديثه للجميع قائلا: "تسمعوا شعر لما ييجي شعر، إنما لازم الإنسان يخلص اللي في ضميره واللي في قلبه وبالنسبة للعام القادم – إذا عشنا- إذا سلكتم معنا نفس السلوك فلن نشارككم هذا الاحتفال الثقافي الضخم ونحن لا ننكر هذا، فمعرض الكتاب الذي ناضل لكي يصبح معرضا عربيا بعد أن نفي من داخله اسرائيل، لاشك أنه يشرفنا أن ترتفع أصواتنا منه ولكن يجب أن يحترم الشاعر المصري، ويجب ألا يعامل كأنه شئ هامشي"، وذلك حسبما ذكر مجدي الطيب، في جريدة صوت العرب.
معركة الدكتور عبد العظيم رمضان مع التطرف
كان معرض الكتاب السادس والثلاثون حافلا بالمتطرفين الدينيين، الذين كانوا يتواجدون في الندوات التي تتصل بالمرأة على وجه الخصوص وبتحررها أو بالحجاب وغير ذلك، فإذا سمعوا آراء تعارض آرائهم أثاروا الاعتراضات قاموا بالتشويش اللازم والهجوم على المتحدث، حسبما ذكر الدكتور عبد العظيم رمضان في مقال له تحت عنوان " معرض الكتاب والتطرف الديني".
ويكمل رمضان:" كانوا يحضرون في شكل كتيبة موزعة في أنحاء القاعات فإذا قال المتحدث رأيا معارضًا لهم انطلقت أصواتهم في شتى أنحاء القاعة يعترضون ويشوشرون ويحيلون الحوار الحضاري إلى حوار صارخ، ولقد تعرضت بنفسي لإحدى هذه الفرق في ندوتين، وكانت تدور حول رفاعة الطهطاوي، فلم أكد أعقد مقارنة بين ما بشر به رفاعة الطهطاوي من حرية الفكر، وما حدث في هذه الأيام من هجوم على فضيلة شيخ الازهر والافتراء عليه حتى ارتفعت أصوات تلك الكتيبة من المتطرفين تهاجمني وتهاجم شيخ الازهر، وكاد الامر يتحول إلى معركة، وبدا غضب هذه الأصوات على شيخ الازهر لما قاله عن الحجاب".
وأكد رمضان: "كانت المرة الثانية في مناقشة كتاب (المرأة الجديدة) للكاتبة إقبال بركة، فعندما تطرق الأمر إلى الحجاب وجدنا نفس الأصوات متكتلة في القاعة تهاجم شيخ الأزهر وهي نفس الفرقة ونفس الكتيبة وسادت الغوغائية القاعة".
يواصل: "لقد أبديت دهشتي أن يهاجم الجهلة شيخ الأزهر على علمه وقدره وفضله، ولكن من قال إن المتطرفين يعرفون الدين ويفهمون شيئًا في الدين، ولقد سألت أحد الذين يهاجمهون شيخ الأزهر عما يحمله من شهادة علمية تبيح له هذا الهجوم على الإمام الأكبر، فقال إنه يحمل الشهادة الابتدائية، ولكنه تذرع بأن الأستاذ العقاد لم يكن يحمل سوى الابتدائية، وقد وافقته أصوات الكتيبة المتطرفة على ذلك، وتصوروا أن من يحمل شهادة الابتدائية يصبح مثل العقاد، ويستطيع أن يحاجج شيخ الأزهر، وهذه مصيبة كبرى ألحقها التطرف الديني بوطننا وكان سببًا في تأخرنا وهو ما يحتاج إلى دراسة خاصة عن مصائب هذا التيار في بلدنا وفي العالم أجمع".